-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

لِيتحمَّل كلٌ مِنَّا مسؤوليته

محمد سليم قلالة
  • 1533
  • 11
لِيتحمَّل كلٌ مِنَّا مسؤوليته

لا يمكن لأي مِنَّا أن يعتبر نفسه غير مسؤول عما حَدث ويحدث ببلادنا، ناهيك عما سيحدث، الفرق الوحيد بيننا هو في درجة المسؤولية التي نتحملها، وفي الدور الذي كان علينا القيام به أو سيكون في المستقبل… في أي موقع نحن فيه ينبغي أن نعي ذلك، والبداية تبدأ من الذات لتصل في آخر المطاف إلى الآخر السياسي أو غيره، الذي عليه أن يتحمل المسؤولية كاملة بعد أن قَبِلها، وخاصة إذا كان من الذين حرصوا على الوصول إليها أو البقاء فيها في أعلى مستوى.

لاحظتُ بمزيد من الحيرة كيف أن المنطق التبريري أصبح سيّدَ الموقف في حياتنا العامة والخاصة، نادرا ما نُحمِّل أنفسنا مسؤولية ما حدث أو سيحدث، وغالبا ما نُشير بأصبع الاتهام إلى الآخرين، سواء أكان ذلك داخل الحقل المهني الذي ننتمي إليه أو خارجه، في الاقتصاد أو الثقافة أو السياسة أو غيرها، باستمرار، هناك محاولة مِنّا للتنصل من مسؤولية ما يحدث، وإلقاء سريع باللوم على الآخرين لما آلت إليه أوضاع البلاد أو العباد، وكأننا لم نقرأ قط ما جاء في الحديث الشريفكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته“.

ويتضاعف حجم هذه الظاهرة وثقل تأثيرها في واقعنا الاقتصادي والاجتماعي كلما ارتقينا في سلم الترتيب الاجتماعي والثقافي والسياسي؛ إذ أن مسؤولية الفقراء ليست كمسؤولية الأغنياء، ومسؤولية العلماء أو المثقفين ليست كمسؤولية غير المتعلمين، كما أن مسؤولية الذين يتبوؤون أماكن مرموقة في دواليب الدولة ومراكز اتخاذ القرار من سياسيين وإطارات سامية وموظفين، ليست كمسؤولية العمال البسطاء أو التابعين لسلطة اتخاذ القرار.

إذا اتفقنا على هذه المقدمة يمكننا أن نتفق على النتيجة، لتقديم تصور مستقبلي لتحمّل المسؤوليات في البلاد، كما يُمكن لكل منا أن يحاسب نفسه من الموقع الذي هو فيه، ويُصحِّح مساره، إن تَبين له أن به خطأ لم يكن مُدرَكًا من قبل.

صاحب القرار المركز، والسياسي، والأستاذ والطبيب والموظف والصناعي والتاجر والفلاح والأديب والفنان والرياضي وأي عامل في أي قطاع كان، وفي أي مستوى كان، أصبح من واجبه اليوم أن يَطرح على نفسه سؤالا رئيسا مفاده: وما الذي ساهمتُ به كشخص في تحسين الوضع أو تَردِّيه في المجال الذي أنا فيه؟ هل قمت بما ينبغي أن أقوم به في الوقت المناسب؟ أم أنني تقاعست مثل الآخرين وأحَلْتُ اللوم عليهم كما يفعل كافة الناس؟ ما الدور الذي لعبته بالتحديد؟ وما المساهمة التي ساهمت بها في الحال التي نحن عليها الآن؟ وكيف بي أن أصحح الأوضاع انطلاقا من المحيط الضيق الذي أعيشه قبل أن أنتقل إلى مجالات أخرى أو أصل إلى استخدام عبارات هي أكبر من إدراكي المعرفي أو حدود الحل الذي أرغب فيه؟

في الغالب ما لا نقوم بذلك ونسمح لأنفسنا بالانتقال مباشرة إلى المستوى الأعلى من تحميل المسؤولية للآخرين، لنَصنع منهم مشجبا نعلق عليه كل المصائب والهموم، كما يصنعون منا أرضية يريدونها أن تستوعب فشلهم وسوء تدبيرهموعندها بدل أن نُشعل شمعة في الظلام نَزيده عتمة، ونَمنع عن أنفسنا أن نكون نحن بصيص الأمل لبلدنا وللآخرين سواء أكنا في أعلى السلم أو في أولى الدرجات.

وهكذا بدل أن يحدث التفاعل بين مختلف المجالات التي ننتمي إليها، ينغلق كل مجال على ذاته، وينغلق كل فرد على نفسه ونمنع عن أنفسنا الحلول رغم أنها كثيرة.

