كيف خسر الغرب الشرق الأوسط؟
منذ قرن من الزمان نُشر كتاب في باريس ترك صدى كبيرا في الأوساط السياسية، والفكرية، والإعلامية لما أثار من أفكار، وما كشف من حقائق في علاقة الغرب بالشرق لم يجد الكاتب وصفا لها إلا كلمة “الخيبة”.
لقد استمد ذلك الكتاب أهميته من جهتين اثنتين هما:
*) جهة مؤلفه، الذي كان شخصية هامة في قومه جعلته يترأس مجلس النواب ثم مجلس الأعيان في تركيا، وقد كان قبل ذلك قد أصدر في باريس مجلة “مَشُورَت”، إنه السياسي والمفكر التركي أحمد رضا بك، الذي أتاه اليقين في 1930.
*) جهة موضوعه، وهو دراسة العلاقة بين الدول الغربية وبين الشرق الإسلامي منذ الحروب الصليبية إلى زمانه.. وقد انتهى إلى وصفها بـ”الخيبة الأدبية”، حيث “إن التسامح لم يكن قط شعارا قوميا في أروبا”.(ص 9) ويضاف إلى عدم التسامح هذا التعصب الصليبي.
قد يقول قائل إن ما ورد في كتاب “الخيبة الأدبية للسياسة الغربية في الشرق” للكاتب التركي أحمد رضا بك هو كلام قديم، وإن الغرب قد طور أفكاره، وبدّل آراءه، وأسبغ عليها شيئا من العدل والإنصاف والتسامح الديني، والمبادئ الإنسانية…
ولهذا القائل نقول:”ذلك ماكنا نبغي”، ولكن الحقيقة غير ذلك، حيث ما تزال “سياسة” الدول الغربية نحو”الشرق” راسخة.. لا تتبدل بتبدل أنظمة الحكم من يمين، وشمال، ووسط..
إن الدليل على ما أقول هو كتاب أصدرته مؤخرا “دار عالم الأفكار”، هذه الدار التي عودتنا على نشر ما ينفع لا ما يمتع، وما يُوقظ لا ما يُنيم، وما يُحذّر لا ما يّخدِّر.
هذا الكتاب هو “كيف خسر الغرب الشرق الأوسط”، وقد ترجمه من اللغة الإنجليزية إلى اللغتين الفرنسية والعربية الأستاذ الفاضل “أمير نور”، شعر بمسؤليته في تنوير من لا يسحنون اللغة الإنجليزية، بإطلاعهم على مضمونه.
إن قيمة هذا الكتاب آتية من قيمة صاحبه الذي هو اللورد البريطاني لوذيان، وهو سياسي بريطاني، وعضو حزب المحافظين، وقد انتخب إلى برلمان بلاده في سنة 1974.
وهذا الكتاب القيم الذي صدر في أكتوبر 2013 هو عبارة عن محاضرة ألقاها هذا اللورد في معهد الدبلوماسية بجامعة جورج تاون بواشنطن. وإذا كان فيه من جديد فهو شجاعة صاحبه في كشف سياسة بني قومه، التي عبر عنها في العنوان الفرعي، وهو:”صرخة من قلب لورد بريطاني”، وهي صرخة لن تجد من الغربيين أذنا واعية، خاصة من المسؤولية الغربيين، إلا الشاذ الذي يحفظ ولا يقاس عليه..
وأما أنا فوالذي خلق الحب والأب ما أزداد إلا إيمانا بمقولة من آتاه الله بصرا حديدا، وفكرا سديدا، وعقلا رشيدا، الإمام محمد البشير الإبراهيمي، وهي:”في الغرب كل شيء إلا الخير”، ومن كان في هذا القول يمتري فليمدد بصره إلى غزة، وليستنطق تاريخ الصراع في فلسطين ير صدق مقولة الإمام– وليردد معه:”إن مادة دعا يدعو لا تنسخ مادة عدا يعدو (من العدوان) وإنما ينسخها أعدّ يُعد، واستعد يستعد، فأعدّوا واستعدوا…”.