-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

هل كان ابن باديس سلفيا؟

سلطان بركاني
  • 1461
  • 0
هل كان ابن باديس سلفيا؟

قبل أيام، في الذكرى الرابعة والثمانين لرحيل الإمام ابن باديس -رحمه الله- هبّت الصفحات والمجموعات المحسوبة على التيار المدخلي عندنا، تتناقل عبارات خطّها قلم رائد النهضة الإصلاحية في الجزائر، يتبنّى فيها الطريقة السلفية في العمل لدين الله والدّعوة إليه. وكان غرض هذه الصفحات أن توهم النّاس بأنّ الطريقة السلفية التي كان عليها الإمام ابن باديس وإخوانه في جمعية العلماء هي هذه النحلة المدخلية التي أثقلت كاهل الأمّة ببث الوهن وتبرير الخذلان وإثارة المعارك الهامشية في وقت تستباح فيه بيضة المسلمين!

لقد بلغ الأمر بهذه المجموعات والصفحات المدخلية إلى حدّ استباحة الكذب لإثبات دعوى انتساب الإمام ابن باديس إلى نحلتها التي لا تملك نسبا، حيث تداولت كلمة منسوبة إلى رائد الإصلاح المعاصر يقول فيها: “وليعلموا أنّ السلفية هي المرجعية الدينية للجزائريين، وهي الدّعوة الأصلية في هذه الديار”، وهذه العبارة لا وجود لها في العدد 98 من مجلة الشهاب الذي زعموا النقل منه، ولا في أي عدد آخر من المجلّة، بل لم يقلها ابن باديس، ولم يخطّ شيئا منها.. حتى الشيخ الجزائري محمد علي فركوس، الذي سبق له أن نسب هذه الكلمة إلى ابن باديس، في مقال له عنوانه «تبيين الحقائق للسالك لِتَوقِّي طُرُق الغواية وأسبابِ المهالك»، تدارك خطأه بعد ذلك وتراجع عنه في مقال آخر عنوانه «تنبيه واستدراك على مقال “تبيين الحقائق للسالك لِتَوقِّي طُرُق الغواية وأسبابِ المهالك”».

ولو ثبتت هذه العبارة عن الإمام ابن باديس، ما دلّت أبدا على أنّه -رحمه الله- على الطريقة السلفية المعاصرة التي حُوّرت كثير من مبادئها وعُدّلت كثير من أولوياتها، فضلا عن أن تدلّ على انتسابه إلى السلفية المدخلية التي يتبرّأ منها أعلام السلفية الإصلاحية المعاصرون.

ابن باديس وإخوانه -رحمهم الله- كانوا سلفيين إصلاحيين ينشدون الإصلاح في بلد تعرّض لمحاولات دؤوبة لمسخ هويته من طرف استعمار صليبي بغيض، فكان اجتثاث موروث الاستعمار هدفهم الأسمى، بخلاف السلفية المدخلية المعاصرة التي تغضّ طرفها عن مكر الاستعمار الحديث بالإسلام والمسلمين، وتوجّه حرابها إلى المصلحين الذين يواجهون الاستعمار الثقافي والسياسي والاجتماعيّ، لتجرّحهم وتصدّ النّاس عنهم.

الإمام ابن باديس وإخوانه حاربوا الاستعـمار وحاربوا عملاءه من الطرقـيين والاندماجيين، بينما المداخلة المعاصرون يوالون عملاء الاستعـمار ويتولونهم ويدافعون عنهم ويهاجمون كل من يبرأ منهم!

الإمام ابن باديس وإخوانه في جمعية العلماء لم يكونوا يطعنون في الجماعات المعتدلة العاملة للإسلام، ولم يكونوا يحذرون منها، وقد كانت تربطهم علاقات طيّبة بالإباضيين وشيوخ الزوايا في الجزائر، كما كانت تربطهم علاقات ودّ وتعاون وتزاور مع الحركات الإصلاحية في بلدان إسلامية كثيرة، ومن ذلك اجتماعهم بكثير من رموز الإخوان المسلمين ومفكّريهم.. ولم يطعن ابن باديس وإخوانه في سوى الطرقــيين، لأنّ هؤلاء كانوا ينشرون الخرافة التي يتغذى منها الاستعــمار والمخالفة للعقيدة الصحيحة.. أمّا المداخلة، فلم تسلم منهم جماعة مسلمة، حتى السلفيون الذين لا يتّفقون مع المداخلة في منهج التجريح والتبديع، يطعن فيهم مدمنو التجريح ويصنّفونهم سرورية ومميّعة!

ابن باديس وإخوانه في جمعية العلماء، كانوا على عقيدة السلف في التعامل مع صفات الحقّ سبحانه، يمرّونها ولا يخوضون فيها، على خلاف المداخلة الذين يخوضون في صفات الله ويمتحنون الناس بإثبات الساق والأصابع، ومنهم من يمتحن الناس بإثبات “الهرولة” لله تعالى عما يقولون!

ابن باديس وعلماء الجمعية لم يقزّموا قضايا الدين العظيمة، ولم يعظّموا القضايا الجزئية، كما يفعل المداخلة الذين قزّموا قضايا كبيرة كالحاكـمية والولاء والبراء، وعظّموا قضايا جزئية كإسبال الثوب وحلق اللحية وإخراج زكاة الفطر نقدا ورفع اليدين عند الدعاء بعد الصلاة والتكبير الجماعي، …

ابن باديس وإخوانه في جمعية العلماء لم يحــاربوا المذهب المالكي، بل تبنوه ونشروه، بينما المداخلة في الجزائر يروّجون بين الناس أن المذهب المالكي يخالف السنة والدليل في كثير من المسائل! ويسخرون من الأئمّة الذين يشرحون مصنفات المذهب ويفتون النّاس وفق قواعده!

باختصار: الإمام ابن باديس كان سلفيا إصلاحيا، سعى للعودة بالأمّة الجزائرية إلى معين الإسلام الصافي، بعيدا عن البدع والخرافات التي روّج لها الاستعمار واقتات منها لتخدير الأمّة، وقد راعى رائد النهضة الإصلاحية خصوصيات المجتمع الجزائريّ وأعرافه، فلم يعلن النّكير على العادات والأعراف التي لا تخالف الدّين، ولم يتنكّر للمذهب الفقهيّ الذي ارتضته منطقة المغرب الإسلاميّ، ولم يكن يوسّع قائمة “البدع”، ولا كان همّه تجريح العاملين وإسقاط المصلحين، إنّما كانت يده ممدودة لكلّ المصلحين وكلّ من يملك غيرة لدينه.. حتّى الطرقيون الذين آذوه ووشوا به، ظلّ ساعيا في استمالتهم إلى طريق الإصلاح، حتى توفّاه الله وهو يقول: “تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!