الرأي

كونوا شعبويين وانزلوا إلى الميدان!

رشيد ولد بوسيافة
  • 1353
  • 11
ح.م

الخرجات الميدانية لوزير التجارة كمال رزيق وبغض النظر عن القراءات السلبية التي أعطيت لها من قبل البعض، فإنّها أعطت صورة مغايرة لشخصية “الوزير” التي تكرّست منذ عقود بأنها شخصية بروتوكولية تحيط بها هالة من الهيبة والقداسة، لدرجة أصبح من يتصرف بعفوية وينزل إلى الميدان يُتهم بالشّعبوية والرّياء والتّوظيف السّياسي لعمله الحكومي وغيرها من الأوصاف والاتهامات.

ليت كلّ الوزراء في حكومة “جرّاد” وعددهم 39 تصرفوا بشعبوية ونزلوا إلى الميدان في هذا الظّرف العصيب، ووقفوا على سير مؤسسات الدولة كأعضاء في الحكومة لا كمسؤولين في قطاعاتهم فقط، وحاولوا تقديم المساعدة في مناطق الظّل التي تحدّث عنها التّحقيق الشّهير الذي تابعوه بحضور رئيس الجمهورية، وبعضهم ذرف الدّموع عن المآسي التي تحدث في الجزائر في الظّروف العادية، فما بالك الظّرف الخطير الذي نعيشه هذه الأيام مع جائحة كورونا.

نفس الشّخص الذي يزدري خرجات وزير التّجارة في أسواق الخضر والفواكه على السّاعة الرّابعة صباحا، ينظر للوزراء في أوروبا الذين يتبضّعون بأنفسهم، ويتواجدون في مطاعم عادية أو يركبون وسائل النّقل الجماعية، أو يذهبون إلى مقرات عملهم على دراجات نارية، دون أن يتهموهم بالشّعبوية والتّوظيف السياسي، مع أنه يستحيل أن تغيب الحسابات السّياسية عن تحرّكات السّياسيين الغربيين!

لذلك؛ ينبغي التّوقف عن القراءات السّياسية لخرجات المسؤولين والتّركيز على الإنجازات التي يحققونها في قطاعاتهم، ولا أحد يُنكر الحيوية المسجّلة هذه الأيام في قطاع التّجارة عبر الولايات، حيث تعمل فرق المراقبة ليل نهار لمطاردة المحتكرين والمضاربين بالتنسيق مع مصالح الأمن، وقد تابعنا جميعا حجم المخالفات، بل الجرائم التي كان مسكوتا عنها قبل أن يستلم الوزير “رزيق” قطاع التّجارة.

لو تحرّكت كل القطاعات بالوتيرة التي تحرّك بها قطاع التّجارة، لدخلنا عهدا جديدا، خاصة بعد أن أظهر وباء كورونا أن الاعتماد على الخارج وتهميش القدرات الذاتية هو أكبر جريمة ترتكب في حق الشّعب والوطن، ذلك أنّ العصابة التي سيطرت على نظام الحكم خلال العشريتين الماضيتين رهنت البلاد للخارج، وجعلت الأمن الغذائي في أيدي لوبيات التّجارة الدولة، وهمّشت المقدرات الفلاحية الداخلية، وإذا فتح ملف استيراد الحبوب لاطّلع الجزائريون على تفاصيل مروعة عن الطريقة التي جمع بها المسؤولون الفاسدون ثروات طائلة من خلال استيراد وتوزيع مادة القمح الاستراتيجية.

وليس هذا فحسب، بل إن الجرائم المرتكبة في حق أمننا الغذائي متعددة ومتنوعة، فكم من مشروع فلاحي واحد تم إجهاضه وقبره في مرحلة التحضير لا لشيء إلا لأن صاحب المشروع أراد تحقيقه بعيدا عن الرّشاوى والهدايا القيّمة للمسؤولين؟ وكم من مستثمر أجنبي جاء إلى البلاد بمشاريع كبرى، لكنه اصطدم بحواجز الفساد والبيروقراطية والحسابات المرتبطة بالنفوذ الأجنبي وتحديدا الفرنسي في الجزائر؟

مقالات ذات صلة