-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

لا تُنزلونا إليكم

لا تُنزلونا إليكم

كان الإمام أبو الفضل محمد المشدالي (نسبة إلى مشدالة، ولاية البويرة) من أنبغ علماء عصره، وقد شهدوا له بغزارة علمه، وعُمق فكره، وسداد رأيه، ومنهم الإمام السخاوي الذي قال عنه:”من لم يحضر درسه لم يحضر العلم، ولا سمع كلام العرب، سماع درس واحد من تقريره أكثرُ نفعا من سماع مائة من غيره”. وشهد له الإمام ابن الهمام فقال:”هذا الرجل لا ينبغي أن يحضر دروسه إلا حُذَاق العلماء”، وقد طُلِب من ابن الهُمام أن يُقارن بين المشدالي وأبي القاسم النُّوَيري فقال: “جُهد أبي القاسم أن يفهم عنه”.

خطت الأقدار في صحيفة المشدالي أن يتنقل بين عدة مدن وأمصار، وجلس للإقراء في عدة أماكن فكان محط الأنظار وحديث السُّمار، إعجابا به وتقديرا له، فأقبل عليه طلاب العلم، يتزاحمون على دروسه. وقد نقل السخاوي عن برهان الدين البقاعي وصفه لطريقة المشدالي في التدريس فقال: كان المشدالي”يستلقي على قَفاهُ ويتأملُ فيأتي بصواعق لا ينهض غيره لها، وأنه كان يفعل ذلك في كل علمٍ..”.

كان الطلبة الذين يتلقون عنه العلم يجدون عنتا ومشقة في فهم دروسه، سواء من حيث قوة مبانيها أو عمق معانيها، فكانوا يترّجَونه قائلين: “تَنَزّلْ لنا في العبارة فإنّا لا نفهمُ جميع ما تقول”، فكان يجيبهم بقوله:”لا تنزلوني إليكم ودعوني أرَقِّكم إليّ”، وقد مات المشدالي في الشام في سنة 864هـ (1460م).

تخطر على بالي عبارة المشدالي (لا تُنزلوني إليكم..) كلما سمعتُ أو قرأتُ ما يخرج من أفواه كبيري الطائفين حول عرش الأخ بوتفليقة، المُسبحين بحمده، الحاطبين في حبله، ويا ليتهم كانوا صادقين في حبه وفيما يصفونه به، فضلا عن أن يكونوا محتكمين للعقل السليم في ذلك، وإنما ذلك كله يدخل ضمن ما سماه إمام الجزائر الإبراهيمي “طرقية سياسية” (ج3. ص55).

وبالتالي فإن الهدف الأول والآخر والباطن والظاهر مما يقولون هو أيضا يدخل تحت مقولة الإمام الإبراهيمي:”كل شيء مبدأه السياسة فنهايته التجارة”. (3. ص 61).

لقد كان مثل مستوى هؤلاء في السابق يبقى بيننا في الجزائر، ولكنه الآن يتخطى الحدود فيراه الناس ويسمعونه من مشارق الشمس إلى مغاربها فيندهشون ويتساءلون: هل يمكن أن يكون في هذا العصر “العَالِم” أناسٌ بهذا المستوى الفكري فضلا عن الأخلاقي؟

لقد أنطق الله أحدهم فأخرج كلاما لا يخرج مثله إلاّ من… وجهِلَ أن لعن الناس يعود عليه، وقديما قال العرب الأقحاح: “كل إناء بما فيه يرشح”، وأنطق آخر بما دلّ على همته “العالية” التي لا تتعدى ـ كما قال ـ الاستعداد للتكالب على “شخشوخة”، ولو على حساب إثارة الفتنة بما تفوّه به عن رجال الأوراس الذين كان يضرب بهم المثل في حسن تجويد القرآن الكريم فيقال:”الحفظ زواوي والتجويد شاوي”. وأما ما قاله عن زُهْدِ مخدومه فينطبق عليه قول الشاعر:

ما أقبح التزهيد من واعِظٍ

يُزَهِّدُ الناس ولا يَزهَدُ

وأختم هذه الكلمة بمقولة من آتاهُ الله الحكمة الإمام الإبراهيمي:”إنّ وراء السياسة شيئا اسمه الكياسة”. فمتى تتعلمون هذه الكياسة؟

 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • طبيب الأطباء

    انتم لاتعرفون منهم عماد السلطة هذا الرجل عاش في الشؤون الدينية مادحا فقط ولم يقل ولو مرة لسيده هذا عار او عيب
    هذا من الذين يمدحون الموتى والتذلل للحكام شجاعته الخرجة علينا فقط ويبين انه عالم والله لوكان عالما لسجن عدة مرات او عشرات المرات هو ماسح للنظام والقارئ الكريم يجب ان يتفحص لنا شخصيات يبكوا مع الراعي وياكلون مع الذيب ـــ فضحهم الزمن وموت الرجال ظلما ولم يقولوا للنظام قف او لبسوا لباس الرجال ووقفوا وقفة الميدان هم علماء علينا وانا شخصيا لااؤومن بعلم هذا الشخص ياشباب تفطنو؟؟؟ههههههههه

  • طبيب الأطباء

    الومك يااستاذ انت عشت في الوزارة الشؤون الدينية وهذا الكلام لو جهته الى غلامك، والوزارة نفسها عشش فيها الكفر لم لم تقل ولو مرة هذه الوزارة فاسدة بالظلم والرشوة والخروج على الصورة الحقيقة للإسلام هل في وزارتكم دين او عقيدة ـــــانتم ستسالون يوم القيامة ماذا قدمتم للمجتمع الا السكوت وتعليم في المسجد لاشيء ـــ فماذا تتشدق به غلي ارجوك رد علي القصص والحكايات من تاريخ شيوخ كانوا مظلومين والله لوعاش بن باديس الى زمانكم لحاربتموه وكيف تحتفلون بامام يدين بالإسلا م ولادين لكم

  • خالد الأمازيغي الحر

    لولا هذا الفكر من السيد المحترم محمد الهادي الحسني لكان وزيرا للشؤون الدينة و لكن المستحمرين للشعب الجزائري لم يجدوا مقاسه إلا في ( أحمد مراني ) الأمي المحنك و بوعلام غلام الذي حيرني من أي الجامعات نال الدكتوراه .... و حتي التعليقات على ما يقوله الأستاذ قليلة لقلة الوعي بما يقوله الرجل المؤرخ التقي النقي الذي لم نعرف عليه لا مداهنة و لا شيتة و لا تملق لأجد منذ أن عرفناه و الحمد لله .

  • فاتح

    لا يمكن التعليق على ماكتبت لانك قلت و وفيت فبارك الله فيك استاذنا