كبيرهم الذي علّمهم السحر
هل يوجد إعلاميٌّ حر في مصر..؟ هل توجد قناة مستقلة في مصر..؟ بل هل يوجد مواطن واحد حر بإمكانه أن يتنهد.. ولا نقول أن يحتج وهو يشاهد علم الدولة العبرية يرفرف في السماء مع مئذنة الأزهر أو وهو يشاهد ما تقترفه دولته في حق الأبرياء في غزة الشهيدة..!؟
أسئلة لا تنتظر الإجابة، لأن المتتبع للإعلام المصري ولحديث الشارع المصري يلاحظ أن التاريخ لا يعيد نفسه في هذا البلد وإنما يرفض أن يتغير ولو لسنوات قليلة، بدءا من الكبير الذي يعلم الناس السحر الذي لا يفلح به حيث أتى، إلى السحرة الذين يرمون عصيهم فيتخيلون انتصارات غير موجودة إلا في أذهانهم من فرعون موسى مرورا بكافور الإخشيدي والحاكم بأمر الله وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
النفسانيون يربطون الأحقاد بحالة الخيبة والأسى، وهو ما حاولنا أن نفهمه عندما تبخر حلم مصر في بلوغ المونديال، الموعد الكروي الكبير الذي لا يحضره سوى كبار المعمورة، واعتبرنا حالة الهستيريا التي صاحبت عدم دخولهم جنة المونديال والبقاء في سعير أمم إفريقيا مجرد تنفيس عن النفس وشهقات وزفير حسرة، وحاولنا تناسي ما حدث، وحاولنا أيضا اعتباره عملا فرديا لا يعني الجميع رغم أننا على مدار العدوان الإعلامي المصري الذي انطلق في 18 نوفمبر لم نستمع أبدا لصيحة رجل رشيد واحد “أليس فيكم رجل رشيد..؟” النفسانيون الذين يربطون الأحقاد بالخيبة هل يمكنهم تفسير اشتعال الأحقاد الآن المصاحبة لحالة الابتهاج أم أن الفوز بكأس إفريقيا بالنسبة للفراعنة ذكرهم بأنهم أنهوا موسمهم الصغير وسيفسحون الآن المجال للكبار للاستعداد للفرح الحقيقي الكبير..!؟ وهو ربما ما يفسر الألم المصري الذي تحوّل إلى حقد معلن ضد البلد الذي حرمهم وسيحرمهم دائما من التواجد مع الكبار وبقاء فرحتهم محصورة مابين صحراء سيناء المستعمرة السياحية الإسرائيلية وجزيرة مدغشقر .
لقد عاش العالم العربي ومصر بالخصوص أحداثا عسكرية شيبت الولدان من عاصفة الصحراء إلى العدوان على جنوب لبنان وعلى غزة وتطابق الرأي الإعلامي المصري العمومي والخاص، وعاشت أحداثا اجتماعية من حريق قطار أسوان إلى مقتل مروة في ألمانيا وتطابق الرأي الإعلامي المصري العمومي والخاص، وعاشت أحداثا سياسية من موقفها من القمم العربية ومن سوريا وقطر إلى مهزلة الجدار الفولاذي وتطابق الرأي الإعلامي المصري العمومي والخاص.. والآن وبعد هذا الحدث الكروي الخليط بالسياسة وبالثقافة وبالتاريخ وبعد أن تلوّن من هزيمة الخرطوم إلى “فوز” بانغيلا تطابقت الآراء الإعلامية المصرية العمومية والخاصة، مما يؤكد أن ما يقوم به السحرة الذين رموا بعصيهم أمام الملأ إنما ما كانوا ليفعلوا ذلك لولا أوامر كبيرهم الذي علمهم السحر .