-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

كيف وجدت الجزائر نفسها مكتوفة الأيدي في الأزمات الجهوية؟

عابد شارف
  • 4851
  • 19
كيف وجدت الجزائر نفسها مكتوفة الأيدي في الأزمات الجهوية؟

خرجت الجزائر من اللعبة السياسية عند اندلاع الأزمة الليبية ثم في أزمة مالي… من هي الأطراف التي وضعتها في موقع دفاعي ومنعتها من التأثير على مجريات الأمور؟

ما هي النقاط المشتركة في أزمة مالي وأزمة ليبيا؟ يمكن حصر هذا السؤال في نقطة أساسية، وهي أن الأزمة تدور بجانب الحدود الجزائرية، مع نتائج مباشرة على بلادنا، لكن الجزائر تجد نفسها مكتوفة الأيدي، لا تستطيع أن تتدخل ولا أن تقوم بدور كبير للدفاع عن مصالحها، فوجدت نفسها في وضع المتفرج الذي لا حول ولا قوة له.

في الأزمة الليبية، كان من المفروض أن تلعب الجزائر ومصر الدور الأساسي في فرض حل للأزمة، بحكم الجوار والجغرافيا، وبحكم أثر الأزمة الليبية على البلدين. وكان من الواضح أن انهيار الدولة الليبية وتقسيم سلاح الجيش الليبي على تنظيمات إرهابية وميليشيات مختلقة سيكون له الأثر المباشر على الجزائر وعلى البلدان المجاورة، وأن المتضرر الأول هو الجزائر.

لكن مباشرة عند اندلاع الأزمة الليبية، قامت أطراف قوية بتنظيم حملة كبرى ضد الجزائر، وقالت هذه الأطراف إن الجزائر تساند الحكم القائم في ليبيا، وأنها تعمل لبقاء معمر القذافي، وأنها تزوده بالمقاتلين والسلاح. وقالوا كذلك إن الجزائر وضعت طائراتها العسكرية في خدمة النظام الليبي، وأنها تنقل المرتزقة الذين يقاتلون في صفوف الوحدات النظامية التابعة للقذافي.

هذا الكلام قالته أطراف عربية وغربية، ورددته أطراف جزائرية كانت تعتقد مسكينة أنها تنصر الديمقراطية. لكن النتيجة الحقيقية لهذا الكلام كانت أنه فرض على الجزائر البقاء في وضع دفاعي، بل وضعها في سجن سياسي ودبلوماسي، ولم تستطع الجزائر أن تقوم بأية مبادرة، وبقيت تحت المراقبة الدولية من بداية الأزمة إلى نهايتها. وفي نفس الوقت، بقي المجال مفتوحا أمام أطراف أخرى كانت تعمل لتفرض حلولا تخدم مصالحها. هذا واقع… هذا ما حدث ميدانيا خلال الأزمة الليبية، ولا بد لكل من ساهم في عزل الجزائر والضغط عليها ومنعها من التأثير على الأزمة الليبية، خاصة من الجزائريين، لا بد له أن يراجع ما قام به، وما كانت نتيجة مواقفه وتصرفاته

لا بد لكل من ساهم في عزل الجزائر والضغط عليها ومنعها من التأثير على الأزمة الليبية، خاصة من الجزائريين، لا بد له أن يراجع ما قام به، وما كانت نتيجة مواقفه وتصرفاته

ولعل هذا أول درس استخلصته الأطراف الفاعلة في الأزمة المالية. وكانت أن أول مبادرة قام بها هؤلاء هي عزل الجزائر عن الأزمة حتى تبقى خارج اللعبة. وفعلا، وجدت الجزائر نفسها مكتوفة الأيدي منذ أن قامت مجموعة إرهابية باختطاف قنصل الجزائر وستة من مساعديه في مدينة غاو شمال مالي. ومنذ تلك اللحظة، وجدت الجزائر نفسها في مأزق، لا تستطيع أن تبادر ولا أن تتدخل ولا أن تقوم بعمل مؤثر على الأزمة دون أن تهدد حياة الرهائن.

هذا واقع لا يمكن تجاهله، وهو ما يعطي معنى آخر لعمل هذه المنظمات الإرهابية. ونلاحظ أن منظمة الوحدة والجهاد في غرب إفريقيا التي تبنت اختطاف القنصل والموظفين الجزائريين لا تتحرك إلا لضرب المصالح الجزائرية، حيث تبنت عملية اختطاف ثلاثة غربيين في مخيمات اللاجئين الصحراويين في تندوف، وعملية تفجير مقر الدرك الوطني في تمنراست.

