-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

لا يصلّون إلا الفريضة!

سلطان بركاني
  • 1454
  • 0
لا يصلّون إلا الفريضة!

كان للتّابعيّ الزّاهد الحسن بن صالح (ت: 169هـ) جاريةٌ، اشتراها منه بعضهم، فلما كان ثلث اللّيل الأخير عند سيدها الجديد قامت تصيح في الدار: يا قوم.. الصلاة، الصلاة، فقاموا فزعين، وسألوها: هل طلع الفجر؟ فقالت: وأنتم لا تصلون إلا المكتوبة؟! ثم قامت تصلي، فلما أصبحت رجعت إلى سيدها الأول الحسن بن صالح، وقالت: لقد بعتني إلى قوم سوء، لا يصلون إلا الفريضة ولا يصومون إلا الفريضة، فرُدّني، فردها.

هذا ما قالته الجارية عن قوم كانوا يحافظون على الفرائض، لكنّهم لم يكن لهم اهتمام بنوافل العبادات؛ أبت أن تكون معهم، حتى لا يصيبها الفتور الذي أصابهم..، فماذا لو أدركت هذه الجارية زماننا هذا ورأت ما عليه بعض المسلمين، من زهد في النّوافل وإضاعة للفرائض؟، لا اللّيل يقومون، ولا الفجر يصلّون، ولا في غير رمضان يصومون.

لقد كان سلف هذه الأمّة يحرصون على السّنن، لأنّها من هدي خير الخلق -عليه الصّلاة والسّلام-، ثمّ أصبحنا نحن في هذا الزّمان نترك السّنن، ونتواصى بتركها، بحجّة أنّها ليست فرائض ولا إثم في تركها.. كان سلف الأمّة يحرصون على نوافل العبادات، لأنّهم يعلمون أنّها ترقّع ما كان من نقص في الفرائض، وتثقل ميزان صاحبها وترفع درجته، وتقرّبه إلى الله زلفى وتبلّغه رضوانه، مصداقا للحديث القدسيّ: «وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنّه».

أمّا في زماننا هذا، فقد أصبحت نوافل العبادات في ميزان بعض المسلمين تكلّفا وتشدّدا، ينظر إلى من حافظ عليها على أنّه متسنّن وربّما متنطّع، ويواجه في كثير من الأحيان بالمقولة المشهورة التي يحفظها الصّغير والكبير “الدّين ليس صلاةً وصومًا، وإنّما هو معاملة”، وكأنّ هناك تناقضا بين الاهتمام بالعبادة والاهتمام بالمعاملة، وليس في وسع المسلم أن يكون حسن المعاملة حتى يكون زاهدا في السّنن ونوافل العبادات، بل ربّما في فرائضها أيضا!

إنّه ما بلغ بنا الشّيطان إلى حدّ التّهاون في الفرائض وأركان الدّين، حتى وجد منّا الزّهد في سننه ومستحبّاته، وما تجرّأت نفوسنا على التّملّص من الفرائض والواجبات، حتى وجدت منّا الرّغبة عن النّوافل والقربات؛ فمن أراد أن يكون محافظا على فرائض الدّين وواجباته، فليحطها بسياج السّنن والنّوافل، وليحرص ما استطاع على المحافظة عليها، فإذا ما وجده الشّيطان حريصا عليها، يئس من الوصول إلى ما هو أهمّ منها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!