جواهر
محامية صدام بشرى الخليل في حوار حصري لـ "جواهر الشروق"

لهذا السبب ذهلت عندما قابلت الرئيس العراقي لأول مرة؟!

سمية سعادة
  • 14513
  • 34
ح.م

كلما حل عيد الأضحى، وجدت الشعوب العربية والإسلامية نفسها في مواجهة قوية مع الذاكرة التي أرغمتها ولا تزال، على أن تربط يوم نحرها للخراف من كل عام، بحبل غليظ ضاقت حلقته حول عنق الرئيس العراقي صدام حسين فأزهقت روحه قبل ساعات من نحر الأضاحي.
ورغم مرور 12 سنة على هذا الحدث الكبير، لا تزال المحامية اللبنانية بشرى الخليل تتذكر التفاصيل الدقيقة التي عاشتها من لحظة إعلانها عن تطوعها للدفاع عن صدام، وإلى غاية وقوفها بمحكمة الدجيل وهي تحاول مع زملائها أن تنتزع رقبته من حبل المشنقة، ولكن المحاكمة كانت “مفصلة على الإعدام” كما قالت بشرى الخليل في الجزء الأول من الحوار الذي أجرته معها “جواهر الشروق” عبر “واتساب”، حيث كشفت فيه الكثير من الأحداث التي سبقت إعدام صدام.

لماذا تطوعت، وأنت المحامية الشيعية، للدفاع عن صدام الذي اتهم بقتل الشيعة؟

بغض النظر عن الصراع بين السنة والشيعة الذي اخترعه الانجليز وجعله الأمريكان تجارة رابحة، صدام لم يكن يوما طائفيا، ولا متعصبا، وكان يقول إنه من سلالة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان معتزا بنسبه إليه، وعندما استشهد عدي وقصي قال صدام، ليس غريبا أن يكونا مثل جدهما الحسين، صحيح أنه كان يوجه العنف نحو أي شخص يشكل تهديدا على النظام برأيه، لكنه لم يقتل الشيعة، كان فقط يريد أن يصنع عراقا قويا، ولكن المشكلة أن المعارضات في الدول العربية لا تقوم من أجل تصحيح مسار النظام، ولكنها بشكل عام تقوم من أجل إزاحة النظام والجلوس مكانه، وبالنسبة للذين كانوا يعارضون نظام صدام كانوا فعلا ينتمون إلى المذهب الشيعي، ولكنهم لم يكونوا يحاربونه مذهبيا، بل كانوا يحاربونه عن طريق الإخوان المسلمين، فاضطر أن يتعاطى بشدة معهم، كما كان يتعامل بنفس الطريقة مع السنة إذا رأى منهم ما يهدد النظام، وأنا كامرأة عربية، ولدت وترعرعت في بيت شيعي عربي يقدس القومية العربية كما هو الحال في كل الجنوب اللبناني، تحمست كثيرا لصدام الذي كان جديا في محاربة الكيان الصهيوني، لذلك ذهبت للوقوف بجانبه عندما استفزني منظره وهو واقع في الأسر، حينها أرسلت رسالة إلى قناة الجزيرة، قلت فيها إن لهذا الرجل جميلان في عنقي، الجميل الأول أنه رفض أن يتنحى عندما عرض عليه الأمريكان هذا الأمر، ولو كان فعل لقدمت الأمة العربية على طبق من ذهب للأمريكان ولكنه حمانا، والجميل الثاني أنه جهز المقامة وأطلق شرارتها التي ستجعل الأمريكان يرتدون على أعقابهم ولذلك ذهبنا ووقفنا إلى جانبه الوقفة الشهيرة التي شهدها العالم كله.

