-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

كتائب الحُفّاظ!

سلطان بركاني
  • 1093
  • 0
كتائب الحُفّاظ!

في غزوة حنين (8 هـ)، رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- في أصحابه تأخراً في بداية المعركة، فأمر العباس بن عبد المطّلب فنادى فيهم: “يا أصحاب سورة البقرة”، فجعلوا يُقْبلون ويتقدّمون؛ ما كان سببا مهما في انقلاب دفّة المعركة لصالح المسلمين.. ثلاث سنوات بعدها، في حرب المرتدين، تكاثرت أعداد جند مسيلمة، فجعل المسلمون يتراجعون، فما هو إلا أن نادى المهاجرون والأنصار: “يا أصحاب سورة البقرة”، ونادى أبو حذيفة -رضي الله عنه-: “يا أهل القرآن، زينوا القرآن بالفعال”، حتّى دبّ الحماس في قلوب الحفظة والمسلمين جميعا.
كان بين جند المسلمين صحابيّ يدعى “سالم مولى أبي حذيفة”، أحد الأربعة الذين أوصى النبيّ -صلّى الله عليه وآله وسلّم- بأخذ القرآن عنهم؛ أخذ راية المهاجرين، فسألوه: أتخشى أن نُؤتى من قِبلك؟ فقال: “بئس حامل القرآن أنا إذن”، وحفر لنفسه حفرة، فقام فيها حتى لا يتزحزح، وقاتل حتى قطعت يده اليمنى، فأخذ الراية بشماله فقاتل حتى قطعت، فاحتضن الراية وهو يقول: ((وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ)) (آل عمران:144). وظلّ صامدا حتى قتل شهيدا، وكان لثباته وثبات الحفظة معه أثرا كبيرا في انتصار المسلمين على المرتدّين.
كثير من المسلمين اليوم لا يعلمون أنّ المنضوين تحت لواء كتائب الشهيد عز الدين القسّام، الجناح العسكريّ لحركة حماس، يهتمّون بحفظ القرآن وحسن تلاوته، ويجعلون ذلك من محفّزات الترقية في الرتب العسكرية، كما يجعلون مبدأ “بئس حامل القرآن أنا إن أُتِيَ المسلمون من قِبلي” منهجا لجهادهم، وقد ذكر كثير من العارفين بالكتائب أنّها تضمّ كتيبة عالية التدريب والجهوزية تسمّى “كتيبة الحفّاظ”، لا ينضمّ إليها إلا من حفظ القرآن الكريم حفظا متقنا، إضافة إلى انضباطه في عباداته وحرصه على نوافلها.
الرّباط في فلسطين علّم جنود القسّام أنّهم على ثغر من أهمّ ثغور المسلمين، وأنّ آمال الأمّة معلّقة بعد الله بهم، وأنّ الأيام ستدور ليولّي شباب الأمّة بوصلتهم إلى أهل الرباط ليجعلوهم قدوة لهم.. ربّما لم يكن توجّه شباب الأمّة نحو المرابطين واضحا في المعارك السابقة التي خاضها المجاهدون في فلسطين في مواجهة الصّهاينة، لكنّه الآن وبعد ملحمة طوفان الأقصى أصبح واضحا، حين غدا أبو عبيدة -الناطق باسم كتائب القسّام- أشهر بين شباب الأمّة من كلّ العلماء والدّعاة والمصلحين، ولمس المسلمون عامّة ذلك الرباط الوثيق بالدّين، الذي يظهر في كلمات ومواقف القادة، ورأوا صور الجند وهم يجتمعون على تلاوة القرآن في الأنفاق، وعاينوا من أخلاقهم في معاملة الأسرى ما أدهشهم، بل وما شدّ انتباه الغربيين الذين رأوا الأسرى يودّعون جند القسّام في صفقة التبادل الأخيرة والابتسامة تعلو وجوههم وأيديهم تلوّح بالتحية والشّكر، وهو ما حمل آلاف الغربيين على البحث في ترجمات القرآن عن مصدر هذه الأخلاق ومبعث هذا الثّبات الذي يتحلّى به المقاتلون خاصّة وأهل غزّة عامّة.. وقد أسلم المئات منهم بفضل الله.
هذه الربانية التي ظهر عليها عناصر القسّام، يَحسن أن توجّه رسالةَ تأديب لأولئك المخلفين والقاعدين من أمّتنا الذين سوّل لهم شياطين الإنس والجنّ أن يسلقوا المرابطين بألسنة حداد، ويتّهموهم بأنّهم يختبئون في الأنفاق ويتركون المدنيين للقصف والقتل! وهل يصحّ أن يظنّ هذا السّوء بحامل القرآن الذي باع نفسه لله؟ وإذا كان أُسد القسّام يختبئون في الأنفاق، فمن دمّر دبّابات العدوّ وأجهز على جنده من مسافة الصّفر؟ ومن أربك خطط الصهاينة وجعلهم يقبلون بصفقة تبادل الأسرى صاغرين بعد أن كانوا يتوعّدون بإنهاء المهمّة من دون تقديم أيّ تنازلات.
كما يحسن أن توجّه هذه الرسالة إلى أولئك المتسنّنين الذين نصحوا كتائب القسّام بأن يهتمّوا بتعلّم وتعليم العقيدة الصّحيحة! فها هي العقيدة الصافية النقية تتمثّل في صورة رجال يجاهدون في سبيل الله لا يخافون لومة لائم، لا تخيفهم قوات العدوّ، ولا الإمدادات التي تأتيه من الغرب والشّرق، ولا يفتّ من عزمهم خذلان الأقربين وخيانة الخائنين.. لقد أثبت هؤلاء أنّهم الأوْلى بتمثيل العقيدة الصّحيحة والنّطق باسمها في هذا الزّمان، وليس أولئك الذين جعلوا العقيدة متونا تحفظ وعبارات تردّد، وحينما حانت ساعة الامتحان فوجئت بهم الأمّة يرفعون شعار: “لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!