ولا بد من التساؤل: كيف استطاعت هذه المنظمة أن تتوغل إلى مدينة غاو، وأن تقوم باختطاف موظفي القنصلية الجزائرية، بينما كانت منظمات أخرى، وهي منظمة “أنصار الدين” و”الحركة الوطنية لتحرير أوزواد”، كانتا تقتحمان المدينة؟ ألا يوجد تواطؤ وتفاهم بين هذه التنظيمات، لتستولي إحداها على المنطقة، وتقوم الأخرى بعملية الاختطاف لإخراج الجزائر من اللعبة؟

وتزيد الأزمة تعقيدا مع الغموض الذي يسود في العلاقات بين المنظمات المسلحة التي تتحكم في شمال مالي، حيث تختلط فيها العلاقات السياسية بالعلاقات العائلية والشخصية. ومن المعروف مثلا أن قائد حركة “أنصار الدين” تربطه علاقة عائلية مع قائد “الجبهة الوطنية لتحرير أزواد”، وهو ابن عمه. وقد فتحت “الجبهة الوطنية لتحرير أزواد” الطريق أمام حركة “أنصار الدين”، رغم أن الأولى تدعي أنها ديمقراطية عصرية وعلمانية بينما تتبنى حركة “أنصار الدين” فكرا إسلاميا تقليديا.

وقد أعلنت حركة “أنصار الدين” عن اتفاق مع “الجبهة الوطنية لتحرير أزواد” من أجل إقامة دولة إسلامية في شمال مالي. وحسب ما أعلنت عنه منظمة “أنصار الدين”، فإن الطرفين اتفقا على تشكيل “مجلس انتقالي للدولة الإسلامية في أزواد”، لكن بعد هذا الإعلان، تراجعت “الحركة الوطنية لتحرير الأزواد”، وأكدت أنها لم تمض الاتفاق، وأن المباحثات اقتصرت على مشروع فقط، ولم يتوصل الطرفان إلى اتفاق لأن الخلافات كبيرة ولا يمكن تجاوزها.

هذا دون أن ننسى أن تنظيم “القاعدة في المغرب الإسلامي” ما زال ينشط في تلك المنطقة التي جعل منها مقرا لقيادته. وفي هذا الخليط السياسي والعسكري والتنظيمي، تكثر الأسئلة: ما دور هذا الطرف وذاك؟ من هي هذه المنظمة التي تدعي أنها تنشط في فرب إفريقيا ولا تضرب إلا مصالح الجزائر؟ من هي هذه المنظمة التي تدعي أنها ديمقراطية علمانية وتفتح المجال لسيطرة تنظيم راديكالي على كل شمال مالي؟ من هي القوى التي عملت لإخراج الجزائر من الأزمة الليبية، وتعمل اليوم لنفس الغرض في أزمة مالي؟ من وراء هذه التنظيمات التي لا تتحرك إلى بعد أن تضمن عدم تدخل الجزائر؟ وفوق هذا كله، كيف تخرج الجزائر من السجن الدبلوماسي الذي توجد فيه، لاستعادة المبادرة، والتأثير من جديد على مجرى الأحداث، لتفرض حلولا تضمن الحفاظ على مصالحها؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
19
  • عبدالوهاب ش

    كيف وجدت الجزائر نفسها مكتوفة....
    عذرا سيد شارف أظن أن السؤال هو متى ؟وليس كيف؟لأن الجواب بالتأكيد سيقودنا إلى طرح أسئلة أخرى من قبيل:ما هي الدولة المسؤولة؟ وأمام من؟ومن هو الموظف المسؤول؟وأمام من؟وأظن بالتأكيد أيظا أنك على معرفة بإجابات هاته الأسئلة وأنت الصحفي متعدد مصادر الخبر وأيظاقنوات الإعلام,سيدي يقول المثل الشعبي :الشمس لا تغطى بالغربال.

