الرأي

ماذا أعددنا لمواجهة الحرب الاقتصادية الكونية؟

حبيب راشدين
  • 1839
  • 3
ح.م

يوم اثنين أسود انهارت فيه أمس الأول أسعارُ النفط بالثلث في أسوإ أزمة منذ حرب الخليج الأولى، تبعها انهيارٌ في أغلب بورصات العالم فقدت ما بين سبعة وتسعة في المائة من قيمتها، أضافت إلى الذعر المصنَّع على خلفية فيروس كورونا ذعرا حقيقيا من تبعات اندلاع حربٍ اقتصادية كونية، تبشِّر بخرابٍ اقتصادي عالمي، قد يقتل ألف ألف مرة ما يخشى من أي جائحة وبائية عالمية.

الحرب الاقتصادية كانت قد بدأت منذ أكثر من سنة بين الولايات المتحدة والصين، وكانت آثارُها المدمرة ملموسة في تراجع منسوب التجارة العالمية، وتراجع الإنتاج الصناعي في ورشته الأولى بالصين، أضيف إليها مطلع السنة الترويجُ الكاذب لجائحةٍ وبائية ملغمة، عطلت خطوط التواصل والتبادل بين الدول، وقد تنتقل في الأسابيع القليلة القادمة إلى وضع كثير من الدول الموبوءة تحت الحجْر والحصار وتعطيل نشاطها الصناعي والسياحي، وأخطر من ذلك تعطيل مبرمج لشبكة الإمداد الغذائي العالمية التي تهدد كثيرا من دول وشعوب العالم، على رأسها الهند وباكستان وبنغلادش وأغلب الدول الإفريقية المهدَّدة منذ الآن بجائحة المجاعة قد لا تُستثنى منها الدولُ النفطية.

الانهيار المرعب لأسعار النفط جاء كرد سريع للمضاربين على القرار الروسي الرافض لمقترح أوبيك بخفض الإنتاج لأكثر من مليون ونصف مليون برميل، تبعه قرارٌ سعودي مفاجئ بخفض أسعار خاماتها بأكثر من عشرة دولارات، لتتهاوى أسعار جميع الخامات في اليوم الموالي تحت سقف 35 دولارا، قالت روسيا إن اقتصادها قادرٌ للتأقلم معه من ست إلى ثماني سنوات، في ما يشبه إعلان حرب بلا حدود بين الدول الثلاث (السعودية وروسيا والولايات المتحدة) التي تُنتج لوحدها أكثر من ثلاثين مليون برميل في اليوم، وبدا أن روسيا قد التحقت بالخيار السعودي القديم، الذي كان يراهن على أسعار متدنية في السوق لضرب إنتاج النفط الصخري الأمريكي المتغوِّل رغم كلفة إنتاجه المرتفعة.

والحال، كيف يمكن لبلدٍ مثل الجزائر أن يتعامل مع الأزمة، ومع انهيار عائداته بأكثر من النصف قد يمتد سنوات قادمة، وتآكل مخزونها من العملات الصعبة دون الستين مليار دولار، لا تغطي في أحسن الأحوال أكثر من سنة ونصف سنة من وارداتها، إلا بالإسراع بمراجعةٍ عميقة للميزانية، وباستعادة الدولة لزمام التجارة الخارجية، ومراجعة قائمة المواد والخدمات المستورَدة، لا تتوقف فقط عند الكماليات، بل يتوسَّع ليشمل قطاع السيارات والتجهيزات المنزلية والهواتف، وكثيرا من السلع التي تُلحق في حالة الحرب بالكماليات، وتخصيص ما بقي من موارد الدولة المالية لضمان تغطية حاجات السوق من المواد الغذائية والأدوية، وبما لا يمكن الاستغناءُ عنه لتموين الصناعات الأساسية القائمة، وتأجيل البرامج الإنشائية المكلفة.

ودون السقوط في دوَّامة التهويل الرخيص، تحتاج البلاد حتما إلى مراجعة برنامج الرئيس الحالي، بتوجيه أغلب موارد الدولة نحو ضمان قوت 44 مليون مواطن لا يحتمل التسويف، عبر ترشيد الاستيراد وضبطه، ورفع حصة الغذاء فيه من جهة، وتخصيص استثماراتٍ واسعة وعاجلة لتوسيع قاعدة الإنتاج الغذائي خارج أي حسابات للكلفة، لا تحتاج إلى موارد بالعملة الصعبة، وهي في متناولنا مع ما تتوفر عليه البلادُ من مخزون هائل من المياه الجوفية، وأراضي صحراوية أثبتت بعض التجارب في الصحراء الشرقية وجنوب غرب ووسط البلاد، أنها قادرة على ضمان الاكتفاء الغذائي للبلد في وقت قياسي.

لستُ على اطلاع بما يفكر فيه فريقُ المستشارين المحيط بالرئيس وبرئيس الحكومة، وهل هم على إلمام بتداعيات الفوضى العارمة التي سوف يشهدها الاقتصادُ العالمي في الأشهر والسنوات القليلة القادمة، وكانت لها مقدّماتٌ منذ بداية الألفية الثالثة في تفاقم أزمات الاقتصاد المعولم، وطغيان نظامه المالي الربوي النافق، لكني أشعر ببعض القلق وأنا أتابع تردد الحكومة في اتخاذ إجراءات عاجلة توقف فورا نزيف مواردنا المالية، واهتمام وزارة التجارة بسوق السيارات أكثر من اهتمامها بسوق الحبوب، وغياب سياسةٍ جريئة كان يُفترض أن تضع على رأس أولويات الحكومة ضخَّ ما يكفي من موارد البلاد وطاقاتها نحو القطاع الوحيد الذي يسمح لنا بتجاوز الفتنة القادمة على رغيف الخبز لسنوات عجاف تمتد آثارها التدميرية إلى ما بعد سنة 2025.

مقالات ذات صلة