جواهر
وجهات نظر

لماذا لا يعتذر الرجل؟!

نادية شريف
  • 10185
  • 17
ح.م

لربما السؤال الذي يحير المرأة دوما ويجعلها تبحث عن إجابة واضحة له بلا ملل هو: لماذا لا يعتذر الرجل؟ لماذا ينتهي جدالها العقيم معه دوما إلى صمت مطبق أو ثورة عارمة ولا يتراجع عن موقفه حتى وإن كان مخطئا في حقها ومبالغا في ردة فعله معها؟ لماذا لا يراضيها بكلمة واحدة تجبر كسر خاطرها؟ هل تسقط السماء على الأرض مثلا إن قال: “آسف حبيبتي” أو “عذرا”؟
يقول البعض أن الرجل لا يعتذر لأنه يرى في ذلك انتقاصا لهيبته ومساسا برجولته، فهو حتى وإن شعر بحجم خطئه وبتأنيب ضميره، يضل متمسكا بعناده ولا يظهر لشريكة حياته بأنه نادم على فظاظته وقسوته، ثم إنه يطوي الصفحة مباشرة دون وضع نقطة للنهاية، في حين تبقى هي تعضّ على شفاهها وأصابعها غيظا وألما لعدم حصولها على الجملة الشافية التي تنهي معاناتها..
هذا ويقول آخرون، ومنهم أخصائيون بأن الرجل يعتذر بطريقته ولا يمكن للمرأة أن تلومه في ذلك لأنه لم ولن يكون مثلها، وعليها أن تراعي طبيعة الاختلاف بينهما كي لا تخسر شريك حياتها..
هم يرون بأن اعتذاره يتجلى مثلا، حين يندم على تصرف خاطئ ويعود بعدها للحديث معها بابتسامة عريضة وكأن شيئا لم يكن، أو حين يجلب لها هدية دون مناسبة بعد خلاف كان قد حصل، أو حين يمدحها ويفرط في الغزل أو يطلب منها تجاوز الأمر وطي صفحة المشكل وما إلى ذلك من الالتفاتات الجميلة والتصرفات غير الاعتيادية التي من المفروض أن تنتبه لها وتقدرها وتعي معناها العميق..
وأينما كانت الحقيقة، فرجال الدين يقولون بأنه يتوجب على المخطئ المسارعة في الاعتذار وخصوصا المرأة، لما تلعبه من دور كبير في إنهاء أي خلاف حتى لو كان في الأمر بعض الإيذاء لها، فالرجل في ثورة غضبه ربما لا يمكنه التنازل أو الرجوع للخلف بينما يمكن للمرأة ذلك وبعدها سيعود الرجل أفضل مما كان، أما دليلهم على ذلك فهو قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِنِسَائِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْوَدُودُ، الْوَلُودُ، الْعَؤُودُ عَلَى زَوْجِهَا، الَّتِي إِذَا آذَتْ، أَوْ أُوذِيَتْ، جَاءَتْ حَتَّى تَأْخُذَ بيد زَوْجِهَا، ثُمَّ تَقُولُ وَاللَّهِ لَا أَذُوقُ غُمْضًا حَتَّى تَرْضَى”.
وببحثنا في سيرته العطرة وجدنا بأنه كان قد اعتذر صلى الله عليه وسلم من زوجته صفية رضي الله عنها ليس لخطأ ارتكبه في حقها، إنما تطييباً لخاطرها وإيناساً لها مما قد يقع في نفسها من غزو النبي صلى الله عليه وسلم لقومها في غزوة خيبر.. أبعد هذا لا زال البعض يظنّ بأن اعتذاره لزوجته فيه نقص لهيبة رجولته؟! وهل من رجل أعظم وأجلّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي خاطب زوجته في حنان دافق ورحمة بالغة وعطف منقطع النظير: “أما إني أعتذر إليك يا صفيّة”، وقد روت هي ذلك بنفسها، فعن صفية بنت حيي رضي الله عنها تقول: ما رأيت أحدا أحسن خلقا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقد رأيته وقد ركب بي من خيبر على عجز ناقته ليلاً فجعلت أنعس فيضرب رأسي مؤخرة الرحل فيمسّني بيده، ويقول: “يا هذه مهلا يا بنت حيي مهلاً” حتى إذا جاء الصهباء قال: “أما إني أعتذر إليك يا صفية مما صنعت بقومك إنهم قالوا لي كذا وقالو لي كذا”.

مقالات ذات صلة