ويتجلى ذلك بوضوح، في تحوّل كل فئة اجتماعية إلى وحدة بذاتها لا تُعير أية أهمية لحال الآخرين، وكأنها تستطيع أن تعيش من دونهم، أو النجاة بنفسها من غير مراعاة مصيرهم، بل كثيرا ما ينفصل أفراد كل فئة اجتماعية أو حقل مهني ليدافعوا عن مصيرهم في نسيان شبه تام للآخرين، كلٌ يسعى للنجاة من السفينة وكأنهم يئسوا من إنقاذها من الغرق.

وهي الحال التي ينبغي أن تُعالج في المستقبل المباشر، إذا أردنا إعادة البلاد إلى المسار الذي يُنقذها، مما هو مُتربَّص بها من الداخل أو الخارج. نحن لسنا بمنأى عن الهزات أو الاضطرابات في أية لحظة من الآن، إلا أننا مازلنا نمتلك القدرة على الاستباق، وعلينا أن نستفيد منها لتجنب أي انزلاق مرتقب.

إننا إذا استطعنا أن نقتنع بمسؤوليتنا النسبية على ما حدث ويحدث الآن، في كافة القطاعات وعلى كافة المستويات، فسنكون كمن حفِظ الدرس وتمكَّن من الإجابة عن السؤال الاستشرافي والاستراتيجي الأساس: ماذا سنفعل إذا حدث؟

لن نتصارع على كرسي المسؤوليات، ولن نُسارع إلى البحث عن الأسباب للانتقام من هذا أو ذاك، ولن تكون أولويتنا هي كيف نُنجي أنفسنا كأفراد قبل المجتمع والدولة

 وهذه هي الحالة الأمثل التي يمكننا من خلالها أن نتجاوز الظروف الصعبة التي نعيشها اليوم، وأصبح البعض ينطلق منها ليُنذر بأنها إشارة الخطر التي لا مفر منها، بأن مصيرنا سيكون كالآخرين..

فهل نسمح بأن نكون كالآخرين؟ أم سَيَتحمَّل كل مِنَّا مسؤوليته، ونمنع حدوث ذلك؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
11
  • Abou Louai

    When we live among other nations and see the degree of organization in the society, hardworking on the part of the citizens and their love for their countries we, Algerians, feel a big sorrow and frustration and keep feeling sorry for our beloved country and keep asking questions without reel answers; Why our blessed country has come to this moral deterioration and desperate social and economic situation, and abovee all who is the responsible for that; is it the people of Algeria or the governi

  • فاروق

    شكرا مقالكم يذكرني بمقولة ابن باديس رحمه الله/(لو ان كل واحد ينظف امام بيته لصار الحي نظيف) ولكن استاذنا المحترم الا نستفيد من تصرفات عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه؟ فقد وجدها امامه مهترئة ولكنه غيرها فتغيرت منذ لحظة عودته بعد دفن سلفه حتى اصبحت الذئاب ترتع مع الاغنام وبحثوا عمن تعطى له الزكاة فلم يجدوا.اليس هذا هو المطلوب منا ان نبحث عنه ؟لان اصلاح عامة الناس ليس بالهين ولكن الوصول الى حاكم نزيه مخلص امر يمكن تحقيقه وبه تطبق الحكمة القائلة :(يردع الله بالسلطان ما لايردع بالقران)

  • بدون اسم

    رسالة لنا جميعا:
    صاحب القرار المركز، والسياسي، والأستاذ والطبيب والموظف والصناعي والتاجر والفلاح والأديب والفنان والرياضي وأي عامل في أي قطاع كان، وفي أي مستوى كان، أصبح من واجبه اليوم أن يَطرح على نفسه سؤالا رئيسا مفاده: وما الذي ساهمتُ به كشخص في تحسين الوضع أو تَردِّيه في المجال الذي أنا فيه؟ هل قمت بما ينبغي أن أقوم به في الوقت المناسب؟ أم أنني تقاعست مثل الآخرين وأحَلْتُ اللوم عليهم كما يفعل كافة الناس؟ ما الدور الذي لعبته بالتحديد؟ وما المساهمة التي ساهمت بها في الحال التي نحن عليها الآن؟

  • بدون اسم

    بالأمس تذكرت قوله تعالى "يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ..." و نحن اليوم و للأسف نعيش هذا التخريب و الخراب في حياتنا اليومية، فالتاجر ، البناء، المقاول، الموظف، الإمام، المعلم، الفلاح، العامل العادي، المواطن العادي، و غيرهم إلى المسؤول المحلي وصولا إلى المسؤول الوطني في أعلى هرم الدولة، كلهم يمارسون الغش و التخريب للوطن؟؟؟ فمتى يتحمل كل مسؤوليته و يكف عن التخريب؟

