-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
خطأ أن تكتب، خطيئة أن تنسى

كليوباترا ويوبا.. وشاهين؟

الشروق أونلاين
  • 1651
  • 0
كليوباترا ويوبا.. وشاهين؟

.. وكأن التاريخ لا يذكر إلا الذين يختارون موتة العظماء على طريقة ” الساموراي” الياباني، واللواتي يبتهجن بتجرع السم في لحظة اليأس الأخيرة كما هو الشأن بالنسبة لكليوباترا الفرعونية وصوفونيسب القرطاجية.

  • ولأن النساء يمتلكن دائما حس الموت الجميل فإن التاريخ يرفعهن درجات في وجدان البشر وفي ذاكرة الشعوب، ورغم أن الأمر بلغ ببعض الكتاب إلى القول بأن كليوباترا لم تكن أكثر  من مومس جلبت إليها “عسكريا منشقا” عن عرش قيصر روما  هو ماركو أنطونيو وأغرته بسلطان يمتد بين النيل والشام.. ولكنهما انتهيا منتحرين بقليل من سم الأفاعي الذي لم يمنح أوكتافيوس قائد جيوش القيصر، مجدا أثيلا،  للعودة إلى روما بأبهى امرأة وأعظم رجل مكبلين بالأصفاد، يمشيان في شوارع روما ذليلين كما يفعل بالعبيد.. ولكن كليوباترا وأنطونيو اختارا موتة الخلود في التاريخ بعيدا عن قبضة يوليوس قيصر..
  • كليوباترا وأنطونيو تركا وراءهما ولدا سمّياه ألكسندر هلينيو أي الشمس، وبنتا سمّياها كليوباترا سيليني أي القمر، أخذهما أوكتافيوس إلى روما لتتعهدهما شقيقته أوكتافيا التي لم تكن أكثر من زوجة  لأنطونيو قبل تمرده على روما وتأسيسه لامبراطورية الرومان الشرقية.
  • أنطونيو طلق أوكتافيا وأرسلها في سفينة إلى روما، وهو ما زاد من حنق أوكتافيو عليه، فأقسم أن ينتقم لروما ولشرف أخته، غير أن السم حرمه من ذلك، فعاد بالولدين، ونشآ في قصور روما..
  • وفي زاما العاصمة النوميدية، غير البعيدة عن قرطاج، كان يوبا الأول يخوض معركته ضد الجيوش الرومانية، لينهزم ويعود إلى زاما منكسرا، وقد أقسم هو الآخر مثل نيرون أن يشعل فيها النار إذا لم ينتصر، فوجد الناس قد غلّقت الأبواب وأحكمتها بقوة، فلم يجد بدا من الذهاب إلى الصحراء، وهناك ظل يشرب ويشرب مع ضابط روماني عميل، وأغرز كل واحد منهما سيفه في أحشاء الآخر، ليموتا كما العظماء طبعا.
  • دخل قائد جيوش القيصر، مدينة زاما منتصرا وأخذ معه يوبا الثاني، ابن يوبا الأول المهزوم المنتحر، ولم يتجاوز الثامنة من عمره.  وفي روما نشأ وأخذ من المعارف والعلوم الكثير، بينما كانت عينه على كليوباترا سيليني، التي بادلته كثيرا من الحب والإعجاب، فكلاهما سليل أب منتحر، وكلاهما نشأ في أحضان “الروح الرومانية العالية “، وعندما بلغا سن الزواج، اقترح القيصر عليهما أن يتزوجا، ويعين يوبا ملكا على “شرشال” التي تبعد عن الجزائر العاصمة بحوالي 100 كلم وسمّاها ” قيصرية ” تخليدا لولي نعمته (..).
  • التاريخ يقول إن كليوباترا سيليني اشترطت على يوبا الملك العالم، أن يوجد لها طقوس مصر ومياه النيل والأهرامات في.. الجزائر، وكانت تسمى نوميديا آنذاك، واعتقدت أن هذا الملك الشاب، سيكون في حرج أمام مطالبها التعجيزية، ولكنه أوجد لها الذي طلبته، فجعل من وادي مازفران (ماء الزعفران)، صورة للنيل، سواء بالأشجار التي تزين ضفتيه، أو السفن التي لا تختلف عن تلك التي تملأ النيل جيئة وذهابا، وأكثر من هذا أوجد لها كل الطقوس الفرعونية في قصرها، فكانت في شرشال وكأنها  لم تغادر مصر.. وهكذا يفعل المحبون.
  • ويقول التاريخ، إن يوبا كان حالة فريدة في عصره، فقد جلب المعماريين الإغريق، وشيد من المباني ما لم تعرفه ممالك نوميديا قبل ذلك الوقت، وخرج في رحلة طويلة قادته إلى الجزيرة العربية والشام وفلسطين، وكتب كثيرا من الكتب التي يذكرها المؤرخون، لكنهم لم يعثروا على مخطوط واحد منها.. بينما يتفقون جميعا، على أنه كان رجل علم وحكمة وإبداع.
  • ألمّ بكليوباترا سيليني مرض مجهول، فماتت، ولم يجد يوبا الذي أحبها كثيرا سوى أن يشيد لها قبرا عظيما في حجم أهرامات الجيزة، وهو لا يختلف عنها إلا في كونه دائريا، وتلك رغبة يوبا الذي أراد أن يتميز قليلا عن خوفو، وخفرع، ومنقرع..
  • الناس يزورون “الهرم الهارب” كما أحبُّ تسميته، ويسمّونه “قبر الرومية” أي أن دفينة هذا الضريح / الهرم  هي امرأة رومية، أو رومانية، ولم يكونوا على دراية أنها مصرية، وأنها شكلت أول مصاهرة في التاريخ بين الجزائر ومصر. وبعد حوالي ستة قرون اتجهت بعثة من الفاطميين الذين أسسوا أول حكم لهم بشرق الجزائر، نحو مصر فأسست القاهرة وبنت الأزهر.. بينما كاد محمد علي باشا  أن يحل محل الفرنسيين في القيام بحملة احتلال للجزائر المتمردة على فيليب العاشر في 1830.. ولكنه استدرك الأمر في الربع ساعة الأخير، وإلا كانت الخطيئة التاريخية.
  • رويت هذه الواقعة من التاريخ للسينمائي الكبير يوسف شاهين، فرأيته مشدوها، وهو يقول لي “كيف غفل عنّي هذا، لأحوّله إلى فيلم كبير..” ودعاني إلى أن أرسل إليه نسخة من مشروع السيناريو.. لكنّ الموت اختطفه قبل أن تصل قصة يوبا وكليوباترا.
  • هذا شيء من التاريخ الذي نستعيده اليوم بعد أن خرج قبل سنوات، شباب إلى الشارع وهم يقولون “التاريخ في المزبلة.. دعونا نرقص على إيقاعات الرّاي، والزحّ الدّح مبو”.
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!