الرأي

لا لوم على ماكرون!

قادة بن عمار
  • 12976
  • 20

لا نعرف سبب دهشة البعض وصدمتهم من تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وتأكيده بصراحة أنه “لا إنكار ولا ندم” على ما فعلته فرنسا بالجزائريين؟!

ما الذي كان يريد هؤلاء سماعه من رئيسٍ فرنسي هللوا لانتخابه، فوصفوه بـ”الوجه السياسي الصاعد” وبـ”المتمرد” على طبقةٍ سياسية شاخت وباتت تقليدية في فرنسا؟

لا لوم على ماكرون، فهو قال ما يريد الفرنسيون سماعه، وما ينسجم مع المؤسسة الحاكمة في باريس، لا لوم عليه ولا عتاب، لكن اللوم كل اللوم على السياسيين في الجزائر، سواء من حكموا أو من يحكمون أو من يريدون الحكم، أولئك الذين جعلوا من التاريخ مجرد وسيلة رخيصة لا غاية سامية، ومن الذاكرة “شعارا مكرّرا”، وحوَّلوا أرشيفنا إلى رهينة أبدية.

ألم يقُل أحد السياسيين من ذوي المناصب العليا والنافذة في البلد: ما الذي تريدونه من الأرشيف؟ ألا يكفيكم أننا أحرارٌ اليوم، وننعم بالاستقلال؟!

ألم يتساءل آخر: ما الفائدة من استرجاع جماجم الشهداء؟ اتركوها هناك في متحف الإنسانية بباريس، شاهدة على ما اقترفه الاستعمار؟

ألم يردِّد ثالث: فرنسا هي من منحتنا الاستقلال في اتفاقيات إيفيان!

كيف تريدون من ماكرون الفرنسي أن يعتذر عن جرائم أجداده وهو يستمع إلى أحفاد الشهداء يرددون مثل هذا الكلام المخزي؟

بل كيف تريدون منه الاعتذار وهو الذي استنجدت به قبل أيام، شابة جزائرية واستعطفته أمام الكاميرات لتطالبه بمنحها اللجوء في فرنسا، فردَّ عليها ماكرون: اذهبي إلى بلدك، فنحن لا نأوي سوى الهاربين من الحروب!

حتى جملته الساخرة ضد رئيس بوركينافاسو كانت موجَّهة في واقع الأمر لجميع حكام إفريقيا، حين قال للطلبة هناك: فرنسا غير مسؤولة عن توفير الكهرباء، إنها مسؤولية رؤسائكم وحكوماتكم.

صحيحٌ أنَّ فرنسا غير مسؤولة عن توفير الكهرباء، لكنها ملزَمة بإنهاء المشاريع التي حصلت عليها بالملايير، وكلها تتعلق بتوفير الخدمات مثلما هو حاصل لمشاريعها وصفقاتها في الجزائر وفي الكثير من البلدان والمستعمرات القديمة.. فرنسا ملزَمة برد الاعتبار للجزائريين من ضحايا التفجيرات النووية، وملزَمة أيضا بإعادة الأرشيف وجماجم الشهداء..

فرنسا ملزمة بكثير من الأمور لكننا لا نستطيع إلزامها سوى بالكلام، طالما أننا نفتقد الإرادة الحقيقية والملموسة للضغط والتغيير.

من حق ماكرون أن يردِّد “لا إنكار ولا ندم، بل استثمار ولا شيء غير الاستثمار”، الذي يعود بالنفع على اقتصاد بلده ومعيشة شعبه، ومن حق الجزائريين أخيرا، الدعاء، أن لا يجدوا بين جموع المستقبِلين والمحتفين بقدوم ساكن الإليزي “ساسي آخر” يقبِّل الأيادي الفرنسية، سواء بالسر أو بالعلن، وذلك أضعف الإيمان!

مقالات ذات صلة