الرأي

لماذا أُلغيت وزارة الاستشراف؟

محمد سليم قلالة
  • 9376
  • 17

في سنة 2009 التقيت مع أحد كبار الاستشرافيين في فرنسا “ميشيل غوديه” Michel Godet الذي تَرجمتُ له إلى العربية فيما بعد كتابه الموسوم: الاستشراف الاستراتيجي للمؤسات والأقاليم (متوفر مجانا على الشبكة) وطبعته منظمة اليونسكو. كنت أقوم بزيارة علمية لمخبر “ليبسور” Lipsor حول الاستشراف، طاف بنا الحديث عن الجزائر. قال محدثي: ما الذي جعلكم لا تهتمون بالاستشراف الاستراتيجي مثلما كنتم عليه من قبل؟ فذكرت له بأني قد بدأت أولى الخطوات لتأسيس مركز مستقل للاستشراف، وهناك محاولات أخرى في الجزائر لإيلاء الموضوع أهمية خاصة… قاطعني مذكرا بقصة حدثت له في منتصف السبعينيات، قال: في تلك الفترة زرت مع وفد علمي الجزائر بطلب من الرئيس هواري بومدين لنُطلع المسؤولين الجزائريين حول إمكانية القيام بدراسة استشرافية عن الجزائر سنة 2000. سألته وهل قام الفريق بمثل هذه الدراسة؟ أجاب: نعم ويمكنكم البحث عنها في أرشيفكم.

بحثت عنها ولم أستطع، ولا غرابة في ذلك، إذا كنا اليوم لا نجد وزارة بأكملها. إلا أن الملاحظة التي قدمها لي بأن الجزائر كانت في السبعينات تفكر في مستقبلها بعد 25 سنة، تركتني أطرح أكثر من سؤال:

هل قيادة السبعينيات كانت أكثر اهتماما من قيادة اليوم بمستقبل الجزائر؟

هل كانت لقيادة السبعينيات إمكانيات وقدرة مالية أكبر من قيادة اليوم لتتطلع إلى مستقبل الجزائر بعد ربع قرن؟

هل كان الاستشراف في السبعينيات أكثر تطورا مما هو عليه اليوم؟

هل كانت للجزائر في السبعينيات كفاءات علمية في الاستشراف مثلما تمتلك اليوم؟

لأصل في الأخير إلى طرح السؤال المحير التالي:

ما الذي جعل الحكومة الحالية تلغي كتابة دولة (كانت فيما قبل وزارة) كان يمكنها أن تكون إضافة نوعية للدولة الجزائرية؟

هل المسألة لها علاقة بالإمكانيات والقدرات أم بعدم إدراك أهمية المستقبل في بناء الدولة وطغيان مشكلات الحاضر وقضايا الساعة على تفكير صانعي السياسية والاستراتيجيين؟

الرئيس الراحل هواري بومدين، اتفقنا معه أو اختلفنا، كان يمتلك رؤية للجزائر، كانت لديه هِمّة. كان يحب شعبه، ويريد للجزائر أن تكون قوة إقليمية… ولعل ذلك ما جعل “ميشيل غودي” يستغرب من حال الاستشراف لدينا يوم زرته، ولعله سيستغرب أكثر اليوم. كما نستغرب جميعا من كوننا لا نعلم أن عدم الاهتمام بوزارة الاستشراف يعني عدم الاهتمام بالمستقبل الذي سنعيش فيه ما بقي من حياتنا والأكثر من ذلك ما سيعيش شباننا فيه كل حياتهم، لأنهم لم يبدؤوها بعد…

 

  إن دلالات إلغاء مثل هذه الوزارة أكبر مما نتصور…

مقالات ذات صلة