ولماذا كتبت وصيتك قبل الذهاب للدفاع عن صدام؟

لأنني كنت الوحيدة بين فريق الدفاع من لديها صلة سابقة بموضوع العراق، حيث كنت عضوا باللجنة الدولية لرفع الحصار عن العراق التي كانت مؤلفة من نحو 80 شخصية من كل دول العالم، من بينهم رؤساء ووزراء سابقون وشخصيات مرموقة ببلادها، كنت أعرف العراق وأدافع عنه بشراسة، ولكني لم أكن أعرف صدام على المستوى الشخصي.
كان اسمي على القائمة السوداء في العراق من طرف الأمريكان وأزلامه وعملائهم، وحتى أصدقاء النظام العراقي نشروا اسمي على الانترنت كواحدة مطلوب رأسها في العراق، فلما تطوعت للدفاع عن صدام، سألت عن الضمانات الأمنية وعرفت أن الأمريكان هم من سيستقبل هيئة الدفاع ويوفر لها الأمن، وقد أكد لنا رمزي كلارك، أحد محامي صدام، الذي ذهب قبلنا إلى العراق أنه هناك فعلا ضمانات أمنية، وأنا كبشرى الخليل، ابنة عائلة من أكبر العائلات الشيعية في لبنان، فجدي الزعيم الديني لشيعة لبنان، وخالي آية الله العظمى، هذا الوضع الاجتماعي استفز الكثير من الناس في الداخل العراقي، ومنهم الذين اتهموا صدام بقتل الشيعة، تحدثوا مع عائلتي لكي تمنعني من الذهاب إلى العراق وحاولت فعلا ذلك خوفا علي حياتي، ولكنني أصررت رغم أني كنت أعرف أنني سأكون في خطر، وأخفيت الأمر على أمي التي لم تكن لتتحمل وجودي تحت هذه الظروف وأخبرتها أنني سأذهب إلى عمان لحضور اجتماع هناك، وعندما كتبت وصيتي لم أودعها عند إحدى أخواتي حتى لا يخبرن أمي وبالتالي تمنعني من الذهاب، بل تركتها عند صديقتي وقلت لها إذا حدث لي أي شيء سلمي الوصية لأهلي، لأنني توقعت أن أتعرض للاغتيال هناك.
وصلت إلى العراق فوجدت الأمريكان قد أعدوا حسابات خاصة من أجلي، حيث وضعوني في غرفة بمفردي في مكان لا تتواجد فيه إلا عناصر مسلحة من جيش التحالف، بينما أخذوا هيئة الدفاع إلى مكان آخر، فشككت أنهم ينوون لي على نية سيئة، خاصة وأنني معروفة بمواقفي الداعمة للنظام العراقي، وجاؤوا لي بمترجم أردني، ارتحت له خاصة وأن عواطفه نحو صدام كانت قوية، ولكنه جاء في مهمة عمل، كان يترجم لي ما يدور من حديث بيني وبين صديقه الأمريكي الذي جاء معه، وكنت أتكلم وفق قناعاتي دون خوف، وقلت للشاب المترجم إنني لا أشعر بالأمان في هذا المكان، وخاصة أن صديقه الضابط قال لي لا تتحركي من هذه الغرفة فربما رآك أحد من الخارج وأنت شخصية معروفة، حينها تعرضين حياتك للخطر، فقلت للمترجم عليكم إذن أن توفروا لي الحماية الكاملة، يومها قضيت ليلة بيضاء، وحتى عندما وضعت السرير خلف الباب ووضعت عليه بعض الأشياء، لم أتمكن من النوم حتى الصباح.

كيف كان أول لقاء بينك وبين صدام بعد إلقاء القبض عليه؟

كنت أعرف كل القيادة العراقية من خلال عملي في إطار لجنة المتابعة الدولية التي كان يرأسها طارق عزيز، حيث كنت ألتقيه بصفة دائمة، كما كنت أعرف عزت الدوري، وطه ياسين رمضان وعلي حسن المجيد، وكنت أول شخص من لبنان يشكل وفدا ويذهب إلى العراق، كانوا يحترمونني كثيرا لأنهم يعلمون من أي خلفية قدمت، حينها قال طارق عزيز، لقد فتحت ثغرة في الجدار العالي الذي كان بين العراق ولبنان على اعتبار أنه كانت هناك أزمة دبلوماسية بين البلدين في الماضي، كنت أعرف كل القيادة العراقية، إلا صدام حسين لم أكن أعرفه بصفة شخصية، وكان أول لقاء يجمعني به في أول زيارة لي للمحكمة، مع العلم أن الأمريكان عطل ذهابي إلى محكمة 5 أشهر كاملة ولم يتسن لي الالتحاق بمهمتي إلا بعد ضغط كبير مني ومن رغد ابنة صدام، كانوا يمنعونني لأنني أنتمي إلى عائلة شيعية معروفة، والحقيقة أنني استثمرت وضعي الديني في الإعلام لأن التهم الموجهة لصدام تتمثل في أنه رئيس سني قتل أهل الدجيل الشيعة، وهذه التهمة في نظر القانون الدولي لا تسقط بالتقادم، ووجودي في المحكمة كابنة لعائلة شيعية كبيرة أسقط التهمة عن صدام الذي التقينا به قبل يوم واحد من المحاكمة، حيث جيء به إلى منطقة المحكمة، وقضى ليلته في النظارة بالأسفل وسمحوا لنا بمقابلته، وقد طلبوا مني أن لا أسلم عليه بالكف، فصدمت، وقلت لهم لن أضمن ذلك إذا رأيته، ولا أستطيع أن أتنبأ كيف ستكون ردة فعلي تجاهه في اللحظة التي أراه فيها أول مرة، فلا داعي لهذا الشرط، فسألوه إذا كان يسمح لنا بأن نسلم عليه فوافق بكل تأكيد، ولعل هذا الأمر يدخل في إطار حمايته من محاولة اغتياله بالسم أو أي شيء من هذا القبيل، ولكن كان يمكنهم أن يتأكدوا من هذا الأمر وهم يمررونا على ثلاثة أو أربعة حواجز تفتيش الكترونية وغيرها، وجلسنا ننتظره في قاعة بطول 12 مترا تقريبا وعرضها نحو 8 أمتار، لديها بابان، باب شمالي دخلنا منه نحن هيئة الدفاع، وباب جنوبي دخل منه صدام، وبالقرب من الباب الذي دخلنا منه وضعوا طاولة طويلة تسع 6 محامين، وطاولة صغيرة أمامه وفصلوا الطاولتين عن بعضهما، لم أكن أعرف أنهم يتنصتون علينا ويراقبوننا بالكاميرات، فقمت وقربت الطاولتين من بعضهما، وجلست في الأمام لأكون قريبة منه، فانتبهوا للأمر ودخلوا إلى القاعة وأعادوا فصل الطاولتين عن بعضهما فأدركت أنهم يراقبوننا فعلا، سألتهم من أين سيدخل صدام فأشاروا إلى الباب الجنوبي، فظللت أراقبه، وبعد قليل دخل الرئيس العراقي.

