الرأي

كربلاء حرة.. إيران برّة

حسين لقرع
  • 1047
  • 4
ح.م

يشهد العراق منذ أول أكتوبر الماضي انتفاضة شعبية عارمة وغير مسبوقة، احتجاجا على تفاقم الفقر والبطالة، وسوء الخدمات العامّة وانعدامها أحيانا، وتفشِّي الفساد ونهب المال العام إلى درجة أنّ العراق بات يحتل كل سنة المرتبة الثالثة أو الرابعة على قائمة منظمة شفافية دولية للدول الأكثر فسادا في العالم!

كان بالإمكان احتواء انتفاضة العراقيين منذ البداية بوضع الحكومة خارطة طريق لتلبية مطالب المتظاهرين التي اعترفت بنفسها بشرعيتها، لكن الحكومة آثرت مجابهة المحتجِّين بالرصاص الحيّ وبقنابل غاز خارقةٍ للجماجم. وبالنتيجة، سقط أزيد من 300 قتيل و12 ألف جريح حسب الأرقام الرسمية، في حين تتحدّث مصادر مستقلة عن نحو ألف قتيل و20 ألف جريح، وكان ذلك دافعا كافيا للمحتجِّين للانتقال من رفع مطالب اجتماعية بحتة إلى المطالبة بإسقاط النظام برمّته، وكذا تخليص العراق من النفوذ الإيراني بعد أن تبيَّن أن الميليشيات الطائفية الموالية له شاركت في جرائم قتل المتظاهرين.

اللافت للانتباه في مظاهرات العراق أنها تمركزت في المحافظات الجنوبية وبغداد؛ أي أن الشيعة هم الذين ثاروا على النظام الشيعي الذي جاءت به دبَّاباتُ الاحتلال الأمريكي في سنة 2003. وطيلة 16 سنة، وعد حكامُ بغداد الجدد بالديمقراطية والحريات وتوفير رغد العيش للعراقيين، لكنهم أمعنوا في تفقيرهم ونهب أموالهم حتى عاد العراق الغنيُّ الذي يحقق نحو 70 مليار دولار من النفط سنويا، عقودا إلى الوراء، وتدهورت فيه الخدمات الأساسية كالكهرباء ومياه الشرب وشبكات الصرف الصحي والخدمات الصحية والتعليم… وبات يشبه أكثر بلدان إفريقيا وآسيا فقرا وبؤسا!

وعوض العمل على إصلاح الأوضاع، عمل النظامُ، لاسيما في عهد رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، على تكريس الطائفية، وتهميش السُّنة والأكراد، وتقديم المكوِّن الشيعي على الهوية الوطنية الجامعة، ما فاقم الإرهاب والاستقطابات الطائفية والعرقية بالبلاد، وكاد يقودها إلى التقسيم لولا لطف الله ويقظة العراقيين..

ومن المفارقة أن يثور الشيعة أنفسهم ضدّ هذا الحكم الذي تسيطر عليه الأحزاب الشيعية ويطالبوا بإسقاطه، وبإسقاط دستور بريمر، والتخلص من النفوذ الإيراني، وأن يهاجموا القنصلية الإيرانية في كربلاء ويرفعوا شعار “كربلاء حرة.. إيران برّة”، وهو تطوُّرٌ ذو دلالات كبرى؛ إذ يبدو أن العراقيين قد انتصروا أخيرا للهوية العراقية الجامعة على حساب مكوّناتهم الطائفية والعرقية، تماماً كما كان الأمر في عهد صدام حسين، وقرروا أن يستعيدوا وحدة نسيجهم الاجتماعي، وكذا قرارَهم الوطني السيّد وينهوا التبعية لإيران، ويفتحوا معها صفحة جديدة قائمة على العلاقات الندّية.. لذلك رأينا متظاهرين من محافظات سنِّية، وإن كان عددُهم قليلا، يهرعون إلى بغداد لنصرة انتفاضة إخوانهم الشيعة وقد أدركوا أن عراقا جديدا بصدد التشكّل ولا مجال لتضييع هذه الفرصة التاريخية.

اليوم يقف العراق على عتبة تاريخ جديد، لكن الطريق ليس مفروشا بالورود، والحَراك العراقي قد يدفع ثمنا غاليا قبل أن يحقق أهدافه.. وسيحاول أعداؤه جرّه إلى العنف لتكرار السيناريو السوري معه. لذلك، على المتظاهرين العراقيين الردّ على الرصاص الحيّ وقنابل الغاز الخارقة للجماجم بالمزيد من السلمية والثبات. والنصر صبرُ ساعة.

مقالات ذات صلة