الرأي

لغة السياسة الجديدة.. حيّرت العلم والعالم!!

محمد سليم قلالة
  • 3388
  • 8

ابتكرت الحضارة الإغريقوـ رومانية عدة مصطلحات في علم السياسة كالديمقراطية (حكم الشعب) والأرستقراطية (حكم الأقلية لصالح الأغلبية) والأوليغارشية (حكم الأقلية ضد مصالح الأغلبية) والتيموقراطية (حكم الفرد الواحد) والحكم المختلط بين الديمقراطية والأرستقراطية أو الحكم الدستوري كما سماه أرسطو… والثيوقراطية (الحكم نيابة عن الله)… الخ، ومازلنا لحد الآن نستخدم هذه المصطلحات بطريقة أو بأخرى، نتفق معها أو لا نتفق…

وابتكرت الحضارة الإسلامية من جهتها مصطلحاتها في هذا الحقل السياسي كالبيعة (مبايعة أهل الاختيار لأهل الحل والعقد)، والشورى (وشاورهم في الأمر) بالنص القرآني، والخلافة (من أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى آخر خليفة في الدولة العثمانية السلطان عبد الحميد) والإمامة (التي ارتبطت أكثر بالإمام علي كرم الله وجهه وفقه آل البيت) والإمارة (بدءا من إمارة الجند إلى إمارات ملوك الطوائف بالأندلس) والملكية الوراثية (من معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه إلى آخر ملوك الزمان في القرن الحادي والعشرين)… ومازلنا لحد اليوم نتداول هذه المصطلحات أحيانا بشيء من الحنين إلى الماضي، وأخرى بنوع من المحاولة لتجديد الفكر الإسلامي…

وبغض النظر عمّا إذا كنا من أنصار هذا المصطلح أو ذاك، هذا المنهج أو ذاك، هذه الحضارة أو تلك فإننا عندما نستخدم مصطلحاتها نعبر عن نوع من الانتماء الفكري أو الحضاري، عن مستوى معين من الإدراك للواقع الذي نعيش أو عن تطلعنا لواقع آخر نرغب فيه.. ولا مشكلة في ذلك.. 

المشكلة تبدأ عندما يصل المجتمع إلى حالة من اللإنتماء الحضاري، اللاّتوازن في الإدراك، إلى استخدام مصطلحات تعبر عن حقيقة الاضطراب الذي أصبح يعيشه، والقلق الذي يحكمه. 

ماذا يعني أن يتم تداول مصطلحات مثل “التزويروقراطية” (الحكم بواسطة التزوير) أو”الجُملُكية” (الجمهوريات التي يتم تسييرها كالملكيات) أو (الاستبداد التشاركي) كما عبّر لي عن ذلك أحد الزملاء، ناهيك عن استخدام عبارات مثل “الكلامولوجيا” أو”الهرفولوجيا” أي الحكم بواسطة التهريج بالكلام و”الهرف” الذي لا يحمل أي معنى…

 

هذا المستوى من الانحطاط في التعبير السياسي لعله يجعلنا نفكر إما  في إعادة النظر في تدريس المدخل لعلم السياسة أو الفكر السياسي في بلادنا، بل ربما في كل العلوم السياسية، أو إعادة الأمور لنصابها بأن تصبح الديمقراطية ديمقراطية والشورى شورى والحكم حكما…الخ لعلّ الأمور تستقيم، وتلك مسؤولية المجتمع وتلك هي مساحة الأمل المتبقية لدينا لعلنا ننسى ذات يوم بأننا عرفنا لغة سياسة هابطة… بلا شك حيّرت العلم ودوّخت العالم… 

مقالات ذات صلة