-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
من بعيد

كفانا وهما.. لقد انتصرت أمريكا استراتيجيا

كفانا وهما.. لقد انتصرت أمريكا استراتيجيا

أصعب الأمور أن توهم أمة نفسها بتحقيق اتتصارات واعدة وهي تعبث بمصيرها ومستقبلها بل ودينها، والمسألة هنا لا تعني تلك الفئة المرابطة في معظم أقطار العالم المسلم، أولا: لأنها مرفوضة وتواجه حربا من أهل ملّتها، وثانيا: لأنها مخلصة في أعمالها وتصنع الحدث، ولذك تواجه بالنقد بل وبالحرب من الجميع.

  • تلك الفئة مستثناة من حديثنا اليوم، بالرّغم من أهمية دورها وحمايتها للأوطان والأنفس والأعراض، لأن الجميع يركب هذه الأيام مطية إعمار “غزة” لتحقيق مكاسب سياسية أو مادية، وهذا على خلاف المعنى الحقيقي للجهاد، بدليل أن ما يصل إسرائيل من دعم لا يتم الحديث عليه من طرف الداعمين، ونحن إن أرسلنا علبة من الحليب اعتبرناها حدثا عالميا وانتهينا إلى القول: إنه جهاد أكبر.
  • لنعد إلى وضعنا الرّاهن، حيث الفشل في كل مكان، تختطف منا دولة بأكملها هي العراق، وتقتطع منا أراضي، فيحارب من أجلها الخيّرون، فنتخلى كرها وجبنا، ونطالب المجاهدين بالتخلي عن الحرب، وإلا اعتبرناهم مفسدين في الأرض.. بعد هذا كلّه لنتساءل: كيف تمكّنت الولايات المتحدة الأمريكية بهذه السرعة من تحقيق هدفها الكبير؟.
  • أعرف أن القول بانتصارها جارح وخارج السياق العام للشعور بالعزة بعد انتصار حزب الله وحماس، لكن بالرغم من مرارة ما يحدث فهو الحقيقة.. لقد تمكّنت أمريكا في وقت قصير من نقل الحرب إلى أراضي المسلمين، فزعزعت استقرار الجبهة الداخلية، خصوصا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وجعلتنا قبائل متناحرة يتهم بعضها بعضا بالخيانة.
  • بعد تدمير البرجين اكتشفت أمريكا أن أهل السنة هم الخطر الأكبر، فقط لأنهم لا يملكون مرجعية للمقاومة أو اتخاذ الفعل بناء على فقهاء دين أو قيادات يمكن العودة إليهم للجم أي فعل ثوري، ويعود السبب في ذلك إلى المفاجأة السعودية عن طريق ما قام به أسامة بن لادن، وهي بالطبع كانت مفاجاة بكل المقاييس، فمن كان يتصور أن من يرفل في الحرير يتركه ليقضي حياته مطاردا في جبال تورا بورا؟!
  • بعد احتلال أمريكا للعراق وسيطرتها على معظم حكام المسلمين، من من المسلمين اليوم يثق في الآخر، فعلى مستوى الدول مثلا: هل تثق أفغانستان في باكستان؟ وهل تثق العراق في الكويت؟، أم تثق السعودية في سوريا؟ أم تثق قطر في مصر، أم تثق الجزائر في المغرب؟
  • وعلى مستوى الجماعات والأحزاب: هل يثق الإسلاميون في الليبراليين أو العكس؟ وهل هناك ثقة بين الأحزاب الإسلامية داخل الدولة الواحدة، وهل يثق القادة في شعوبهم، وهل تثق الشعوب في قادتها؟
  • ليس صحيحا ذلك التأييد الذي نراه في الانتخابات المزيفة في الغالب، وحين يختصر الوطن كله في شخص واحد تكون النتيجة مزيدا من التشرذم والانقسام، وفوضى داخلية أثرت حتى على أصحاب القضية الواحدة، وأقصد هنا الفلسطنيين -فتح وحماس- وما يحدث في فلسطبن في غاية الخطورة، لا يكفي معه التعويل على البكاء، إنما يتطلب فعلا جماعيا ينطلق من مقومات الجماعة الواحدة أو الأمة الواحدة.