قلت إنك وجدت صدام شابا في الـ 25 سنة عندما قابلته قبل المحكمة؟

أصبت بحالة من الذهول عندما رأيته في هيئة شاب، صدام شارف على السبعين، وقامته مديدة 187 سنتمترا، وبعد الذي تعرض له من محن وقتل أولاده وسقوط عرشه، بالإضافة إلى أن الطول الفارع من شأنه أن يحني الظهر في هذا العمر، ولكن صدام ظهر بقامة مستقيمة وساقين مشدودين ورأس مرفوع وكأنه شاب في العشرين، والمصحف الشريف بيده، رأيناه بهيئة قائد عظيم، نظرت إليه وقلت سبحان الله، القائد يولد قائدا من بطن أمه لا تؤثر فيه أي ظروف، حتى ولو كان أسيرا.
وكانوا قد اشترطوا علينا بأن نجلس في أماكننا حتى يصل إلينا، ولكني لم أنتظر حتى يصل، قفزت من الطاولة وركضت باتجاهه، وحضنت يده بيدي الاثنتين ودموعي تنهمر، انتابتني حالة انفعال شديدة، وشعرت في تلك اللحظة أن صدام وكأنه ابن الأمة العربية، لم يكن موقفا سهلا بالنسبة لي، رغم أنني امرأة صلبة وشديدة، وأستطيع أن أسيطر على عواطفي، ولكن في تلك اللحظة فقدت السيطرة عليها تماما، نظر إلى بنظرة حنونة وكأنها نظرة أم لابنها، وأكثر من ذلك شعرت أنه أحد شيوخ الصوفية عندما يذوب في الذات الإلهية بإحساسه فينسى المكان والزمان، وينسى إن كان جالسا على ريش نعام أو على الشوك، بالنسبة لصدام كان في حالة حلول كلي مع مبادئه وقيمه وعروبته وقوميته، لم يكن يعبأ بالسجن ولا بالضابط أمريكي الذي فك قيوده قبل أن يدخل إلينا، ولا بالحرس الذين كانوا يراقبوننا.

هل تعتقدين أن صدام لم يكن مقتنعا بجدوى الدفاع عنه لذلك قال لهيئة الدفاع التي كنت من بينها إن “هذه المحكمة صنعت لإعدامي، فلا تشغلوا بالكم أخبروني فقط بما يجري في الخارج”؟