  • مواطن

    هذه الأسئلة أو الإشكاليات المشروعة والحقيقية في محلّها لأننا كلنا نتحمّل مسؤولية سفينة الجزائر ومن يدعي عدم مسؤوليته في كل ما جرى و يجري فيها فهو كاذب،كلنا نتحمّل تقصيرنا في أداء عملنا في مؤسساتنا و مدارسنا وجامعاتنا و مستشفياتنا و عدم الإتقان فيه كلنا نتحمّل وزر سرقة الوقت و الغش في البناءات و الطرقات و الجسور كلنا نتحمّل الرضا باللامستوى في الجانب التعليمي والأخلاقي لأبنائنا كلنا نتحمّل خطيئة الرضا بكل ماهو منحطّ في يومياتنا والأقذر من ذلك أننا نساههم في هذه القذارةكلُّ ساهم في هذه الوساخة

  • كريم

    مقال جيد و في محله زمانا و مكانا يا أستاذ قلالة.

    أنا أرى البصيص محركه الإعلام في الدرجة الأولى و خصوصا في عصرنا هذا, عصر تعصر فيه العقول كالبرتقال, فمزيد من هكذا كتابات و لتكن يومية و باستمرار, تبرز فيها أخلاقنا و إن غيبت, فمن غير المنطقي أن شعب الجزائر عاش و يعيش من دون أخلاق و قيم تسيره. الحال أننا في عصر طفت في الأعلى القلة القليلة من عديمي الأخلاق و لأن لها أيدي و ألسن لا حسيب لها و لا حشمة كان لها الصدى على الأغلبية المتخلقة التي ترى في الرد عليها سوء أخلاق و كل هذا من الحشمة و الترفع.

  • ishak

    بارك الله فيك لو تحمل كل واحد منا مسؤولياته كل حسب استطاعته وموقعه في المجتمع لانتهت المشاكل التي نتخبط فيها اليوم

  • مواطن

    لقد صرح فولتير آخر حياته"أستثمر بستاني"لما أيقن أن الثورة ضد الأوضاع المزرية لم تحن بعد ثم تأثرت يوما بنصيحة فزت بها من شيخ في التربية"دولتنا لا تقبل من يثير المشاكل"وكنت يومها ممن أرادوا أن تستقيم البلاد بالجد والعمل دون أن أخاف في الله لومة لائم.إن حبي لوطني وثقتي في من تزعموا بلدي بعد تحريره حولتني مناضلا في المهام المنوطة بعملي مما أوقعني عرضة لأنواع الطعن وتسبب في إلحاق الضرر بصحتي ومصلحة أسرتي بفعل نفاق المسؤولين ذوي الوجوه المزدوجة.من أفسد البلاد والعباد هم المسؤولون لضعف كفاءتهم المهنية.

  • nadia

    شكرا جزيلا دكتور على أفكارك القيمة والتي دائما تنير طريقنا وتستقيم أمورنا وتفطننا بعد غفلة وسهو منا وان شاء الله تصل هذه الأفكار إلى قلوبنا وتعيها عقولنا وتدخل حيز التنفيذ وسأبدأ بنفسي في مكان عملي كموظفة في إدارة عمومية بكل ماستطعت من قوة والله الموفق
    فلنتعاون جميعا

  • خالد

    هذا مرض خطير وقديم يا أستاذنا الكريم وهوغيا ب النقد الذاتي والموضوعية في الحكم و العمق في التحليل ،حيث تقديس الذات وشيطنة الآخر .وهذا المرض يفتك ليس فقط بالأفراد بل تجاوزه إلى الأحزاب والجمعيات والنقابات والمنظمات والإدارات ،فكم جمعية أوحزب أو ..يقوم سنويا بنقد ذاتي ومراجعة لأفكارها وعملها ومردودها في الفعل والإنجازومقدار إنتقالها من الشخص إلى المؤسسة ومؤشر الحرية والحوار المنتج والممارسة الديموقراطية .رحم الله المفكر الفذ مالك بن نبي في وصفه لمجتمع مابعد الموحدين: يبحثون عن مبرّرات لا عن حقائق

  • صالح

    تضيع الحقيقة مابيننا ..،؟
    يصح الاستشهادبالحديث عندماتتوفر الحرية،عندها يكون الكل راع والكل مسؤول عن رعيته ،أما مسلوب الارادة والحرية فهل عليه مسؤوليةعلى نفسه؟
    إن الاستبداد يكبل الارادةويقضي على روح المبادرة وعلى كل ماهو جميل يبعث على الامل .
    فكيف يستوى السالب والمسلوب؟ والسجين والسجان؟ والمستبدبه والمسبد ؟والضحية والمتهم؟_مالكم كبف تحكمون؟.
    -فيا أمة ضاق عن وصفها جنان المفوه والأخطب
    -تضيع الحقيقة مابيننا ويصلى البريءمع المذنب
    -ويهضم فينا الامام الحكبم ويكرم فينا الجهول الغبي._حافظ إبراهيم_