  • عمليّا علينا أن لا نحمّل أمريكا كل ما يحدث لنا ولدينا، فصراعنا مع أهل الملل الأخرى بدأ منذ ظهور الرسالة، وسيظل إلى قيام السّاعة، إنما هناك حالا من قبول، مثل فعل الشيطان ـ-دعتنا فاستجبنا لها- وستنسحب وتتركنا نغرق في الوحل، وصراع القوى المختلفة في دولنا المسلمة يكشف عن قابلية للفعل الغربي لجهة دعوة المستعمر مرّة أخرى على حدّ ما جاء في تعليق الدكتور (….) من جامعة سطيف.
  • لقد تابعت أيام الحرب على غزة وما بعدها ما كتب من مقالات، ولاحظت أن معظمها ينتقد الآخر سواء أكان حاكما أو دولة أو قوى خارجية، وساهمنا نحن الكتاب، بوعي أحيانا وبدون وعي أحيانا أخرى، في تكريس ثقافة الاتكالية ورمي المسؤولية على الآخر، حيث بدت الشعوب مغلوبة على أمرها من حكام ظالمين، وهذا فيه جانب من الحق، والسؤال هنا: لماذا تتسع دائرة الظلم لتشمل الجميع؟.
  •  لسنا شعوبا عادلة تبغي الخير، ولكننا نغرق في وحل الخطايا مع كل مطلع شمس، حتى تحوّلت حياتنا إلى جحيم، وباختصار فالغالبية منا تعاني من فعل الأقلية السياسية والمالية، دون أن تسعى إلى التغيير، فكفى تقديم الآخر بأنه منهزم ما دمنا في صف المقاومة.
  •  لقد طوّقت لبنان وكذلك الحال بالنسبة لغزة، وهناك إعادة ترتيت للقرن الإفريقي بعد الانتخابات الصومالية، التي أصبح فيها “شيخ شريف شيخ أحمد” عدو الغرب في السابق إلى رئيس شرعي في مقديشو، حتى أن البيت الأبيض اعتبر أمريكا احتفلت في شهر يناير/ جانفي الماضي مرتين، الأولى: بتنصيب باراك أوباما، والثانية بانتخاب شيخ شريف في الصومال.
  •   وبالمقابل هناك تأكيد دولي على حماية إسرائيل بمنع الفلسطينيين من الحصول على السلاح، وفك العلاقة الاستراتيجية بين سوريا وإيران -إن استطاعوا- وإرسال مزيد من القوات الأمريكية إلى أفغانستان، ما يوحي بمحاولات جادة لتطويق إيران، ونحن لا نزال منشغلين بقضية المذاهب لجهة من ينشر مذهبه في مجال الآخر كأننا ننصّر بعضنا بعضا.
  •   أبعد هذا كلّه لا نزال في شك من انتصار أمريكي على مستوى الاستراتيجيا ومنظومة القيم، ومع ذلك فقد تغيرت أمريكا على مستوى الوجوه والأشخاص وظلت المؤسسات قائمة، ونتصارع نحن على أبسط حقوق المواطنة، ونخلط جهرا بين رسالة النبوة وشطط الحكام الذين عثوا في الأرض فسادا، فلا مكّّنهم الله منا بعد اليوم.. هذا الدعاء يتطلب استعدادا فطريا لنميز الحق من الباطل والدفاع عنه ولو كان من الأقربين، لا أن نناصر الذين أحلونا دار البوار ثم نشغل أنفسنا بفعل الذي اختاروا أن يكون في صفوف الأعداء.. إنهم أحق بالمواجهة من الذين يخذلوننا في كل يوم ولم ينفع معهم التاريخ والتضحيات وحب الشعوب، ومقدرات الدول.. ألبسوا الحق بالبطال فلن يتركوا السلطة إلا وهم كارهون، أو مقتولون أو يحضرهم الموت، وإلى أن يتم ذلك لنبصر فعل الآخرين ونتمعّن التغيير الحاصل في العالم كله.. ونسأل أنفسنا: ترى إلى أين نحن ذاهبون؟

  

 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!