الرأي

لنفتخر بالحاضر وبلماضي

عمار يزلي
  • 853
  • 3
ح.م

التتويج التاريخي للمنتخب الجزائري وفوزه بالكأس الإفريقية الثانية له، دفع بكل الجزائريين إلى انفجار لم يسبق له مثيلٌ في هذه المناسبات، وربما حتى مناسبات أخرى. إنه جزءٌ من الهبَّة الشعبية التي عرفتها الجزائر منذ 22 فبراير، بل هي ثمرة لهذا الحَراك الشعبي الذي أسقط العصابة التي أفسدت الحرث والنسل والرياضة.

ما يمثله اليوم بلماضي وفريقُه ليس مجرد رمز وإيقونة، بل تاريخ الجزائر بأكمله. إنها عودة للروح الجزائرية المكبوتة والمهمَّشة المهشَّمة، الضائعة منذ سنوات طويلة بين أيدي حكام سياسيين فاشلين في كل شيء.. إلا في الفساد..

كنا قد قلنا قبل اليوم في هذا الركن، إن كرة القدم هي أكثر الألعاب ديمقراطية، لكون الشعب هو من يحتضنها حتى ولو كان رجال المال هم من يجنون أرباحها ككل مؤسسة تجارية في النظام الرأسمالي. إنما نحن، لم تكن عندنا ديمقراطية حتى يكون المنتخب ديمقراطيا. لكن لمَّا آلت الآلة إلى رجل محترف، صار الفريق يُسيَّر باحترافيةٍ عالية. كان بإمكان المدرِّب وفق دفتر الشروط أن يُدفع إلى الاستقالة أو أن يتنحى لو استمرت العصابة في الحكم، لأنه كان سيرفض التدخُّل في مهامه مهما كلَّفه ذلك من ثمن؛ فهو ليس من طينة من يتمسَّكون بالمنصب مهما طُلب منه المغادرة. الحَراك الشعبي، أعطى قوة نفس للمدرِّب وللفريق ككل، لقد تنفس بلماضي الصعداء من وهج الحَراك الذي استلهم منه القوة والتصدي والصمود والروح الوطنية وأبقى على فريق وطني متجانس لأنه أخرجه من دائرة الجدال السياسي وكيف كان يقول إنه رياضيٌّ ومحترف ولا يتدخل في السياسية، بل وأن الفريق الوطني لم يخرج في مظاهراتٍ تحت أي شعار أو تحت أي راية غير وطنية أو حزبية أو فئوية.. الرياضيون هم الفئة ربما الوحيدة التي لم تخرج في الحَراك كفئة.

هذا التمترس خلف المهنية الصرفة والحِرفية المنضبطة، والتحلي بالمسؤولية والتفاني، والروح القتالية العالية المستمدَّة من لهيب حب الشعب لفريقه ولانتصار ولذة وطعم فرحةٍ نسيناها منذ مونديال 2014، نحن الشعب الفخور بتاريخه وبوطنه وبأمته، الشعب الذي كان مفخرة الشعوب، قبل أن نصبح محلّ ازدراء ومهانة مع حكم العصابة التي حكمتنا بالكادر المعلق.. المأساة الجزائرية.

هذا من ذاك، وهو ما يفسر تلك الفرحة العارمة، بل منقطعة النظير للشعب الذي تابع وخرج لاستقبال الأبطال وبات ساهرا أكثر من ليلة فرحا بانتصارات كان يحلم بها. إنها أحلام اليقظة.. حلمٌ جميل بعد كوابيس دامية وأخرى سوداوية عكَّرت علينا النفس والعيش ومررت لشعبنا وشبابنا فكرة العيش في هذا البلد، فلم يتحمل المهانة ولا المذلة ولا التهميش ولا القهر المادي والمعنوي، ففكر وقدَّر أن الحرقة هي الحل ولو كان الموت دونها.. هذا الشعب من طينة رجال الماضي هو الآن يتقمص هذا الماضي في بلماضي من أجل الحاضر بل من أجل المستقبل.

كما عبّر الجزائريون عن فرحتهم من خلال إبداعات قلَّ نظيرُها على روابط التواصل الاجتماعي.. فكاهة وسخرية وتعاليق ومنشورات مثيرة للاستغراب… أكلّ هذا من هذا الشعب الذي لا يضحك كما قال عنا إخوتنا المصريون والمشارقة بشكل عام بعد الاستقلال؟ على العكس، إن الفكاهة عنده والتحدي أصبحا متلازمتين، وقد أبهر الشعب الجزائري العالم بأكمله في سلميته وفي شعاراته التي كان ولا يزال يحملها منذ جمعة 22 فبراير، وزادت الملحمة التحاما مع الفوز المستحق لفريق بلماضي بالكحلوشة.. بعد 29 سنة من التغييب القسري والانتظار الحصري.

مقالات ذات صلة