الرأي

لماذا نرفض الاعتدال؟

محمد سليم قلالة
  • 731
  • 6
ح.م

غالبا ما تَشُدُّنا إليها العبارات المثيرة، والتصريحات الحادة، وما نعتبره جرأة في الطرح، وما إلى ذلك من المواقف التي تُضاد بعضها البعض إلى حد التناحر والصراع والحرب الحقيقية أحيانا بين هؤلاء وهؤلاء… نادرا ما شَدَّنا إليه رأي الحكمة والاعتدال والهدوء والابتعاد عن حلبات الصراع ورفض منطق الحرب من أي كان.

بعبارة أخرى، وكأننا في عمقنا نرفض الاعتدال والوسطية ومنطق الحكمة، وننساق بكل سهولة أمام المواقف الحادة من أي طرف كان، حتى كدنا نعتبر ما دونها “جبنا” و”نفاقا” وتَوَليا عن تحمل المسؤوليات وتَخلُفا عن البحث عن الحلول الحقيقية للمشكلات.. فهل هذه حال سليمة؟ هل غَلبة هذا التوجُّه بيننا إشارة أمل ينبغي التمسك بها، أم عنوان يأس ينبغي أن نتجاوزه إلى ما هو أفضل؟

يبدو لي أنه علينا أن نُراجع أنفسنا فيما يبدو من حدَّة في المواقف وعلى كافة المستويات، وأن نُدرِك أن حديثنا عن التغيير الجذري أو الكلي أو الكامل، إنما هو مُنافٍ لحقيقة مفهوم الإصلاح الذي يعطي التغيير معناه الإيجابي ومجراه التدُّرجي في الحفاظ على ما هو إيجابي في الوضع القائم وتغيير ما هو سلبي.. بل علينا أن ندرك أنه حتى الثورات الكبرى في أحسن الأحوال قامت بنقل الناس من وضع سيِّئ إلى وضع أفضل منه، وفي بعض الأحيان أدَّت بهم إلى ما هو أسوأ منه خاصة عند مصادرتها من قبل من خانوها، أو تحريفها عن مسارها من قبل أعدائها، وهو ما كان يحدث ومازال في أغلب الأحيان.

لذا، علينا أن نَزن العبارات التي نطلقها بهدوء، وبدل أن نرفع شعارا برّاقا لا نُدرك تبعاته كـ”التغيير الجذري”، علينا أن نُدافع على أهداف أكثر واقعية، كالتحسين نحو الأفضل، والاقتناع بأنه لا يوجد واقعٌ كله سيء أو كله حسن، وأنه علينا أن نُساهم بالقدر الذي نستطيع في تحسين المُناخ العام حيث نعيش، وفي تنقيته من مظاهر الفساد والسلوك السلبي، واستبداله بما هو إيجابي وقادر على تقديم الأفضل.. ذلك أنه ليس بيننا معصوم، وليس بيننا من ليس لديه إسهام في الوضع القائم، إيجابا أو سلبا.. كلنا مسؤولون بدرجات متفاوتة عما نحن فيه أو عليه، وعلينا أن نتحمَّل المسؤولية، وأن نتصرَّف وفق درجة المسؤولية التي نتحمَّلها.

ليس من مصلحتنا أبدا أن نساير الخطاب الحاد، أو ما يُعرف بالدعوة إلى “التغيير الجذري”، ذلك أن اقتلاع أي شيء من جذوره يعني موته، وموته يعني إطلاق رصاصة الرحمة عليه، وعلينا ألا نُخيف بعضنا البعض وألاَّ يُهدِّد أحدُنا الآخر بإطلاق رصاصة الرحمة عليه.. إننا نريد للأمل أن يعيش في هذا البلد، لا لليأس أن يجد مكانا بين ربوعه.

مقالات ذات صلة