لماذا شكر المصريون الجميع… إلا الجزائر؟
تواصل أمس المنتدى الاقتصادي في شرم الشيخ، الذي أخذ عنوانا كبيرا لصالح مستقبل مصر، وحضره المئات من الرؤساء ومن رجالات المال والأعمال، وتحوّل في بعض فصوله إلى عطاءات بملايير الدولارات، ستنعش الاقتصاد المصري بالتأكيد. وكانت ابتسامات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وهو يستمع إلى أرقام المساعدات “المليارية” العُمانية والكويتية والسعودية والإماراتية تؤكد بأن مصر قد حققت هدفها بالكامل من هذا الملتقى الاقتصادي، وهذا من حقها طبعا.
لكن الملاحظة التي حزّت في النفس هي المشاركة القوية للجزائر في هذا الملتقى والكلمة الطويلة والقوية والدسمة التي تفضل بها الوزير الأول، عبد المالك سلال، الذي أمضى معنويا وماديا على بياض، لأجل مساعدة مصر، من خلال منح الكثير من فرص الاستثمار للمؤسسات المصرية، ضمن تعاون أو “حبّ” من طرف واحد طبعا. ومع ذلك، تجاهل المصريون هذه “الوقفة” حتى من خلال إعلامهم الثقيل والخفيف. فكانت حال عبد المالك سلال، كمن أدى واجبه من دون منّ ولا شكور. وهو الذي سهر منذ بضعة أسابيع على مراجعة إحدى عشرة اتفاقية، مع مصر، تركزت على تنمية الصادرات المصرية للجزائر. وخصصت الفضائيات المصرية الرسمية مساحة زمنية شاسعة لأجل شكر الدول الخليجية والأردن وحتى قبرص وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، وسعت إلى ترجمة خطابات ألقيت باللغات الإنجليزية والفرنسية والإسبانية في هذا الملتقي، ولم تقدم ولو ومضة من خطاب الوزير الأول، عبد المالك سلال. وفي القاهرة، أقامت جمعيات مصرية، بدعم من الدولة، مهرجانات كبيرة أسمت بعضها “شكرا للإمارات” و”شكرا للكويت”، ونشطها إعلاميون وفنانون وساسة، ذكروا البلدان التي تستحق الشكر، فسمّوا حتى السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس، ولا أحد أخطأ، وذكر اسم الجزائر.
سنكون مخطئين بالتأكيد، لو عاتبنا المصريين على تجاهلهم شكر الجزائر، وسنكون “مذنبين” في حق الإعلام وفي حق الفن، لو انتظرنا كلمة طيبة من أفواه لا تقول إلا بأمر أو بثمن، ولكننا لا نفهم إن كانت الديبلوماسية والعلاقات مع الدول، هي أن تعطي بيمينك ما لا تعلمه شمالك، فما بالك أن يعلم الطرف الآخر، ومن المضحك أيضا أن يقول رجل سياسي جزائري “كبير” إن الجزائر كانت دائما السباقة لمساعدة الأشقاء في صمت، من دون انتظار شكر من أيّ كان.
لقد عرف الجزائريون بالصدفة منذ سنتين خلتا، بأن بلادهم، قدّمت أكثر من تسعمائة مليون دولار، إلى أربعة عشر بلدا إفريقيا، وعلموا بالصدفة أن الجزائر قد قرّرت مسح هاته الديون من دون استشارة شعبها ومن دون طلب هاته البلدان، وعلموا أيضا، ولكن من دون صدفة، بأن لا أحد من هاته البلدان، قدم شكرا ولو عابرا للجزائر، من سيشل أو موزمبيق أو إثيوبيا، ما عدا تصفيقا حارا، تلقاه السيد عمار بلاني، الناطق باسم الخارجية الجزائرية عندما زفّ الخبر، خلال الاحتفال بالذكرى الخمسينية لتأسيس منظمة الوحدة الإفريقية التي لا وحدة فيها.
وعرف الجزائريون بالصدفة أن بلادهم، قدمت نصف مليار دولار للنظام في العراق، الذي يسيّر أمواله الموالون لأمريكا ولإيران، وعرفوا بالصدفة أن بلادهم، مسحت هذا الدين، الذي تحتاجه الآن بعد انهيار أسعار النفط، وعلموا أيضا، ولكن من دون صدفة أنه لا العراق ولا الولايات المتحدة الأمريكية ولا إيران قدّموا شكرا عابرا للجزائر، إن لم يكونوا علموا أصلا بمسح الدين.
هل فهمتم الآن، لماذا شكرت مصر، بساستها ورجال أعمالها وإعلامها الدول الخليجية والأردن وقبرص والبرازيل وتشاد وفرنسا وبريطانيا وليبيا وأوغندا… وتجاهلت الجزائر؟