-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

لو رتعتَ لرتعوا!

سلطان بركاني
  • 3312
  • 0
لو رتعتَ لرتعوا!

في عهد الخليفة الرّاشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أمكن الله المسلمين من فتح بلاد فارس (إيران)، وأظفرهم بقصر كسرى وما يحويه من أموال وكنوز، بعد معركة القادسية (15هـ)، وكان بين الغنائم بساط مرصّع بالياقوت والجواهر، أرسله سعد بن أبي وقاص –رضي الله عنه- مع رجال من جنده إلى المدينة المنورة، وعند دخول رسول سعد على عمر بن الخطاب في مجمع من الصّحابة، أمر الفاروق بإحصاء مجوهرات البساط، فلما وجدها كاملة لم يأخذ حاملها أو غيره شيئاً منها، حمد الله وتبسم، فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: “يا أمير المؤمنين، عففت فعفّوا، ولو رتعت لرتعوا”.

تذكّرتُ هذه القصّة وأنا أتابع كغيري من الجزائريين، أمّ المهازل التي أجبرتنا وزارة التربية الوطنية على متابعة فصولها في الشّهر الفضيل، وهي تعلن حالة الاستنفار القصوى للحيلولة دون تكرّر واقعة الغشّ في امتحان شهادة البكالوريا؛ لم تكفها الاستعانة بقوات الأمن والدرك لحراسة المترشّحين والمتحرّشين بأوراق الأسئلة، حتى قطعت -بالتواطؤ مع وزارة الاتّصال- خدمة الإنترنت عن الجزائريين خلال أيام الامتحان، في واقعة فريدة من نوعها لم يعرف العالم لها نظيرا؛ فهل نحن في حاجة حقا إلى كلّ هذه الإجراءات لمنع الغشّ ومنع تسريب الأسئلة؟ وهل المشكلة هي فقط في المترشّحين الذين يستخدمون الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي للبحث عن الامتحانات قبل الدّخول إلى المراكز، أم أنّها في “جنود الخفاء” الذين يخونون الثّقة التي وضعت فيهم لحفظ وتوزيع أوراق الامتحانات؟، أم أنّها قبل هذا وذاك في منظومة متكاملة لا تهتمّ بكفاءة وأمانة من يتولى المناصب الحسّاسة، بقدر اهتمامها بتوجّهاتهم الإيديولوجية، في إطار سعيها الحثيث لقطع آخر الأواصر التي تربط قطاع التعليم -بمناهجه وكوادره- بعناصر الهوية الوطنية؟.

الطّالب ملوم في إصراره على امتهان الغشّ وسعيه –بكلّ الطّرق- للحصول على أسئلة الامتحانات قبل إجرائها، لكنّ اللّوم الأكبر يقع على الجهات المسؤولة التي أعطت بدورها نماذج غير مشرّفة في احتراف الغشّ، عندما بشّرت بإصلاحات تبيّن أنّها لا تعدو أن تكون عبثا يراد من ورائه علمنة وفرنسة التّعليم لا أكثر، في الوقت الذي كان يفترض أن تعلن حالة الاستنفار لإيقاف الانحدار العلمي والقيَميّ والأخلاقي المتسارع الذي تعرفه المنظومة التربوية.

إنّها بحقّ أمّ المهازل، عندما تُصبح الإنترنت عدوا لدودا وكابوسا مزعجا يؤرّق وزارةً كانت قبل وقت قريب تبشّر التلاميذ والطّلبة بأنّها ستجعلهم يستغنون عن الدروس الخاصّة، لصالح أقراص مدمجة تُغنيهم عن الأساتذة!.

لقد غشّت الوزارة في الإصلاحات، فكان من الطّبيعيّ أن يلجأ التلاميذ إلى الغشّ في الامتحانات، ما داموا يرون أنّ هذه الدّروس التي يُمتحنون فيها لا علاقة لها بواقع الحياة، وما هي إلا بضاعة مزجاة تردّ إلى أصحابها في أيام الاختبارات، لينتهي الأمر في الأخير بحرق الكتب والكراسات التي انتهت صلاحيتها والحاجة إليها بنهاية الامتحانات.  

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!