جواهر
الخوف والفشل مصطلحان لا يعرفان إلى حياتها سبيلا

كريمة رمضاني.. قصة نجاح أمازيغية انتقمت لنفسها من البطالة

نادية شريف
  • 16726
  • 23

بعزيمة فولاذية صهرت جميع الصعوبات والحواجز التي عرقلت انطلاقتها نحو عالم الشغل، استطاعت كريمة ترك بصمتها بامتياز، رغم ثقل المسؤولية العائلية الملقاة على عاتقها، حيث تقول إن الخوف والفشل مصطلحان لا يعرفان إلى حياتها سبيلا ولعل هذا هو أحد أهم أسرار نجاحها وليست كلها، لتثبت بالفعل أنها جوهرة ثمينة تعتز بها الجزائر.

كريمة رمضاني.. أمّ لثلاثة أطفال في عقدها الثالث.. أمازيغية تقطن مدينة القليعة.. انتصرت لنفسها وانتقمت من البطالة التي كادت أن تغرق فيها، حيث أسّست مؤسّستها المصغرة “فريت ليلي” المختصة في تقشير البطاطا وتوزيعها على محلات “الفاست فود”.

وبحيوية ومعنويات مرتفعة جدا استضافتنا كريمة في مقر عملها بالقليعة وتحدثت عن بداياتها ومعاناتها لولوج مجال العمل.

تقول كريمة إنها بحثت، بعد تخرجها في الجامعة ضمن تخصص البيولوجيا سنة 2000، عن منصب عمل لائق، إلا أن كل مساعيها في البداية باءت بالفشل وكان يُعرض عليها دائما منصب عمل في إطار عقود تشغيل الشباب، ولم يكن ذلك يرضيها أبدا ففضلت التفرغ لتربية أبنائها لفترة معينة إلى حين التفكير في عمل لحسابها الخاص، وبالفعل -تضيف المتحدثة- كان لها ما أرادت، حيث عكفت على رعاية أطفالها الثلاثة إلى غاية سنة 2011، وتحيّنت الفرصة المناسبة التي كانت تنتظرها.

تقول كريمة: “قررت أن أثبت نفسي وأن أعمل لحسابي الخاص فبحثت عن مجال أحقق فيه التميّز من خلال وكالة دعم وتشغيل الشباب “أونساج” فبدأت أفكر في فكرة غير مستهلكة وتبادر إلى ذهني فكرة إنشاء مشروع خاص بالبطاطا الجاهزة للقلي، غير أنني كنت أجهل كل شيء عن هذه المسألة ولم أكن أعلم بوجود آلات وتجهيزات لتقشير البطاطا وتقطيعها.”

لكن بعد رحلة بحث في الأنترنت، كوّنت كريمة الخبرة الكافية عن هذا المجال، كما قامت بالموازاة مع ذلك بدراسة شاملة للمشروع والسوق الذي تحاول استهدافه وبعدها بدأت اتصالاتها مع المستوردين لاستحضار العتاد اللازم وكذا باشرت اتصالاتها مع بعض الزبائن الذين أبدوا استغرابهم للفكرة في بادئ الأمر لكن سرعان ما تقبلوا الأمر واقتنعوا به إثر تلقيهم الشروح الكاملة والوافية عنها ودحض جميع المخاوف والشكوك التي تسللت إلى نفوسهم من حيث نوعية البطاطا وصلاحيتها.

ومرّت مدة معينة ركّزت خلالها صاحبة “فريت ليلي” جهدها ووقتها في السعي للحصول على موافقة وكالة دعم وتشغيل الشباب “أونساج” واستيراد العتاد اللازم لمؤسستها علما أن كلفة المشروع الإجمالية ناهزت 300 مليون سنتيم وانتظرت سنتين لتكون الانطلاقة في سنة 2012.

