الرأي

لغة “الباطيما” و”كرازاتو طوموبيل”!

حسين لقرع
  • 5107
  • 0

منذ عقودٍ طويلة، سُئل الأديب العربي الشهير عباس محمود العقاد عن سرّ تشبّثه باستعمال فصحى رفيعة في مؤلفاته، ورفضه تبسيط لغته للناس، فأجاب: لا أريد أن تكون كتبي مِروحة للكسالى النائمين.

أما لويزة حنون فيبدو أنها تريد أن تجعل أقسام السنتين الأولى والثانية مراقدَ للكسالى النائمين، إذ دعت ضمنيا إلى استعمال لغة “الباطيما” عوض “العِمارة” بذريعة أنها لاحظت حينما كانت تدرّس في الابتدائي مدة عامين، أن التلاميذ يفهمون الكلمة الأولى ولا يفهمون الثانية.

حنّون دافعت بشراسة عن الوزيرة بن غبريط، واعتبرت الانتقادات الموجّهة ضدها “حملة مخزية” مع أن دفاعها هي عن “لغة الباطيما” هو الخزيُ والعار بعينه؛ فهل يُعقل أن ننزل بأطفالنا إلى تداول لغة الشارع في المدرسة بحجة “التدرّج في تعليمه العربية”، عوض أن نرتقي بهم منذ البداية كما تفعل الأمم الأخرى؟ هل تسمح فرنسا باستعمال لهجاتها الكثيرة لتلاميذها بذريعة تعليمهم اللغة الفرنسية بالتدريج؟ هل تفعل بريطانيا أو ألمانيا ذلك مع لهجاتها ولغاتها؟

الواضح أن الأقلية الفرنكو علمانية التي أبتلينا بها، قد استحكمت فيها عقدة اسمها اللغة العربية، وهي تريد القضاء عليها بأيّ طريقة لبسط هيمنة الفرنسية واللهجات الهجينة القريبة منها؛ فبعد أن نجحت هذه الأقلية في وأد قانون تعميم استعمال اللغة العربية، واستطاعت فرْنسة المحيط بشكلٍ لم تنجح فيه حتى فرنسا نفسها طيلة قرن وثلث قرن من الاحتلال، هاهي تريد الآن القضاء على العربية في المدرسة لاستكمال مخططها القديم والإجهاز على العربية تماماً من خلال تجهيل الأجيال الجديدة بها.

لقد حزّ في نفوس هؤلاء الحاقدين على عناصر هويتنا أن يروا الملايين من أطفال الجزائر وهم يرددون جملاً بالعربية الفصيحة في الشوارع والساحات، ويتخرّجون بالعربية، ويتمسّكون بها، ويُقبلون على تعلّم الإنجليزية أكثر من الفرنسية حتى في المدارس الخاصة للتواصل مع العالم بشكل أفضل، فجُنّ جنونُهم وآلوا على أنفسهم أن يقضوا على العربية بأي وسيلة، فاهتدوا إلى هذه الفكرة الجهنمية وهي إغراقها بلهجاتٍ محلية هجينة، أكثر كلماتها نابعة من الفرنسية.

ويبدو أن جماعة الزيغ والغبْرَطة يريدون تعويم العربية بلغة “الباطيما” و”كرازاتو طوموبيل”… وتلويث ألسنة التلاميذ بهذه اللغة الهجينة، وهي أحبّ إليهم من لغة الزوايا والكتاتيب القرآنية التي أضحوا يهاجمونها ويفترون عليها من دون حياء، وعلى طريقة “كذابُ ربيعة أحبّ إلينا من صادق مُضَر” أي إن مسيلمة الكذاب أحبُّ إلى المرتدين الذين أخذتهم العزة بالإثم من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إننا إزاء رِدّةٍ لغوية خطيرة ستضرب العربية في العمق، وستظهر آثارُها الكارثية قريباً إذا وجدت طريقها إلى التطبيق، ولا نستغرب أن تختلط الأمور على أطفالنا فنسمعهم يوماً يقولون: “هذه باطيمة ٌ” عوض “هذه عِمارة” وأن تعدّ الأقلية الفرنكفونية في الجزائر هذه العبارة الهجينة “صحيحة” وتكافئ عليها قائلها بالنجاح والجوائز.. ولا نستغرب أن تحلّ يوماً “مؤلفاتُ” مليكة قريفو، وهي “كتبٌ” مليئة بالعامّية وضعتْها منذ سنوات عديدة كمشروع “كتب قراءة” لتلاميذ الابتدائي، محلّ الكتب الفصيحة الحالية الموجودة بمدارسنا.

هذا زمن بن غبريط وبرّمضان وحنون وقريفو… وغيرهم، وليس زمن العقاد والعربية الجميلة التي تُضطهد في عقر دارها ولا نصيرَ إليها. 

مقالات ذات صلة