  • ٍر.يوسف

    يا أخي الكريم ؛كم أنا أحس بشيء من الراحة والاطمئنان عندما يوجد بين يديا نصا اسم صاحبه هو عابد شارف.
    لكن هذه المرة فجئت بمقال لا يرقى الى ما تعودت اليه والسبب بسيط جدا الا وهو الركود للحكومة الجزائرية منذ عقود. فالسؤال الذي يطرح نفسه هو : لماذا سكوت وسكون الحكومة طيلة أيام التي دمتها هذه الأحداث؟ ومن جهة أخرى كيف تريدون أن يكون رد فعل قوي من طرف حكومة متخندقة مع النظام المسير لشؤون بلادنا حتى أصبح مجتمعنا يصعب عليه التنافس ؟شكرا

  • djsahraoui

    والله اني لاستغرب من كاتب عرف بتجرده وموضوعيته كيف يصطف الى جانب نضام غير ديمقراطي اضهر منذ البداية توجسه وعدائه للثورات العربية خشية انتقالها اليه انك بذلك يااستاذ تبررسلوكات النضام.

  • بدون اسم

    لقد قرأت تعليقك "بالعربية" و تألمت كثيرا لحبيبتي "اللغة العربية" لو تتكرم علينا بتعليق أخر باللغة الفرنسية لأرى من ذا الذي ينتقد الوزير عبدالقادر مسهل, لأن ما قلته في حقه ليس صحيح, الرجل يا رجل يتكلم بطلاقة العربية و الفرنسية و الإنجليزية. كان عليك أخذ مثال اخر يالفاهم.

  • Omar doudah

    مادام الوزير المكلف بالشؤون الافريقية و المغاربية لا يحسن نطق لا العربية و الفرنسية نبقى نرجع الى الوراء
    اما ميدان الاعلام! حدِّث لا حرج
    البارحة فقط انطلقت حملة فتح مجال السمعي البصري
    بينما الخنزيرة التي لم تكن تعرف إشعال اضواء الإنارة وصلت الى بعيد لانها لقيت ابواب مفتوحة لمباشرة هوايتها
    نحن من كانت تتوفر لديه كل الإمكانيات المادية و البشرية لكسح هذا المجال اكثر من اي بلد عربي آخر
    و اليوم كذلك، لم تصادق الحكومة على قانون سماح اطلاق تقنية الجيل الثالث للهاتف و الإنترنيت بينما دول المنطقة تتحدث

  • maroc

    انك خاطئ المغرب لا يهمه ما يقع خارج حدوده اما اخبار الصحافة فهي من مصادر دولية فهل سمعت مسؤولا مغربيا يتهم الجزائر فيما يخص ليبيا فالقضية كانت بينكم و الليبيين

  • بدون اسم

    ببساطه ان الجزائر تحكم عن طريق الازرار من وراء البحر وهى ليست سيدة مواقفها والدليل مهولة وزير خارجيتها فى برلمان فرنسا ثم الحرب التى تتحدث عنها هى الفخ الدى ستسقط فيه خصوصا دا اوكل اليها دور برويز مشرف فى المنطقه

  • بدون اسم

    بارك الله فيك يا أستاذ تحليل رائع و دقيق جدا, رؤية شاملة للأمور لقد جمعت لي أفكاري المتبعثرة, فهكذا نريد من كتابنا و صحفيينا أن يكونوا لا كؤلائك اللذين ينتقدون لمجرد النقد و كفى.

  • عبو العائد

    الجزائرلم تخرج من اللعبةبالمنطقة بل كل شيء مدبرعلى راسها من فرنسا.المؤامرةليست جديدة بل هي من يوم ان قال الرئيس هواري بومدين رحمه الله لقد قررنا تاميم البنوك وبعدها قال لقد قررنا تاميم المحروقات وكان وقتها الترحيب بالقرار كبير جدامن الشعب.فتلك هي بداية اللانهاية على الرغم من استرضاء بعض المسؤولين بعد الاستقلال والى الان لفرنسا.ثورة وقرارات صائب ومواقف مشرفة لشعبنا ودولتنا.فرنسا هي صاحبة البلية للدولةالجزائرية الفتيةالتي تحررت من استعمارهم على يد المجاهدين الاحرار والشهداء الابرار طاردي الاستعمار

  • محمد مشيد

    كم أكره هذه العبارة أعلم أن كلامي لن يمر في التلفزيون أعلم أن كلامي لن ينشر وكلامه يردده رئيس الجمهورية ليلا نهارا والانظام الجزائري أو بال أحرى السلة لأن التظام شيئ لابد منه وهو عبارة عن مجموعة من النظم التي تسير المجتمع حتى لا تكون فوضى نحن في حاجة إليه لكن الذين في السلطة أدركو أن تعبير الشعب بحرية يعطي فرصة لهم ليتجددو والكلام يطول وأقترح على صاحب التعليق الثان التواصلعبر الفايسبوك

