جواهر
محامية الرئيس العراقي السابق بشرى الخليل:

كوندليزا أوقفت حكم إعدام صدام لربع ساعة ومترجمه امتنع عن إخباره بساعة شنقه

سمية سعادة
  • 22669
  • 22
ح.م

تواصل المحامية اللبنانية بشرى الخليل، في الجزء الثاني من الحوار الذي خصت به “جواهر الشروق” عبر “واتساب” استحضار الوقائع التي عاشتها أثناء الدفاع عن موكلها صدام حسين الذي قالت إنه لم يتعرض للوشاية من طرف مرافقه، بل أنه اضطر لأخبار الأمريكان عن مكانه تحت التعذيب الشديد، وتهديده بقتل والده، وتحدثت الخليل عن السبب الحقيقي وراء طردها من القاعة، وعن سبب رفعها لصور أبو غريب أثناء المحاكمة، ونفت أن يكون صدام قد طعن في بيت المالكي بست طعنات كما تداولته بعض وكالات الأنباء، بل شنق بحبل غير قانوني سبب له جروحا في العنق.

هل فعلا تم الوشاية بصدام من طرف أحد مرافقيه؟

ليست وشاية، ولكن الأمريكان ركزوا على 5 آلاف شخص كانوا يعتقدون أنهم يعرفون مكانه، وبدؤوا شيئا فشيئا يستبعدون هؤلاء الأشخاص إلى أن أصبحت الدائرة مؤلفة من أربعة أفراد فقط، وهم الحرس الخاص بصدام والذين لم يظهر منهم أحد، وأخيرا تم التركيز على شخص واحد فقط من تكريت وربما هو أحد أقاربه، حيث اختفى عن الأنظار منذ سقوط بغداد، فخطر بباله أن يزور عائلته وربما يكون قد بعث لهم برسالة ليراهم في مكان آخر، في الوقت الذي كان الأمريكان يترصدون كل أقارب هذا الشخص، وكل الأماكن التي يمكن أن يذهب إليها، فقبضوا عليه واستعملوا معه كل وسائل التعذيب، وجربوا أن يقتلوا والده أمامه، فأخبرهم عن مكان صدام الذي كان حينها في إحدى المزارع على نهر دجلة بين العوجة والدور، وهناك باغتوه في صلاة المغرب التي يعرفون أنه يحافظ عليها.