كان أعضاء هيئة الدفاع يعتقدون أن مهمتهم هي الدفاع عن صدام حسين، ونسوا أنهم أمام محامي كبير، بل مشرّع، وأن صدام الذي دافع عن الأمة العربية هو أقدر الناس على الدفاع عن نفسه وعن مواقفه، قال له الزملاء إنه غدا ستكون جلسة الاستجواب وقرؤوا عليه ما فيها، ولأنه رجل شديد التهذيب، قال لهم نعم، ولكن دعونا نتكلم عن الوضع العام في العراق، وعن سامراء التي تعرضت للتفجير في مسجد الإمامين الحسن العسكري ومحمد الجواد، وقد أثرت فيه هذه الحادثة أيما تأثير، لأنه كان متوجسا من الفتنة الطائفية، وحزين على ذخائر الإمامين ومقتنياتهما التي تعرضت للتخريب، أما أنا فلخصت له الأوضاع الإقليمية واللبنانية والدولية والوضع في العراق، كان يكفي أن أقدم له عناوين ليفهم كل شيء، قلت له يا سيادة الرئيس قانون المحكمة مفصل على الإعدام، فقال لي أنا أعرف ذلك ولا يهمني بما سيحكمون به علي، بل يهمني حكم الشعب، وقد صرح أمام وسائل الإعلام بأنه رجل عسكري، لذلك طلب بأن يعدم رميا بالرصاص، وهي رسالة واضحة للرأي العام بأنه سيعدم، قال مرة إنه لم يكن ليأتي إلى المحكمة لو لم يكن الإعلام حاضرا حتى يتسنى له أن يتواصل مع الشعب العراقي والشعوب العربية من خلاله.

قلت في حوار سابق إنك تشككين في الرواية الأمريكية بخصوص إلقاء القبض على صدام حسين في تلك الحفرة.. على أي أساس بنيت تلك الشكوك؟

معروف عن الإدارة الأمريكية أنها لا تستطيع أن تكذب على شعبها لأنه يملك وسائل المحاسبة، ولكنها تستطيع أن تكذب على بقية شعوب وحكام العالم وسياستها مع العالم الخارجي واضحة، بالنسبة لروايتهم حول العثور على صدام في الحفرة، كانت رواية هوليودية وكنت أعرف مسبقا أنهم قبل أن يظهروا صدام للعلن سيدرسون طريقة إخراجه بطريقة مهينة تكسر صورته أمام الرأي العام العربي وتحطمها، ولكنهم لو درسوا الشخصية العربية، لعرفوا أن إظهاره بهذه الصورة سيجعل الناس يتعاطفون معه حتى الذين لا يحبونه، لأننا شعب عاطفي، وعندما شاهدنا كيف يحركونه، وكيف يضعون شيئا في فمه، وكيف يتحرك رأسه، عرفنا فورا أنه شبه مخدر، على عكس ما رأيناه عليه قبل المحاكمة، حيث كان قويا وصلبا، ولكنني حتى الآن مازلت مستاءة لكوني لم أسأله عندما قابلته كيف قبضوا عليه، وعرفت فيما بعد من قادة عراقيين أن “الحفرة” التي وجدوه فيها ليست ملجأ تحت الأرض كما أشاعوا، وإنما هي أنفاق أقيمت على طول المزارع الموجودة على نهر دجلة التي كان يتنقل بينها، بينما كان يتحرك خلال هذه الأنفاق ويخرج منها إلى نهر دجلة ويهرب في حال إذا فاجؤوه، وأعتقد أنه دخل إليها ليهرب منها، ولكن الأمريكان في ذلك اليوم خدروا المنطقة بالغازات، حيث صرح السكان أن الحيوانات نامت في اللحظة التي داهموا فيها المنطقة، وإما أنهم رأوا النفق فتظاهروا أنهم يخرجوه منه وكأنه كان داخله، وكانت الخطة أنهم يقبضوا عليه وقت صلاة المغرب التي يصليها عادة في وقتها، وكما عرفنا أنه لم يستعمل المسدس ولم ينتحر كما تساءل الرأي العام، وهو سؤال سخيف في حق صدام الذي ما كان ليكرر ما فعله هتلر، ولأن صدام بتقديري لا يمكن أن ينتحر لأن الإسلام حرم الانتحار، والسبب الثاني أنه لم يفعل حتى لا تتشوه صورته من بعده، وكما شرح لي رفاقه من الضباط الذين يعيشون خارج العراق، أن الأمريكان جهزوا هذه “الحفرة” للوقت المناسب، وما زادني شكا في هذه الرواية هو توقيت الإعلان عن العثور على صدام الذي تزامن مع وضع قانون بريمير في المحكمة بفارق يوم واحد أو يومين فقط، يعني قانون المحكمة وضع قبل إظهار صدام بيوم واحد على وسائل الإعلام، بينما يكونون قد قبضوا عليه قبل فترة، وحتى الهيئة التي ظهر فيها منكوش الشعر تؤكد على كذب الرواية الأمريكية، لأن صدام معروف بأناقته، حتى أنني قلت له لماذا لا تلبس ربطة عنق يا سيادة الرئيس، فقال لي “ياريت” ولكنهم لن يسمحوا لي بارتدائها، لأنهم يعتبرونها وسيلة للانتحار.

مقالات ذات صلة