-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

كيف سيغير العلم حياتنا في القرن الواحد والعشرين؟

كيف سيغير العلم حياتنا في القرن الواحد والعشرين؟
ح.م

هذا العنوان الذي اخترته بيانا نيِّراً لمقالي هذا، هو في الأصل عنوان لكتاب صدر عن سلسلة عالم المعرفة بالكويت للمفكر والكاتب الفيلسوف الياباني (ميتشو كاكو)، وعنوانه (رؤى مستقبلية – كيف سيغيِّر العلم حياتنا في القرن الواحد والعشرين- ترجمة: سعد الدين خرفان، مراجعة: محمد يونس، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، عدد 270، ربيع الأول 1422هـ يونيو 2001م) وقد ضم قرابة 700 صفحة، وستة وعشرين بحثا، وساهم في تحريره ستة وعشرون عالما من خيرة علماء المعمورة في عالم الأشياء والأشخاص والفلسفات والأفكار والمعارف البشرية الوضعية القاصرة والمحدودة، وللأسف الشديد لا يوجد فيهم من يحمل اسما أو لقبا عربيا حتى ولو كان مسيحيا أو باطنيا غنوصيا، فضلا عن أن يوجد بينهم مسلمٌ واحد، ولو كان حتى علمانيا مستلبا، أو حداثيا منسلخا، أو ملحدا ضائعا، أو قوميا شوفينيا مخذولا، أو حتى من مدرسة العبث والتجريد والتكعيب والتشكيل واللامعقول.. الذين يكثر عندنا سوادُ أمثالهم، من لفيف أولئك الكتّاب المشوَّهين الذين يتصدرون ويوجهون بَلْهَ يتحكمون في أدق تفاصيل فصول وفضاءات المشهد الثقافي الجزائري البائس الحزين منذ الاستقلال إلى اليوم؟ وأنى لهم أن يلتحقوا بركبهم حتى لو تضمنت رواياتهم وقصصهم ومؤلفاتهم وسوَّقَتْ كل فواحش وموبقات قوم لوط وعاد وثمود وجاهليات أصحاب الرس والأيكة وقوم تُبَّعٍ..

وقام بتحريره ومراجعته والإشراف عليه الكاتبُ والمفكر والفيلسوف والعالم الياباني (ميتشو كاكو)، الذي لم يهتدِ هو وقومه إلى معرفة رب العالمين، واهتدوا إلى صناعة وفهم كل عالم الموجودات. والكتاب حلقة ضمن سلسلة عالم الفكر الكويتية التي تعتمد ترجمة الجديد من ما يكتبه العقل العلماني والملحد الآخر، على أساس أنه هو الطريق الفكري السوي والمنهج العقلاني المنقذ من الإفلاس على حد زعم خط المجلة والسلسلة، وعلى أنه أيضا هو السبيل الأوحد لتوضيح وشرح سيول التساؤلات الفلسفية التي عجزت عن فك كُنهها وطلاسمها البشرية المستنيرة إلى اليوم بزعمها. وقد أخرجته ضمن مجموعة من العناوين المشابهة له مثل: (فخ العولمة)، (الثقافة العربية في عصر العولمة)، (مدن المعرفة)، (نهاية عصر اليوتوبيا)، (أوديسا التعددية الثقافية)، (الثورة بلا قيادات).. وكلها تدور حول فكرة تأليه العلم والفلسفة بالرغم من تناقضهما المبدئي والإجرائي، واعتبارهما أنهما هما المعبَر الوحيد للنهضة والتقدم والرقي، والكفر بالله وبالدين، كمُثبط وكابح ومُبددٍ لكل أمل في النهضة والرقي باعتبارهما يقومان على معارف الغيب والملكوت والخرافة والأسطورة والتعاليم الدينية الغيبية، في ظل تنامي الكتابات الضالة المترعة بالتيه والعمى والنرجسية، ومع موجة طوفان التآليف الملحدة بشتى الفنون الروائية والقصصية والشعرية والمسرحية والفلسفية والفكرية والإبداعية.. التي تحمل أكفالا كثيرة وأوزارا كبيرة من الرعونة والاستخفاف والذاتية السدومية الآبقة كعناوين مقززة لها، مثل: (موت الله) (فكرة الله) (انتحار الله) (هل يوجد إله لنؤمن به؟) (أنتم أيها الغافلون بعبادة الله؟) (هكذا قال زرادشت) (لو عاد المسيح).. وغيرها من عناوين التيه والضياع والضلال التي آل إليها عقل ووجدان وروح وحال الفرد الغربي التائه، والآسيوي الشرقي الغنوصي والباطني الضال، والمتنكب عن روح الدين النقية، وعن رحيق الحقيقة المطلقة المختزلة في الإيمان بالله العلي العظيم كقيمة توحيدية مطلقة كبرى، وكمثل قيمي مرجعي أعلى، وبإتِّباع نبيِّه محمد صلى الله عليه وسلم، والإيمان بشريعته الحنيفية السمحاء والاقتداء والعمل بها.