لماذا أخرجك القاضي من الجلسة في المرة الأولى؟

كنت موضوعية كثيرا في عملي بخلاف هيئة الدفاع التي ظهرت بشكل سلبي، وشعرت أنها في حالة خوف من الأمريكان الذين كانوا يسيطرون بشكل تام على المحكمة، بحيث كانوا هم من يقرر أين نجلس، وهم الذين يأخذوننا ويعيدوننا إلى المحكمة، وهم من خصص مكانا بالقاعة ليديروا المحاكمة ويبعثوا برسائل للقاضي كيف يتصرف، والمحامون كانوا يعرفون هذا الشيء، لذلك كانوا يتجنبون الصدام معهم، وكان علينا أن نستميت في الدفاع عن موكلنا، وإما أن نكون شاهد زور على المحاكمة ولا داعي للذهاب إلى المحكمة، وأنا شخصيا لا يمكن أن أكون متخاذلة، بل يعرف الجميع أنني أبذل جهدا كبيرا لنصرة موكلي، فكيف إذا كان هذا الموكل هو صدام الذي تعاطفت معه لأنه يشكل أمة، حينها أكون وكأنني أدافع عن وطني.
كنت قد تابعت المحاكمة عبر التلفزيون ورأيت سلوك المدعي العام وطريقة إدارته للجلسة وبنيت إستراتيجية دفاع بناء عليها، وعندما استلمت الملف من المحكمة قبل أربعة أيام فقط من المحاكمة، ووجدته مؤلفا من ألفين صفحة واكتشفت أن هناك ثلاث مستندات على درجة كبيرة من الأهمية، منها ما يتعلق بالحكم الذي صدر بإعدام جماعة الدجيل الذي وقعه صدام ثاني يوم، وعادة بالقانون العراقي، رئيس الجمهورية هو من يوقع عقوبة الإعدام، ولكن الإعدام لا ينفذ إلا قبل أن يصدر مرسوما جمهوريا، ولكن صدام لم يوقعه إلا بعد مرور 9 أشهر وثلاثة أيام من صدوره، ولكن المدعي العام استغل التوقيع في اليوم الثاني، وقال لصدام: ألهذا الحد كنت مستعجلا على قتل الناس؟! وهو نفس السيناريو الذي تخيلته، نظر صدام باتجاهي لأنه يعلم أنني حضرت الملف جيدا ورأى ملامح الغضب على وجهي وأدرك أن هناك أمرا غير طبيعي، وعندما حان وقت الاستراحة تقدمت من صدام فقال لي، ماذا هناك؟ قلت له وفق القانون العراقي لا يمكن تنفيذ حكم الإعدام إلا بعد صدور مرسوم رئاسي والذي قمت بإصداره بعد 9 أشهر وثلاثة أيام، فقال لي ولكن المدعي لم يقل ذلك؟ فقلت له ليس من مصلحته أن يقول الحقيقة لأن الإعلام حاضر معنا وهو يهمه أن يشوه صورتك أمامه، فقلت له حين يحين دوري سأقول هذا الكلام، وهو الأمر الذي استنفر الأمريكان الذين كانوا يتنصتون علينا، ويراقبون المستندات التي كانت بحوزتي، والتقطوا الحديث الذي دار بيني وبين صدام، لدرجة أن الصحفيين قالوا لي حينها أننا كنا نسمع حتى أنفاسك خلف الحاجز الزجاجي الذي كان يفصلنا عنهم، كما لاحظت أن هناك ضباط أمريكيون في القاعة وهو ما من شأنه أن يبطل أي قرار ستصدره المحكمة وكنت أنتظر اللحظة المناسبة لأتحدث حول هذه النقطة لأن همي الوحيد كان منصبا على إظهار المحكمة على أنها غير قانونية وغير محايدة، حينها تكلم صدام وقال للقاضي: هذه المحكمة أمريكية، فرد القاضي قائلا :بل هي محكمة عراقية، فقال صدام وهذا الأمن المتواجد في المحكمة؟! فرد عليه القاضي: إنه أمن عراقي، عندها وقفت بكل ثقة وقلت له: يوجد ضباط أمريكيون في القاعة، فخرج القاضي من عقله وبدأ يصرخ ويقول لي: أنت تسببين الفوضى وإذا ما كررت الأمر سنطردك من القاعة، لكنني أكملت حديثي بهدوء من أجل أن يترجم كلامي للصحفيين الأجانب الذين يمكنهم أن يؤثروا على الرأي العام الأمريكي الذي يستطيع أن يؤثر على الإدارة الأمريكية، فقلت له: رئاستكم الكريمة تهددني بإخراجي من القاعة، وأنا أمارس حقي في الدفاع عن موكلي، رئاستكم قالت إنه لا يوجد ضباط أمريكيون في القاعة وأنا أقول، نعم يوجد ضباط أمريكيون وأشرت إليهم بيدي، وكانت وسائل الإعلام الغريبة قد تناقلت هذا الموقف في نشرات أخبارها، وعندما خرجنا من المحكمة وجدت الصحفيين بانتظاري وقالوا لي: أنت تتكلمين في السياسية، فقلت لهم بل أتحدث في القانون وتواجد الأمريكان في القاعة يبطل كل قرارات المحكمة، ولذلك وندم الأمريكان لأنهم سمحوا لي بالحضور والظاهر أنهم أعطوا إشارة للقاضي بطردي من القاعة.

ما قصة صور أبو غريب التي عرضتها في قاعة المحكمة؟

كانوا يعرضون شريطا لصدام في شبابه وهو يقول أنه سيقتل كل من يقف أمامي، وأدركت أن هذا الشريط يمكنه أن يعكس صورة سلبية عن موكلي، وقتها كنت قد حضرت صورا من أبوغريب التي تكشف إجرام الأمريكان في هذا السجن، ووضعتها على الطاولة على الوجه الأبيض، وكنت قبلها قد اتفقت مع المحامين المصري والعراقي أن دوري في الحديث هو الأخير، ولكن عندما تم عرض هذا الشريط، كان المحامي المصري سيحدث فجذبته من يده لأجلسه وأتحدث عن انتهاكات أبوغريب، فعندما رآني القاضي، قال لي أخرجي من القاعة، فقلت له لماذا؟ وكررت السؤال ثلاث مرات لأثبت الأمر أمام الإعلام الغربي وأحرج القاضي، فلما أصر القاضي على إخراجي التفتت إلى المدعي العام وقلت له: أنتم تحاكمون صدام لأنه استعمل صلاحياته الدستورية في ذلك الوقت، فهل لاحقت النيابة العامة الذين ارتكبوا هذه الجريمة في حق الشعب العراقي؟! بعد أن أدرت لهم صور أبوغريب والتفت إلى صدام وقلت له، هل رأيت مع حدث لشعبك في غيابك؟!وأدرت الصور للإعلام الغربي.

