جواهر

لأنها مطلّقة!

ح.م

مطلقة.. كلمة لم تسثتن أي واحدة ولم تفرق لا بين التي طلقت قهرا وتعسفا والتي طلقت تطليقا بسبب الضرر ولا وديا ولا من خلعت نفسها.

كلمة مطلقة باتت السهم القاتل المخترق لقلب الملقبة به بدون استئذان، والرصاصة القاتلة لها، والكابوس المسلط عليها، وحبل الإعدام الذي لا يرحم بسبب النظرة غير العادلة الموجهة لهن من قبل المجتمع بمن فيه أقرب الناس إليهن!!

كلمة.. صفة.. اسم ونعت بعلامة مسجلة، وبتعريف دولي لا يختلف عليه اثنان ولا يتيه عنه أي أحد.. كلمة تعرف بها هاته الفئة المغلوبة على أمرها ولا ذنب لها إلا ما رحم ربي في زمن باتت تعرف وتوصف وتنعت به من كل الفئات، من قريب ومن بعيد بدون اسثتناء.

مطلقة كلمة مدوية قاتلة خانقة، مفقدة للوعي ومتلفة للأعصاب، أصبحت مدونة ببطاقة حياتها الشخصية اليومية، وبأوراق حالتها المدنية، بداية من العائلية ومحيطها الأسري إلى المهنية والاجتماعية والتي أصبحت هاجسا يؤرق حياتها وكابوسا يلاحق آلاف النساء بكل الأقطار العربية عامة والتي تتفاقم درجات خطورتها وكوارثها من بلد لآخر ومن مجتمع لآخر خاصة بالجزائر وبمنطقتنا المحافظة.

كلمة أصبحت تعاني من جرائها العديد من الفئات النسوية بمختلف أعمارهن ومستوياتهن وحالتهن المادية والاجتماعية، من حالة نفسية هستيرية صعبة للغاية جراء المضايقات والاستفزازات والأوضاع المزرية، وجملة المشاكل التي تتفاقم وتزداد كل يوم وباتت موضوع إهانة وتجريح ومساس بكرامتهن وشرفهن.

أصبحت الكثيرات منهن منبوذات من المجتمع، مرفوضات، مهمشات، وممنوعات من الزواج بدون سبب يذكر وبدون مبرر، لا لشيء إلا لأنهن مطلقات وغير مرغوب فيهن ولا يلتفت إليهن.. محرم عليهن الحلال والتعفف، لكن مرغوبات كخليلات مطلوبات للمجون والليالي الحمراء والدعوة لسلك طريق الحرام والتشجيع عليه، وبمعنى أدق مكروهات نهارا محبوبات مطلوبات ليلا.

كلمة واسم مطلقة كرهته معظم المطلقات وتسعى للتخلص منه ونفيه جملة وتفصيلا بكل الطرق والوسائل وشتى الطرق، منهن من تسرع في إعادة الزواج خاصة الفئات هشة السن ذوات العشرينيات والثلاثينيات، في غالب الأحيان بأي عريس كان حسب وجهة نظر بعضهن وتصريحاتهن، لا لشيء إلا لأجل محو هذا العار اللاصيق بهن وبأهلهن والمشوه لسمعتهن ومكانتهن والمدمر لحياتهن وحياة أطفالهن والتأثير على نفسيتهن وإجبار الكثير منهن على التشرد وجر البعض للانحراف..

تتزوج المطلقة أيضا بأي كان لأجل إثبات مكانتها بين أوساط المجتمع وأفراد أسرتها لتبين من جهة بأنها ليست سيئة، ومن جهة لإقناع نفسها بأنوثتها ومكانتها، ومن جهة أخرى  لإغاظة مطلقها والإثبات له بأنها مطلوبة ومرغوب فيها ويمكنها إعادة الزواج والعيش في سعادة وثبات دون حاجتها إليه، وأيضا وهذا هو الأهم لإسكات الأفواه المتشدقة المشوهة لها.