ولعلني قبل أن أقول كلمة الله هنا للمستلبين العرب والمسلمين عامة والجزائريين خاصة، أوَّدُ أن أعرض للقراء الكرام فقرة واحدة من كتاب (راسل جاكوبي) (نهاية عصر اليوتوبيا- السياسة والثقافة في زمن اللامبالاة، ترجمة: فاروق عبد القادر، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، عدد 269، صفر 1422هـ ماي 2001م، ص 8 و9)، الذي يقرّر عجز المجتمعات من إمكانية صناعة الحاضر والمستقبل فيقول: ((.. وقليلون هم الذين يتصوّرون أن يكون المستقبل شيئا سوى كونه صورة مطابقة للحاضر، قد يكون أفضل في بعض الأحيان، لكنها أسوأ على وجه العموم.. فالعالم اليوم يبدو في عيون الشباب أقلّ فتنة وسحرا، وبين الأوربيين والأمريكيين الناعمين بالرخاء تبدو لهم آفاق المستقبل كئيبة بائسة. وتشير التقارير الحديثة عن الانخفاض الحاد لنسب المواليد في الدول الأوربية الثرية إلى اتجاه جديد نحو العدمية والتشاؤم. والشباب يشعرون بأن السحب الداكنة تتجمّع في الأفق.. لقد ضاع الاعتقاد بأن المستقبل سيكون أفضل من الحاضر.. ويبدو لدى الشباب الآن إحساسٌ بأن الحياة –يوما بيوم– هي أفضل ما يمكنهم عمله، فأن يكون لهم أطفالٌ أمرٌ مكلف ومثقل بالمخاطر.. لأن ما كان ممكنا بالنسبة للأجيال السابقة لم يعد ممكنا لجيل اليوم..)).

والمتمعن في هذا الكتاب المترجَم الذي يسير كله على منوال هذه الفقرة يتبيّن دونما عناء أن هذا الصنف من الناس –وإن كنا لا نؤمن بما يقولون– صار يرى في ظل المشهد العدمي الآثم المعاصر أن المستقبل الذي كان يمكن التحضير له وضبط إيقاعاته سابقا، لم يعد ممكنا لأجيال اليوم، ولذا انقلب هذا الفئام من الناس نحو العدمية والدهرية في العيش، وفقد مبرّرات التفاؤل والاستبشار، وحل في مضائق التشاؤم واليأس العدميين المخالفين لروح الشرع والفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها لقوله تعالى: {.. إنه لا ييأس من روح الله إلاّ القوم الكافرون}(يوسف: 87)، على الرغم من تحذيرات وتنبيهات رسول الله صلى الله عليه وسلم جيل الصحابة رضوان الله عليهم من رداءة وفساد الأزمنة القادمة، إذ يقول محذرا: ((كيف بكم وبزمان يوشك أن يأتي، يُغربل الناس فيه غربلة، تبقى حثالة من الناس، قد مرجت عهودهم وأماناتهم واختلفوا، وكانوا هكذا وشبك –عليه الصلاة والسلام- بين أصابعه)) (أخرجه ابن ماجة في سننه، ج 2، ص 369.).