لمن قلت “الله ينعل أبوك” في الجلسة الثانية، للقاضي، أم لرجل الأمن الذي حاول إخراجك بالقوة؟

طبعا لم أقلها للقاضي، وأنا محامية بالنتيجة، وأي شخص جالس على سدة القضاء أو يحكم باسم أي شعب علينا احترامه، فكيف إذا كان هذا الشعب العراقي، ولكن الذي حدث أن القاضي عندما حرك الحرس نحوي لإخراجي من القاعة كان سيمسكني من يدي فحاولت أن أمنعه من لمسي بحكم أنني امرأة مسلمة وعندما حاول أن يخرجني بالقوة قلت له “الله ينعل أبوك”.

كم مرة رأيت صدام يبكي؟

رأيت دموع صدام مرتين، المرة الأولى عندما كان يتحدث عن بغداد فغص الكلام في حلقه، ولمعت الدمعة في عينه، فصمتت القاعة صمتا رهيبا تهيبا واحتراما للشعور الإنساني الذي اعتراه حينما تحدث عن وطنه، وكلنا أصابتنا الرجفة من هذا المشهد المؤثر، وكأننا في مسرح لشكسبير، ورأيت دموعه للمرة الثانية عندما حملتني ابنته رغد رسالة تتضمن أمورا شخصية مقلقة، حيث عندما التقيته أشرت له بأن هناك أمرا يجب أن أقوله له، فاعتذر من المحامين قبل انتهاء الوقت الذي حدده الأمريكان لنا معه، وقال لي:هل ترغبين في أن نتحدث جلوسا أم ونحن نمشي؟ بمعني إذا كان الكلام سريا أو غير سري لأنهم كانوا يضعون أجهزة تنصت تحت الطاولة، فقلت له نمشي ونتحدث، فشبكت ذراعي بذراعه حتى أكون قريبة منه ولا يتسنى لأحد أن يتصنت علينا، مع أنه ليس من عادتي أن أقوم بهذا الفعل مع أي رجل بحكم أنني أنتمي إلى عائلة دينية كبيرة، كنا نمشي في قلب القاعة وكنت أتحدث له عن موضوع رغد، وعندما وصلت إلى النقطة المؤثرة شعرت أن يده ارتجفت في يدي ووقف فجأة، ورأيت بريق الدموع في عينه، فأمسكت ذراعه بكلتا يدي، وقلت له لم أكن أعرف أن الأمر سيؤثر عليك، ولكنني نقلت لك رسالتها كما طلبت، وقد تجاوزت هذا الأمر، فشعرت أن الذي اعتراه عاطفة أم شديدة العاطفة وليس عاطفة أب، وعندما قابلت رغد ونقلت لها ما جرى، قالت لي: هل تعرفين أن أبي كان بمثابة الأم بالنسبة لنا؟، فحين اضطرت أمي للسفر وتركتنا في بغداد، كان يأتي بي أنا وأختي رنا ويجعلنا ننام معه في سرير العمل، وعندما كان يعقد اجتماعاته في المقر الرسمي كنا نلعب أمام الباب أو بالقرب من مكتبه، كما روت لي حادثة لم يسمعها أحد من قبل، حيث قالت إنه حين ماتت حماتها بعد مدة من اغتيال زوجها حسين كامل، تفاجأت ذات صباح بوالدها صدام يطرق الباب في الوقت الذي كان يجب أن يكون في مقر عمله، حيث قال لها أنه جاء ليعزي ابنها علي وكان صبيا صغيرا في جدته، وروت لي عن حادثة أخرى تقول فيها أن صدام كان يحتفظ بورقة يدوﱠﱠﱠن فيها كل أعياد ميلاد أولاد العائلة بما فيهم أولاد أخ زوجته، حيث تقول لي إحدى بناته أنها قبل أن أنتبه إلى أن اليوم عيد ميلادي أجد باقة ورد كبيرة ومعها هدية منه.