والكثيرات ممن رفضن هذا الطرح والفكرة التي لا تجلب لهن سوى التعاسة والمشاكل، لا سيما المتاعب النفسية والفكرية مما ينجم عنه فئة تعتبر نفسها سلعة وحقل تجارب للتذوق والاستمتاع بها و بجسدها، وفئة أخرى أقسمت وجزمت وحسمت أمرها ونذرت نفسها لخدمة نفسها وأهلها ومجتمعها بعدما جربت حظها ورضيت بنصبيها و “مكتوبها” حسب تصورها لأنها فقدت الثقة الكاملة في صنف الرجال وباتت لا تأمن لهم مهما كانت العقود والمواثيق والضمانات والإغراءات..

أما الفئة الناقمة، القلة القليلة من رضيت بالزواج لتكميم الأفواه وخرس الألسن كما سبق وأن ذكرت ولحاجة في نفس يعقوب، وفئة أخرى فضلت الانتقام لنفسها ورد اعتبارها بطريقتها الخاصة وخوض بحر التجارب والمغامرات ولكل منهن وجهتها وتوجهها وتصورها والطريق الذي اختارته لنفسها دون إدراك ولا تميز، غير مبالية بالقيل والقال وضاربة بكل الأعراف والتقاليد عرض الحائط.

وتبقى الفئة المحصورة بين إرضاء نفسها وأسرتها وإسكات مجتمعها بين المطرقة والسندان في حيرة من أمرها أتقبل بالتسمية والوصف أم ترفضه وتصمت للأبد أو تدافع بطريقتها التي تراها الأصلح والأنسب.

أما الفئة المثقفة حسب رأيهن المتدينات الراضيات بالقضاء والقدر ومكتوبهن مفوضات أمرهن للمولى عز وجل هو صاحب الأمر من قبل ومن بعد واللواتي هن غير مباليات ولا مكترثات للأمر ولا تفكرن فيه أصلا ولم تتأثرن به، وفئة المحظوظات اللواتي لقين الدعم النفسي والأسري والإحاطة والتكفل من أهلهن وذويهن ومحيطهن لا تبالي أصلا به.

موضوع شائك ويتطلب الكثير مما سببه وخلفه من تركة جد ثقيلة على مدار الأعوام في مجتمع لا يرحم ولا يقدر ولا يأبه بحالة أولئك المظلومات المهضومات الحقوق، المستغلات، المعرضات للعنف والتسلط والاستغلال، ناهيك عن المساومة والتحرش وما شابه ذلك بسبب النظرة السائدة والمفهوم الخاطئ من أقرب المقربين الذي زاد للطين بلة..

ناهيك عن باقي الأوساط المجتمعية التي ترى في المطلقة سهولة السيطرة وإغرائها للنيل منها وقت ما شاوؤا، خاصة ذوات الظروف المادية والمالية السيئة وحالة الفقر والعوز كما أثبتته وبينته الإحصائيات والمعطيات بالأرقام من الدراسات والملفات المعروضة على أروقة المحاكم ومخافر الشرطة وباقي الجهات الاجتماعية، وما خفي كان أعظم وأثقل.

إن كلمة مطلقة ومطلقات استفحلت ظاهرتها للعلن ولم تعد تلك الكلمة المحرمة من الطابوهات السابقة، بل أصبحت محل دراسات وندوات ومحاضرات وسلسلة دورات وتكوينات من طرف المختصين لاسيما علماء النفس والاجتماع عامة ومرشدات السلك الديني  نتيجة عدد من العوامل المترابطة بها، هاته الفئة خاصة بعد تجاوزهن مرحلة الانفصال وحل حبل الارتباط الذي كان يشدها ويحميها ويقيها من كل هذا.

إن هذا الوضع الذي تعيشه المطلقات من معاناة ومآس ومضايقات داخلية وخارجية والتي لا تعد ولا تحصى، أصبح لا يطاق ولا يحتمل ولابد من حل عاجل إن لم يكن جدريا فسيكون جزئيا بحول الله واجتهادات أهل الاختصاص.

كانت هاته وجهة نظر، ودراسة حالات من أمهات القضايا المعروضة علينا والمعالجة من طرفنا ومن مناقشات صاحباتها ونظرتهن واستشارتهن لحالتهن سواء النفسية أو الاجتماعية.

مقالات ذات صلة