وفي سؤال للجواهر عن الظروف العامة التي صاحبت بداياتها تنهدت كريمة طويلا وأبدت تأثرا بالغا لاسترجاعها ذكريات صعبة أدمعت عينيها وحرمتها إغماض جفنيها ليال طويلة.. تقول كريمة: “كل ما قد تتصوّرينه من معاناة قد عشته كنت لا أنام الليل وأباشر العمل باكرا جدا خسرت المرة تلو الأخرى ومع كل خسارة كنت أبكي وأبكي وأبكي عشت الإرهاق والتعب والقلق والاضطراب وقلة النوم والأكل.. لكنني في غمرة كل هذا لم أيأس ولم أستسلم وراهنت على نجاحي وإثبات نفسي فالخوف والفشل مصطلحان لا يعرفان سبيلا لحياتي رغم أن زوجي حاول إقناعي بالاستقرار في البيت وتكفّله بتسديد القرض بسبب ما شاهده من انهيار نفسي كاد يلحق بي”. 

إصرار كريمة وثقتها في نفسها جعلاها تفكّر مليا في أخطائها وتتدارك نفسها لتخرج من المأزق الذي تتخبط فيه وبعون وتوفيق من الله كتب لها النجاح، وباتت أكثر تحكما في عملها من ذي قبل سواء في البيع أم الشراء سيما وأن المادة الأولية “البطاطا” لا تعرف استقرارا في السوق وتعلّق كريمة على الأمر قائلة: “أعملت القلب، وقلت لنفسي يجب أن أنجح حتى لا يقول الرجال إنها خسرت لأنها امرأة لا سيما وأن الكثيرين قالوا لي إنني دخلت عالما رجاليا ما كان يجب عليّ دخوله”.

كريمة استطاعت إنقاذ نفسها من البطالة واستطاعت أيضا أن توفر مصدر رزق لنساء أخريات يعملن إلى جانبها وتصف يومياتها بالكفاح الصعب، حيث تقول: “أذهب إلى سوق الحطاطبة مرة في الأسبوع أقتني منه حاجتي من البطاطا على متن الشاحنة التي تحصلت عليها بواسطة أونساج وماعدا ذلك أنهض  يوميا على الساعة الرابعة صباحا من أجل الالتزام بتوفير الطلبيات المحددة في الوقت المناسب المتفق عليه ثم أقدّم للبنات اللواتي يشتغلن معي حجم طلبية ذلك اليوم وأساعدهن قليلا بعدها وقبل السابعة صباحاً أعود إلى البيت أحضّر أطفالي وأصطحبهم إلى مدارسهم وأعود ثانية إلى عملي، أتفقد الأوضاع وأوزع الطلبيات على محلات “الفاست فود” ثم أعود بعدها لجلب الأولاد من مدارسهم واصطحابهم إلى البيت لتناول الفطور.. أمكث معهم إلى حين عودتهم في الفترة المسائية حيث أعود إلى عملي لتسلم مستحقات الطلبات التي وزعتها، في المساء أعود إلى البيت أحضّر الطعام وأعين الأولاد في مراجعة الدروس والقيام بوظائفهم”.

وتطمح كريمة إلى توسيع مجال عملها والارتقاء به من مؤسسة مصغرة إلى مصنع كبير وفق المعايير والمقاييس العالمية يضم العديد من الوحدات وحددت تاريخ سنة 2019 لتحقيق هدفها إن كتب الله لها عمرا وصحة في البدن، كما تطمح في الوقت الحالي إلى توسيع مجال توزيعها للبطاطا الجاهزة للقلي عبر استهداف محلات “السوبر ماركت” وكذا التعامل مع بعض المطاعم العمومية التي تعدّ أكثر أمانا في مجال الدفع بسبب عدم التزام بعض المحلات بالتسديد، حيث تفاجأ بغلقهم دون أن يتم تسديد أو تسوية المستحقات ما يلحق بها الخسارة.  

مقالات ذات صلة