هذه هي الحداثة والعلمانية وثورة الإلحاد بالله والكفر بالأديان والنبوات والرسالات المتنزلة من عند الله، التي يتخذها أشباه الكتّاب والروائيين والمفكرين والفلاسفة العرب والجزائريين قدوة ومثالا ومنهجا يحتذى، والتي لا يفتأون يدعون إليها في السر والعلن، ويحرِّضون أولي الأمر صباح مساء لتبنيها كمرجع ومخرج من الأزمة نحو أفق الحداثة والحرية المنفلتة من كل القيود عبر كافة الوسائل والوسائط والمنابر المفتوحة لهم في كل الأوقات ليضللوا الناس عن طريق النهضة الحقيقية.

وهذا نصٌّ آخر من كتاب (ميتشو كاكو، ص 23 و24) المذكورة بياناته مطلع هذا المقال، تُبين فيه دراسة المعهد القومي الأمريكي للصحة بعنوان: [الإنسان يسيطر على المادة والحياة والذكاء] إلى أنه بحلول نهاية القرن العشرين كان العلم قد وصل إلى نهاية حقبة، كاشفا أسرار الذرة وجزيء الحياة ومخترعا الكومبيوتر الإلكتروني، و((.. بهذه الاكتشافات الثلاثة الرئيسة التي انطلقت بتأثير ثورة الكم [QUANTUM] وثورة [D.A.N] و[ثورة الكومبيوتر]، تم أخيرا التوصلُ إلى القوانين الأساسية للمادة والحياة والحوسبة. إن هذه المرحلة البطولية للعلم تقترب من نهايتها، فقد انتهى عصرُ العلم، وبدأت معالم عصر آخر تظهر.. إن عصر الاكتشاف في العلم يقترب من نهايته ليفتح عصرا جديدا، هو عصر السيطرة على الطبيعة..)).

والمتمعِّن في هذه الفلسفة العلمية المادية الكافرة البحتة، يتبين حجم الغرور والكبرياء الذي وصل إليه بطرُ وانتفاخ الفرد الحداثي، إذ يُعلن عن بداية عصر السيطرة على كافة قوى الطبيعة، وقد جهل بعلمه المليء بالجهل أن التسخير أُمُّ النِّعم، وهي أبدع مظهر من مظاهر تكريم الله للإنسان، وقد صدحت المئاتُ من الآيات بالمَّنِ بمزيَّة التسخير، ولولا تطويع الله للموجودات والمسخرات لجاع ولعرى ولمرض ابن آدم ولما استطاع أن يأكل ثمرة من غصن من شجرة، وقد تحدّى الله البشر أن يُطوّعوا الأرض وسائر قواها ومخلوقاتها من غير رضاه في القرآن الكريم. وقد استعصى على هاته البشرية الكافرة والملحدة بالله وبقواه أن تُطَوِّعَ كائنا غير مرئي من عالم الملكوت والغيب من جنود الله التي لا تُعدّ ولا تحصى اليوم يُدعى (كوفيد 19) عن التطويع فدخلت البشرية المغترَّة بعلمها القاصر في جُحر ضب. فأين هو هذا العلم الذي عجز عن تطويع فيروس من عالم الغيب؟

واستمعوا لـ(ميتشو كاكو) إذ يقول في: (ص 16) في موضع آخر عن الأعمدة الثلاثة للعلم في القرن الواحد والعشرين: ((..تشكل هذه العناصر –المادة والحياة والعقل– أعمدة العلم الحديث، وعلى الأرجح سيسجِّل المؤرِّخون أن قمة الإنجاز العلمي في القرن العشرين كانت الكشف عن العناصر الأساسية التي تعتمد عليها هذه الأعمدة الثلاثة، والتي تمثلت في تحطيم نواة الذرة، وفك شفرة نواة الخلية، وتطوير الكومبيوتر الإلكتروني. وبإتمام فهمنا الأساسي للمادة والحياة تقريبا، فإننا نشهد إغلاق أحد الفصول الكبرى في تاريخ العلم..)).

