جواهر
الصحفية المصرية أسماء الخطيب في حوار لـ "جواهر الشروق"

لهذا السبب أحيلت أوراقي على المفتي؟!

سمية سعادة
  • 6365
  • 14
ح.م

قبل نحو أسبوع، حلت الذكرى الخامسة لمجزرة رابعة العدوية في القاهرة التي سقط فيها مئات القتلى من المعتصمين الذين كانوا يرابطون في الميدان لأكثر من شهر احتجاجا على عزل الرئيس محمد مرسي.
ولم يكن الناجين من المذبحة، أكثر حظا من القتلى لأن السلطات المصرية قامت بمتابعتهم قضائيا وأودعتهم المعتقلات والسجون وحكمت على الكثير منهم بالإعدام.
وأسماء الخطيب، مراسلة شبكة رصد، هي أول صحفية أحيلت أوراقها على المفتي وحكم عليها بالإعدام غيابيا في قضية ما يسمى بـ”التخابر مع قطر”، وهو الحكم الذي جعلها تعيش في حالة من القلق والحزن رغم أنها تتواجد حاليا في إسطنبول .
وفي هذا الحوار الذي خصت به “جواهر الشروق” تستذكر أسماء مشاهد مروعة حدثت أمام عينيها في رابعة وكان يمكن أن تفقد فيها حياتها في لحظة من اللحظات.

لماذا تم تصنيفك مع المتهمين الذين وجهت لهم تهمة التخابر مع قطر؟

تم تصنيفي كمتهمة في القضية بسبب عملي الصحفي، خاصة في صحف وجهات إعلامية مناهضة لنظام الحكم في مصر سيما عقب الانقلاب العسكري بقيادة الفريق عبد الفتاح السيسي الذي أصبح رئيسا لمصر بعد الانقلاب ومجزرة رابعة العدوية، ووجودي تحديدا ضمن المتهمين، ذلك لأنني كنت أعمل على نشر تسريبات تخص السيسي بغرض فضح أكاذيبه على الشعب المصري وفضح تخطيطه ونواياه في الانقلاب على حكم محمد مرسي، الرئيس الأسبق المنتخب من الشعب في انتخابات حرة نزيهة لم تحدث في مصر من قبل، وبسبب هذه التسريبات، يريد النظام العسكري في مصر الانتقام من كل صحفي عمل ضده وضد مجازره بحق المعارضة، وعمل قضايا وهمية وتلفيقها لنا كصحفيين، لذلك لست الوحيدة المتهمة، والكثير من زملائي الصحفيين يقبعون في المعتقلات والسجون.

ما هو الشعور الذي انتابك عندما علمت بتحويل أوراقك على المفتي في انتظار تنفيذ حكم الإعدام؟

عقب إصدار الحكم ضدي وإحالة أوراقي للمفتي، وعند سماع الجلسة ومشاهدة القاضي وقتها وهو ينطق بالحكم، شعرت بحزن شديد، وألم في صدري لا يمكنني وصفه، أن يتم حرماني من الرجوع لبلدي وأهلي والحكم علي بالموت والإعدام ظلماً وجوراً لأنني أعمل صحفية وأدافع عن الحق وأنصر المظلومين في بلدي، يكون جزائي الموت، وإما أن أعيش حياة طريدة يملؤها الرعب والخوف من أن يتم تسليمي أو القبض علي في أي بلد آخر والبحث عن اللجوء وطلب الحماية والأمان.

علقت على حكم الإعدام بأنك ستشتاقين لـ” سندوتشات الكبدة”؟

عندما كتبت تعليقي الأول عن الحكم ضدي بالإعدام وقلت أنني سأشتاق لسندويتشات”الكبدة”، كان ذلك لسببين، الأول هو تعبيرا مني وتلخيصا لاشتياقي لمصر وشوارعها وطعامها ومطاعمها الجميلة التي كنت أعشقها، وسندويتشات “الكبدة” تحديدا لأنها تعتبر أرخص الوجبات التي تباع في الشارع ويأكلها الموظفين وأصحاب الأعمال الذين يكونون في عجلة من أمرهم دائما فيمرون على عربة “الكبدة” ويأكلون وينطلقون لاستكمال وظائفهم، والسبب الثاني هو رسالة للقاضي الذي حكم علي والنظام الذي ظلمني أنني لا يهمني من أمرهم شيئا وأن يفعلوا ما يحلو لهم، فأنا واثقة أنه سيأتي يوم ونقتص منهم جميعا.

ما هي الظروف التي جعلتك تفرين إلى تركيا قبل صدور الحكم؟

خرجت من مصر قبل فترة من الحكم لأنه تم القبض على عدد من زملائي في شبكة رصد الإخبارية وكنت مهددة بالقبض علي وقتها.

