-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

… كذبة حل الدولتين

… كذبة حل الدولتين

كان البعض مُصدِّقا أن الولايات المتحدة الأمريكية مؤمنة بالفعل بحل الدولتين جنبا إلى جنب في فلسطين، بدون الخوض في التفاصيل، وكان آخرون يتحدثون عن مأزق حل الدولتين وصعوبة تنفيذه في الواقع، وطرف ثالث يؤكد أن الولايات المتحدة إنما هي مؤمنة وتعمل من أجل حل واحد وهو القضاء تماما على فكرة الدولة الفلسطينية مقابل تعزيز مكانة ودور الكيان الصهيوني والاعتماد عليه في تنفيذ مخططاتها بالمنطقة اعتمادا كليا.

وكنت من الذين يقولون بأننا نعيش مأزق حل الدولتين، لم أكن أعتقد أن دولة بحجم الولايات المتحدة تتلاعب بالقضية الفلسطينية بمثل هذه الكيفية، وإذا بها تزيل، يوم 18 من الشهر الجاري، كل الشكوك من أمام أعيننا، باستخدام حق الفيتو ضد قبول فلسطين دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، الذي يعني عمليا قَبْر مشروع الدولة الفلسطينية من الأساس، في هذا الظرف بالذات، حيث كل المؤشرات تدل أن قبول فلسطين دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة كان من شأنه أن يكون بداية الطريق لوقف العدوان على غزة، والتمكن من استيعاب قوى المقاومة المسلحة في نطاق هذه الدولة، إن في شكلها العسكري أو السياسي، وبالنتيجة الشروع في إقامة الحل المنشود للقضية الفلسطينية على أساس الدولتين كما في أدبيات الأمم المتحدة، والتأكيدات الأخيرة لأغلب السّاسة الأمريكيين وعلى رأسهم “جو بايدن”..

كل هذا ذهب اليوم أدراج الرياح، وأصبح واضحا أن القيادة الأمريكية إنما هي منحازة تماما لطرف دون الآخر، بل تعتبر نفسها جزءا من الطرف الآخر الصهيوني المتطرف الرافض لأي وجود للفلسطينيين على أرض فلسطين التاريخية، وهذا من شأنه أن يعزز مواقف المقاومة ويعطيها كل الحق في اللجوء إلى الكفاح المسلح المشروع لهزيمة  الاحتلال وانتزاع الاستقلال انتزاعا كما فعلت كل الشعوب التي تحررت من الهيمنة الاستعمارية الغربية منذ منتصف القرن الماضي. وهذا ما يلغي فعليا إمكانية الدعوة للتعايش بين الجميع في أرض واحدة بعيدا عن العنف والاقتتال والانتقام، وهذا ما سيؤجج الصراع أكثر في المنطقة…

لذلك فإنه يصبح مشروعا اليوم اعتبار الولايات المتحدة هي السبب الرئيس فيما يحدث اليوم في غزة، وفي  ما سيحدث غدا بها، وهي السبب الرئيس في كافة التوترات في المنطقة، وفي الإبقاء على المنطق الاستعماري الغربي العنصري حيا في القرن الحادي والعشرين. ولن تغفر الشعوب المستضعَفة هذا الظلم الواضح والفاضح للأمريكيين، بل إنها لن تصدق من الآن فصاعدا، أنهم سيقفون ذات يوم إلى جانب الشعب الفلسطيني في الدفاع عن حقوقه المشروعة.

ولعلها هذه رسالة لقيادات الدول المطبِّعة مع الكيان لتفهم أن الأمريكيين لا يهمهم سوى  مصالحهم والمصالح الصهيونية في المنطقة، وأنهم لا ينظرون لهذه القيادات أنها مُحِبَّة للسلام ساعية لوضع حد للنزاع، متنازلة عن الكثير من حقوقها، بل ينظرون لها كقيادات من الدرجة الثانية خاضعة للمنطق الأمريكي، ولا يمكنها أن تكون أبدا نِدّا للصهاينة. وهو ما يؤكد تلك النظرة الاستعلائية للغرب على الشرق، بل وما يؤكد احتقار الغرب للشرق ومعاملته له كبشر من الدرجة الثانية بذات الطريقة التي تمت في القرن التاسع عشر ولكن بوسائل أكثر مرونة وأساليب تجعل من استغباء شعوب المنطقة ومعاملتهم معاملة دونية هي أساس كل علاقة..

وعليه يُنبِّهنا هذا الموقف الأمريكي إلى أن طريق التحرير إنما هو طريق محفوف بالمخاطر والتضحيات، وما التضحيات الفلسطينية التي نراها اليوم سوى خطوات جديدة وواعدة على طريق الثبات والنصر وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف كان أو لم يكن الفيتو الأمريكي… كذب أو لم يكذب الأمريكان…

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!