ماذا لو تذهب الوجوه المستفزة للشعب؟
ما يحدث في العالم العربي هذه الأيام وعندنا من ثورات وانتفاضات شعبية وحراك ونقاش من أجل التغيير والديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية، يعتبره البعض موضة العصر الحديث ستزول مع الوقت…
-
ويصنفه بعضٌ آخر ضمن خانة التحولات التي تقتضيها المرحلة ويفرضها الجيل الحالي من الشباب الذين سدت في وجوههم كل الآفاق، فوجدوا في الشارع ووسائل الاتصال الحديثة ملاذا للتعبير عن مكنوناتهم ومشاعرهم ومطالبهم، في حين يعتقد بعضٌ ثالث بأنه لن يمس سوى بعض البلدان التي سئمت شعوبها الجمود والوعود، وسُدّت في وجهها كل الأبواب والطموحات، وتلك التي تعاني أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية..
-
بين هذا وذاك وذلك، يبقى الأكيد أنها تحولات لن يسلم منها أحد ولن تستثني أي بلد.. بدرجات متفاوتة، وأنها تحولات يمكن أن يصنعها الشارع مثلما قد تصنعها الدول والحكومات ذاتها.
-
والجزائر التي ذاقت مرارة الصدام والعنف قبل الجميع، باستطاعتها صناعة التغيير دون حقد وانتقام، أو عنف وتخريب، وبأقل الأضرار والخسائر البشرية والمادية، مثلما بدأنا نلمسه من وعي وإرادة لإحداث النقلة التي يريدها أبناؤنا وشبابنا من البطالين والعاملين، والطلبة والتلاميذ، والأطباء والمساعدين، وحاملي الشهادات في مختلف التخصصات، وكل فئات المجتمع التي تتخبط في مشاكل مختلفة وتعاني الظلم والحرمان، وتسمع وتشاهد نهب الخيرات والممتلكات.
-
الجزائريون سئموا الوعود الكاذبة وفقدوا ثقتهم في الكثير من المؤسسات والشخصيات، والتغيير الذي يريده أبناؤنا هو تغيير في السياسات والذهنيات والكثير من الشخصيات التي صار وجودها في الساحة وظهورها على شاشة التلفزيون ووسائل الإعلام كل يوم، يمثل الاستفزاز الفعلي لمشاعر الناس، خاصة أن أغلبيتها تجاوزها الزمن ولم تعد قادرة على مسايرة المستجدات ومتطلبات الجيل الحالي، وأثبتت فشلها في التعامل مع مقتضيات المرحلة، ولم يعد باستطاعتها صناعة الرأي والفكر واقتراح مشاريع اجتماعية جديدة.. والأغرب في ذلك أنها تلتزم الصمت اليوم، أو تتحين الفرصة لركوب موجة التغيير وتظهر بمظهر المؤيدة له والقادرة على التأقلم مع المستجدات والسياسات.
-
مع احترامنا لكل المؤسسات والرجال وما بذلوه في كل المواقع والمراحل، فإن احترامنا للجزائر والجزائريين واستجابتنا لنداءات التغيير يفرضان على الكثير منا ترك أماكنهم بمحض إرادتهم، أو من خلال تحقيق إرادة الشعب وإعادة الكلمة إليه، وعقد جمعيات عمومية استثنائية انتخابية لإعادة تجديد هياكل ورؤساء مختلف جمعيات المجتمع المدني وحتى الأحزاب السياسية، وكذا إحداث التغيير على كل الهيئات التي يعين أصحابها بقرارات من أعلى السلطات، باستثناء من أثبتوا كفاءاتهم وإخلاصهم ووفاءهم.. وعندها سنبدأ مرحلة جديدة بوجوه جديدة وأفكار ومشاريع متجددة، عسى أن تلبي طموحاتنا وآمالنا في التغيير المنشود.
-
وعندما أتحدث عن الوفاء لا أقصد الولاء، ولكنني أعني الإخلاص للوطن والمبادئ والشعب، وإخلاص كل واحد منا لمهنته ومؤسسته ولمن وضعوا ثقتهم فيه على رأس الوزارة والإدارة والجمعية..
-
صحيح أن الإجراءات التي اتخذتها الدولة مؤخرا في صالح الأحزاب والجمعيات والطلبة والبطالين ولأجل المزيد من العدالة والحرية؛ تعبر عن استجابة السلطات العمومية للكثير من الطموحات، وعن ليونة ورغبة في تصحيح الأمور، ولكن الظروف تقتضي الذهاب أبعد من ذلك في التغيير والتجديد للوزراء والمدراء ورؤساء التنظيمات السياسية والوطنية وحتى رؤساء النوادي الرياضية وجمعيات المجتمع المدني الذين تجاوزهم الزمن ولم يعد لوجودهم دور، وفقدوا ثقة الناس وكانوا سببا في الجمود الذي شهدته الكثير من القطاعات، وسكتوا عن الظلم والفساد والحڤرة والتسيب.
-
لكل مرحلة رجالها ومقتضياتها، ورجال الجزائر في المرحلة المقبلة هم من أبناء الجيل الحالي وشبابه من الوطنيين المخلصين وليس من أصحاب “الشكارة” والانتهازيين والمطبلين، ولا من الذين يخوضون مع الخائضين وينقلبون على أعقابهم وعلى أولياء نعمتهم حفاظا على مصالحهم وامتيازاتهم ومناصبهم، إذ لم يحركوا ساكنا إلى غاية مجيء حملة التغيير التي يريدون ركوبها والسطو على مكتسباتها مثلما يحدث في بلدان أخرى، ومثلما حدث عندنا في أوقات سابقة.
-
الوجوه المستفزة للشعب هم إخواننا أيضا، ولن يقصيهم المجتمع أو ينتقم منهم، ولكن دورهم انتهى في المشهد الجزائري الحالي، وعهد الشخصية المثالية التي يلتف حولها الناس قد ولى، وحان الوقت للالتفاف حول الكفاءات والمشاريع والأفكار بعيدا عن الجهوية والأنانية والكراهية وتصفية الحسابات.
-
المدرسة والجامعة والمسجد وجمعيات المجتمع المدني والكثير من الإدارات والوزارات ذات الصلة بالمواطن ويومياته.. كلها بحاجة إلى نفس جديد وأفكار ومشاريع جديدة، وكلنا يعرف ذلك ويدرك أن التغيير الذي يحدث من الداخل أقل ضررا وأفضل وسيلة لإحداث النقلة النوعية التي يطمح إليها جيل لم يغرر به، ولم يستسلم لليأس والظلم، ولم ينسَق وراء الجاحدين والناكرين لجهود المؤسسات والرجال.