ما حقيقة ما تداولته بعض وكالات الأنباء من أن صدام لم يمت مشنوقا بل مطعونا بست طعنات في بيت المالكي؟

هذا هراء، وهذا راجع للمخيلة الواسعة للعرب التي سولت لهم بأن يقولوا بأن صدام مازال على قيد الحياة، وأن الأمريكان يجهزونه لدور ثان، وأن الذي مات شخص آخر، والحقيقة أن صدام كان عند الأمريكان وهم الذين جاؤوا به عندما قرروا أن يعدموه، وهم الذين جهزوا المشنقة والحبل غير القانوني الذي استعملوه في شنق صدام، وهم الذين سلموه للجانب العراقي لإعدامه بمقر المخابرات العامة بمنطقة الكاظمة بقلب بغداد، وقد أخبرني عبد حمود، السكرتير الشخصي السابق لصدام، الذي كنت وكيلته، أن هذا المكان كان مقرنا، أي المخابرات العامة، ولما جاء الأمريكان سيطروا عليه سيطرة كاملة، فعندما أرادوا شنق صدام أعطوا الجانب العراقي بناية تحت الأرض لتنفيذ الإعدام ولكن تحت إشراف أمريكي وطلبوا من المترجم، وهو ضابط أمريكي من أصل عربي يطلق عليه الفني جورج، أن يطلع صدام على موعد إعدامه في الليل، وقد أخبرني عندما زارني هو وزوجته في لبنان لأنه يعتبرني من “ريحة” صدام، أنه أحبه وأصيب بالاكتئاب من أجله، حيث تحدث لي عن اللحظات الصعبة التي سبقت إعدامه، حيث رفض أن يخبره بأنه سيعدم فجرا، ولكن صدام عرف الأمر من ملامح وجهه، فصار يهون على المترجم هذه اللحظة، وأخبرني أن كوندليزا رايس اتصلت بالفريق الأمريكي الذي يشرف على إعدام صدام، ومنهم جنرال كبير، وطلبت منهم أن يتوقفوا حيث هم، ففرحنا واعتقدنا أنه تم توقيف عملية الإعدام وأننا سنتلقى أوامر جديدة بنقله إلى المطار لترحيله إلى أي بلد، ولكن بعد ربع ساعة أعادت الاتصال وأعطت أوامر باسم بوش لتنفيذ حكم الإعدام، فقال لي أننا حزنا لهذا القرار، حيث التفت الجنرال الأمريكي نحوي، وقال لي: هل يعقل أن واحد مثل بوش يعدم هذا الرجل؟! لأن صدام كبر بعينه لما احتك به. ثم تم تسليمه للجانب العراقي ونفذ فيه الإعدام شنقا ليتسلم الأمريكان جثمانه مرة أخرى، وأعادوه إلى المقر عندهم، وقد طلب الشيخ علي الندا من الأمريكان أن يشرفوا على عملية نقله إلى العوجة لدفنه، لأنه ربما سرقت منهم الجثة في الطريق وسحلت.
والحقيقة أن ما تم تداوله من أن صدام قتل في بيت المالكي هو من باب إثارة النعرات الطائفية وتبرئة الأمريكان من قتله.

لماذا قلت أن الحبل الذي شنق به صدام لم يكن قانونيا؟

الحبل الذي يستعمل في الشنق عادة، هو حبل لا يجرح العنق، بل يغلق مجرى التنفس ليموت الشخص خنقا، ولكن الحبل الذي شنق به صدام أصابه بجروح في الرقبة، حيث عندما كشف عليه الطبيب في العوجة وجد جسمه كله سليم، ما عدا الجروح التي كانت من أثر الحبل، وقد أكد خبراء أمريكيون هذا الأمر.

عندما تحل الذكرى السنوية لإعدام صدام حسين ، ما هو الشعور الذي ينتابك؟

بعد مرور 12 سنة على إعدام صدام، لم أقل مرة واحدة لأحد كل عام وأنت بخير في عيد الأضحى، حيث تأتيني معايدات كثيرة في هذا اليوم فأرد عليها بالشكر فقط، لأن صدام يكون معي من بداية صبيحة العيد، وهذه المناسبة لا تزال تشكل ذكرى محزنة لي، ومازالت ليلة إعدام صدام مطبوعة في ذاكرتي ولا يمكن أن أنساها، هي تماما مثل طبعة سيخ النار التي يدمغون بها الزنوج، حقيقة هذا الحدث أثر على جهازي العصبي وترك بصمة في شراييني وفي جسدي كله، وأنا أتحدث في هذا الأمر أشعر وكأنني فقدت أوتار صوتي، لا يمكن أن تتخيلي ماذا يعني لي صدام، الرجل الذي عرفته في المحكمة فقط، ولكن إحساسي أنه كلما خرج لنا بطل من هذه الأمة قتلوه، والمؤامرة لا تزال مستمرة، في الأخير أتقدم بسلام حار وخاص للشعب الجزائري الذي أحبه كثيرا وعرفت حين زرت الجزائر كم يتفاعل مع قضايا الأمة.

مقالات ذات صلة