لعبٌ بالنار في عين صالح
المتتبِّع للتطورات المتلاحقة في عين صالح منذ بداية الحركة الاحتجاجية في أوائل جانفي الماضي إلى الآن، يستنتج أن ما حدث في الأيام الأخيرة من مواجهات عنيفة وسقوطٍ لعشرات الجرحى، كان نتيجة حتمية لتعنّت السلطة وإصرارها على تمرير مشاريعها وقراراتها مهما كان الثمن.
أهلُنا في عين صالح والجنوب كله لم يطالبوا بالمستحيل، بل طالبوا فقط بإيقاف مشروع الغاز الصخري الذي يهدد مخزونهم المائي الهائل بالتلوّث والاستنزاف؛ فالمعروف أن هناك “بحراً” من المياه الجوفية بالصحراء يصل مخزونه إلى قرابة 60 ألف مليار متر مكعّب، واستنزافُه في عمليات التكسير المائي للصخور أو تسرّب المواد الكيماوية إليه وتلويثه، يعني انتهاء الحياة عمليا في صحرائنا الشاسعة، وهذا الأمر بمثابة “خطّ أحمر” لأهلنا في الجنوب، لكن السلطة تبدي إصراراً شديداً على استغلال الغاز الصخري وعدم الاكتراث برفضهم، والمراهنة على عامل الوقت، وكذا ترقية بعض مناطق الجنوب إلى ولايات منتَدبة وتوزيع أراض فلاحية على شباب الجنوب، لتليين موقفهم ودفعهم إلى قبول الأمر الواقع، فكانت النتيجة نفاد صبر السكان وانتقالهم إلى مهاجمة الشركات الأجنبية وهم يرونها تنقل عتادا جديدا إلى المنطقة لاستكشاف آبار جديدة.
المخيف أن الأزمة دخلت منذ أيام شهرها الثالث، وهي مرشحة للتصعيد أكثر إذا لم تتراجع السلطة عن مشروعها، والمشكلة أن السلطة تعتبر مخزون الغاز الصخري (20 ألف مليار مكعب)، بمثابة “هبة من الله” ويجب استغلالُها، وهذا المخزون يسيل لعاب الشركات الغربية ولاسيما الأمريكية والفرنسية، وأهلنا في الجنوب يعتبرون أيضاً مخزونهم المائي الهائل “هبة من الله” لا يمكنهم التفريط فيها، ما يجعل احتمالات التصعيد والمواجهة والتعفين أكثر من احتمالات إيجاد حلّ سعيد للقضية.
وما يدفع إلى الاعتقاد بإمكانية التصعيد والتعفين أن السلطة المسكونة بـ“نظرية المؤامرة” لاتزال مصرّة على اتهام “أياد أجنبية؟” بالوقوف وراء الأحداث في عين صالح، وكذا اتهام المعارضة بـ“صبّ الزيت على النار“، وهي اتهاماتٌ ممجوجة تعبّر عن استحكام لغة الخشب فيها، وإلا لماذا لم تكشف للشعب هوية هذه “الأيادي الأجنبية” المزعومة التي تستخدمها كل مرة كفزاعة؟ ثم إن من حق المعارضة أن تقف مع المطالب العادلة والشرعية للجزائريين حيثما كانوا، وأن تدافع عنها، وهذا ما يعزّز اللحمة الوطنية والتضامن بين الشمال وأهلنا في الجنوب، وليس من حق السلطة كيل الاتهامات المجانية لها.
لقد أثبتت طريقة تعاطي السلطة مع احتجاجات أهلنا في عين صالح والجنوب منذ أكثر من شهرين، أنها لاتزال تفكّر بذهنية أحادية تسلطية قمعية مليئة بالاحتقار للشعب ومطالبه العادلة، وهي مصرّة على تنفيذ قراراتها ومشاريعها بالقوة ومهما كان الثمن، مع أن الثمن هذه المرة قد يكون غالياً جدا في ظل إصرار السكان على الرفض القطعي لمشروع الغاز الصخري.
هذا المشروع بدأ يتحول إلى فتنةٍ تهدد أمن البلد واستقراره ووحدته، والسلطة مطالبة بالتراجع عن مشروعها الخطير حفاظاً على وحدة البلد، عوض أن تكتفي باتّهام “جهات أجنبية” وكذا المعارضة بتهديدها، وقديماً قال المثل “رمتني بدائها وانسلّت“.