ما صحة الأخبار التي تقول أنك كنت تحوزين على مستندات ووثائق صادرة من جهات سيادية؟

أنا لم يكن معي وثائق أو مستندات تابعة لأي جهة سيادية، وكذلك المتهمين معي في القضية لا أعرف العديد منهم، والذين أعرفهم كانت تربطنا علاقة صداقة أو عمل فقط.

اتصلت بأمك أثناء فض اعتصام رابعة وقلت لها “سامحيني لأنني قد أموت” ما الذي حدث بالضبط في تلك اللحظة؟

عندما اتصلت بأمي يوم فض اعتصام رابعة العدوية، كانت الساعة الخامسة وقتها، كنت في المستشفى الذي يقع خلف مسجد رابعة مباشرة، اكتظ المشفى حينها بمئات المصابين والشهداء ولم يسلم من هجوم قوات الأمن برصاصهم ورشاشاتهم، وقع الكثير من المصابين والقتلى على مداخل المشفى وكنت واقفة على أحد مداخله، حاصرتني رصاص قوات الأمن وانهالت علي من فوق مكتب صغير كنت أختبئ تحته، سقط مصاب بجانبي وثلاث قتلى أمامي، استمر الضرب في هذه اللحظة حوالي ربع ساعة، اتصلت خلالها بأمي وكنت أبكي وقلت لها “سامحيني ربما سأموت الآن”.

تعرضت لطلق ناري في رابعة، كيف حدث هذا؟

لم أصب في أحداث فض رابعة والمجزرة التي حدثت، ولكن أحدهم رآني وأنا داخل المشفى الميداني وهو يحترق وظن أنني أصبت ووصلت الأخبار بذلك.

كيف تصفين اللحظات الأخيرة لصديقتك أسماء البلتاجي ابنة القيادي محمد البلتاجي؟

أسماء البلتاجي صديقتي الصغيرة، آخر يوم رأيتها فيها صباح المجزرة، وكان الهجوم بدأ كثيفا بقنابل الغاز، كانت مع أمها سلمت عليها وطلبت منها أن تنتبه لنفسها وقلت لها أنها جميلة جدا، لم تفارق الابتسامة وجهها، تركتها وذهبت لعملي، عند الساعة الثالثة والنصف عرفت أنها استشهدت، لم أصدق أبدا، حاولت أن أذهب إليها ولكن القناصة كانوا يهاجمون بكثافة أي شخص يحاول الوصول إلى مشفى رابعة، غير أنني نجحت في أن أعبر الشارع ودخلت إليها وكانت فارقت الحياة، ضممتها وبكيت كثيرا وطلبت منها أن تشفع لي لعلها كانت تسمعني وقتها.

ما هي الصور التي علقت بذهنك أثناء فض الاعتصام ولا يمكن أن تنسيها طيلة حياتك؟

يوم المجزرة بكل تفاصيله، وكل ثانية ودقيقة حدثت فيه لم أنساها يومها، أحداثه كلها عالقة بذهني، هجوم الأمن والمصابين والشهداء والجثث المحروقة، ولكن أكثر ثلاث مشاهد مؤثرة في نفسي للغاية وقت أن سمعت مكبرات الصوت التابعة لقوات الأمن وهي تتلوا البيان الذي يبيح قتلنا بتلك البشاعة، صوت هذا المكبر مازال في أذني وعندما سمعته وقتها صرخت كثيرا وحاولت أن أغلق أذني عن سماعه ولكم لم أستطع..
والمشهد الثاني وقت أن رأيت صديقتاي أسماء البلتاجي والصحفية حبيبة أحمد عبد العزيز وهما جثتان، حيث فارقتا الحياة برصاص غادر، كان هناك غضب شديد بداخلي وحزن عميق لا يمكن وصفه وألم وحرقة في القلب على فقدهما.
المشهد الثالث كان الساعة الثانية عقب منتصف الليل، ذهبت إلى مشرحة زينهم ورأيت مئات الجثث أمامها، ثم رجعت الميدان ودخلت المسجد ورأيته محترقا بالكامل وجثث محروقة يحاول أهلهم إخراجها، ثم صباح يوم الخميس بعد المجزرة بيوم في مسجد الإيمان وكانت آخر الجثث المتبقية، ورائحة الدم تملأ المكان.

هل لديك أمل للنجاة من حبل المشنقة الذي نصب لك في مصر؟

نعم، لدي أمل كبير أن يذهب هذا النظام العسكري للجحيم ويكون بعد القصاص والمحاكمة الثورية، لدي أمل يوما ما سينتفض الشعب مرة أخرى حتى لو بعد عشرات السنين.. سيأتي هذا اليوم أنا واثقة من ذلك.. وقتها سأرجع إلى بلدي.

مقالات ذات صلة