أليس هذا دليلا على عجز البشرية اليوم عن مجابهة هذا المخلوق الضئيل جدا؟ إنها بشرية لا تساوي فيروسا خلقه الله سبحانه وتعالى؟ فأين هو ذاك الغرور الذي أعلنتم به نهاية عصر العلم وبداية عصر السيطرة على الطبيعة؟

والآن اسمعي مني نداء الله تعالي أيتها البشرية الضالة العاجزة أمام هذا المخلوق الضئيل جدا، إنها فرصتك الأخيرة اليوم لتعودي إلى ربك راضية مرضية، هذا الخالق الرازق الشافي الكافي.. الذي خلق كل شيء بقدر، ولم يخلق الكون وما فيه لعبا أو عبثا أو صدفة، وليس لك شفاء غير نظرية المعرفة الإسلامية التي تقرر أن: كل شيء في الكون من: جماد أو نبات أو حيوان أو إنسان أو ملك أو جن أو شيطان أو كوكب أو غيره.. لا يسير ولا يتحرك ولا يصيب ولا يتجنب.. إلاّ بقدر من الله، وأن ما كان يصيبنا ما كان ليخطئنا، وأن ما قدره الله علينا لا يمكننا أن نرده إلاّ بالالتزام بشريعة الله، وحسن اليقين به والتوكل عليه، وبكثرة الدعاء والصدقات والذكر والصلاة والعبادة، مع الاحتياط والأخذ بأسباب الوقاية الصحية المقررة علميا عند العلماء الثقات. فمتى ترعوي أيتها البشرية الضالة وتسكني إلى جنب الله؟ أللهم اشهد أني بلغتْ.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • بن مداني عبد الحكيم

    البشرية اليوم لابد لها من وقفة اعتبار وتدبر ومراجة يقول المفكر الفرنسي البير كانيو بعد كارثة هيروشيما اذا كان القرن 17 قرن الرياضيات والقرن18 قرن العلوم الفيزيائية والقرن 19 هوقرنالعلوم البيولوجية فان القرن العشرين هو قرن الخوف والقلق انتهى كلامه اصبح الأنسان يفكر كيف يسيطر على ا لطبيعة وهذه الهندسة الوراثية اطالة عمر الأنسان والقظاء على الشيخوخة وعيرها هذا التحدي والغرور و هذا التطور البعيد عن الايمان والبعيد عن الفطرة الصحيحة السليمة وطغيان الأنسان بعقله الذي أصبح شبه اله لانه اصبح قادر على الايجاد هذا التلاعب بالحياة قد يقود البشرية الى نهايتها

  • أبوضياء

    بارك الله فيك أستاذنا وجزاك الله خيرا ...بارك الله في قلمك النير وثقافتك الواسعة أستاذ متميز بما تحمله الكلمة من معنى ...الحمد لله كان لنا شرف الدراسة عندك ...واصل المسيرة فأنت علامة فارقة في الجامعة الجزائرية

  • قل الحق

    بارك الله فيك استاذ و الحمد لله ان اصبحنا نقرأ مثل هذه المواضيع على جرائدنا، اسمح لي استاذ ببعض المقولات لبعض عظماء الفيزياء
    لا يمكن للعلم أن يحل لغز الطبيعة النهائي لأننا في النهاية جزء من اللغز الذي نحاول حله.(ماكس بلانك)
    كل المادة تولد وتوجد فقط من خلال قوة ... وراء هذه القوة ، يجب أن نفترض وجود روح واعية وذكية. هذا الروح هي جوهر كل المادة.(ماكس بلانك)
    تقودنا دراسة العالم الموضوعي إلى الاستنتاج العلمي بأن محتوى الوعي هو الواقع النهائي.(يوجين ويغنر)
    ماذا يقول لنا العلمانيون....الله يهدينا