  • عقبة

    عندما أحرقت إسرائيل غزة ولم تستطع أن تبلغ أهدافها. إجتمعت ليفني ورايس وقررتا بناء جدار بين غزة ومصر. الرئيس والحكومة المصرية كانوا آخرمن علم بالأمر. جاء المطبلون للنظام المصري وقالوا أن الجدار في صالح الفلسطنيين. لأن هدف إسرائيل هو إفراغ غزة من سكانها بالضغط عليهم للفرار إلى مصر و الإستلاء على الأرض. ولكن العقلاء إكتشفوا أن نظام مبارك قد سلّم كل قراراته لإمريكا وإسرائيل بشكل غير معقول. لا تبحث عن مبررات خارجية فالنظام الجزائري على خطى نظام مبارك قد باع كل قراراته للخارج من أجل البقاء في الكرسي.

  • seif

    انه لتحليل غريب لرجل عليم ياحوال العباد و البلاد .......يا اخي الجزائر لم تعد تحكمها تلك النخبة السياسية المتمرسة ....البلاد تقاد بعقلية المافيا.....و لم يقصها احد و لكنهم اناسا يحسبون ان كل صيحة عليهم ..
    الاحداث لا تنتظر ......لكن كل يوظفها كيف يشاء ....اما حكامنا ففي صمت رهيب......

  • محمد مشيد

    المهم نستطيع حماية التراب الجزائري والموقف الجزائءري موقف حكيم إلى أبعد حد فالتدخل في الأزمة الليبية أو المالية كان سيضيع الجهود الداخلية لحماية النظام من ضعاف النفوس الذين لا يقدرونمصلحة البلاد

  • NEDJMA

    LE CHAMPS EST OUVERT MONSIEUR ET MEDELCI N'EST PAS LA PERSONNE ADEQUATE

  • الجزائر

    اعتقد ان اقوى سلاح في العصر الحالي هو الاعلام؛ تمكن الغرب من إسقاط الإتحاد السوفياتي و عديد الدول التي لا تخضع لهيمنته إعتمادا بالدرجة الاولى على الحرب الإعلامية. فلا يمكن إنتضار من الجزائر دور اكبر في المنطقة بعد الهجمة الشرسة لوسائل الإعلام الاجنبية. نحن لدينا واجبات تجاه الامة العربية، لدينا مصالح نحافظ عليها لكن الحفاظ على الجزائر هي مسؤوليتنا العظمى.

  • فريد

    الجواب واضح كالشمس، الجزائر لها عدو لدود واحد في المنطقة، فكما سبق ان اطلق بيادقه في ازمة ليبيا و راح يختلق قصص جيمس بوند و يسوقها في انحاء المعمورة و لكن بمجرد ان ركب الفلم باقحام جبهة البوليزاريو في المؤامرة اكتشف العالم الاعيبه، وعلى السلطات الجزائرية المخابرتية و الديبلوماسية التحقيق في خلفيات اتهامها في هذه القضية بعد هدوء العاصفة و ستكتشفون العجب العجاب. اما قضية مالي فهو نفس السيناريو و لكن باخراج مختلف، وللحديث بقية

  • سمير

    حسب العنوان انتضرت ان تجيبنا لماذا وجدت الجزائر نفسها او لماذا الجزائر ساكتة لكن المقال سرد للاحداث وفقط

  • مغاربي

    أعرف أن تعليقي سوف لايرى الطريق إلى النشر لأنه يعكس الحقيقة أولا حين تتحدث عن تركيبة المنظومة السياسية الدبلوماسية في الجزائر وخاصة على مستوى حمولتها الفكرية فإنك تُقصي عنصرا هاما من المعادلة وهو أن النظام الجزائري لا يملك القدرة على التأقلم مع مستجدات الفكر السياسي والدبلوماسي وخصوصا بعد سقوط جدار برلين لأن النفط والغاز والبؤر الثورية ولعبة التغطية الروسية أو الكوبية وغيرها من أبجديات زمن مضى لم تعد تنفع في زمن المعلومة السيارة والقدرة على صناعة الأفكار وبيع المعرفة بدل شراء الولاء بالنفط

  • أغروض

    لماذا يا أخي تبحث عن منظمة تعادي الجزائر و هي خارج الحدود في حين أن هناك منظمات داخل الجزائر تعادي او بالأحرى تُسير الجزائر ..!!!