الرأي

“لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها”

لا نظن أن السيدة نورية رمعون بن غبريط، قد تركت كل مشاغلها الحياتية بالخصوص، وراحت تتصفح بإمعان وإدراك، كتاب الرياضيات، وتفرّق بين متتالياته الحسابية والهندسية في الرياضيات، والآية القرآنية التي تقول: “مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل، في كل سنبلة مئة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم”، ولا نظنها فرّقت ما بين سرعة الصوت والضوء وقوة الجاذبية الأرضية في الفيزياء وقوله تعالى: “الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح، المصباح في زجاجة، الزجاجة كأنها كوكب دُرّي يوقد من شجرة مباركة”، أو شرحت وفسّرت الآية: “إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين”، التي تم إقحامها في مقرر اللغة الفرنسية.

لا نظن أن السيدة الوزيرة استراحت من مشاغلها الحياتية الكثيرة، وبحثت في الكتب الدراسية، وأعطت أوامرها لأجل حذف هذه الآيات، وإنما هناك جيش كامل ربما يده هنا وعقله هناك، هو الذي دفعها لأن تأمر بعدم إقحام “الدين” في “العلم” ضمن معادلة غريبة، لم تصل هذا المدى، حتى في المقررات العلمانية، لأن الاستعانة بآية واحدة في كتاب عريض وطويل في الرياضيات لا يزلزل المعادلات واللوغريتمات، رغم أن آيات “سبع سنابل” وآيات “النور” ثبُت إعجازها الرياضي والفيزيائي. فقد درسنا في مراحل البكالوريا العلمية، في زمن التحصيل الرياضي الجميل في الثانوية، من كتب “بورداس وآبي سي” العالمية، فكانت تقدم لنا التمارين الفيزيائية والكيميائية والرياضية المعقدة، وتريحنا بين صفحة وأخرى، برسومات كاريكاتورية ضاحكة للترويح عن النفس، من دون أن تتدخل “رمعونات” الدول الأوروبية، وتحذف صورا كاركاتورية من كتب علمية، بينما رأت “رمعوننا” أن آية قرآنية ستفسد معادلات علمية، تخرّج الأطباء المهندسين، وهي تعلم و”الطائفة” التي تنصحها تعلم أيضا، بأن المقررات الدراسية الحالية فيها الكثير من الخلل، بدليل ما تمنحنا المدرسة الجزائرية من منتوج في السنوات الأخيرة.

هناك قناعة مخفية ولكنها تظهر أحيانا للعلن، في شكل أفعال، تتوهّم أن الضياع الذي تعرفه المدرسة الجزائرية وامتدّ إلى الجامعات، إنما حدث بسبب الثوب العربي والإسلامي للمدرسة الجزائرية، وهو ما جعل البعض في دواليب السلطة وحتى من الشعب، يسعى لأجل فرنسة وتغريب التعليم عن قناعة، رغم أن غالبية الشُعَب التي مازالت تُدرّس باللغة الفرنسية واللغات الأجنبية، تعرف نفس الانهيار، ولكن أن تتحول هذه القناعات إلى ما يشبه “الاستفزاز” فذاك الذي يجرّ المجتمع إلى حلقة فارغة، وسيجعل أساتذة التربية الإسلامية الذين ثبُت سوء أدائهم منشغلين بوجودهم ومصيرهم، وليس بضرورة تطوير كفاءاتهم وقدراتهم الفكرية والبيداغوجية، ويجعل الرافضين لإقحام آيات القرآن الكريم  في مقررات الرياضيات والفيزياء واللغة الفرنسية كمن قال على لسانهم القرآن الكريم: “ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا”.

مقالات ذات صلة