الرأي

ماذا لو عاشت الجزائر بلا برلمان!

في الوقت الذي يردّد الساسة ورؤساء الأحزاب في الجزائر، بعض المفردات المعقدة، على وزن انسداد وخطر وشرعية و”تبهديلة”، على خلفية ما يحدث من شدّ وجذب بين الرجلين المسنّين، السعيد بوحجة وجمال ولد عباس في قلب الحزب المسنّ والمجلس الشعبي الوطني، يبتهج قادة البلاد أيما ابتهاج بارتفاع أسعار النفط التي تجاوزت الثمانين دولارا، وصارت تبشر _ إن استقر سعرها على ما هو عليه طبعا _ بانفراج مالي في شبه مخدّر، بعد أزمة فراغ الخزينة من مال احتياطي الصرف، الذي استعملته السلطة لربح السلم الاجتماعي، بضخه في مشاريع السكن وتشغيل الشباب في المهن غير المنتجة، ودخول الرئاسيات في ربيع السنة القادمة بأريحية مالية ونفسية.
السعيد بوحجة الذي قاربت سنه الحادية والثمانين، الذي قاد مجلسا شعبيا وطنيا، لم نشهد له “مجلسا حاسما وفعالا” طوال عقود، يتهم جمال ولد عباس الذي قاربت سنّه الخامسة والثمانين بقيادة مؤامرة ضده، ويطالبه باحترام شرعيته، حتى لا يتفاقم الانسداد الذي يهدّد البرلمان بالحل.
رؤساء أحزاب الموالاة فضلوا الصمت إدراكا منهم أن الأمر سيّان سواء قاد السعيد البرلمان أم بقية “السعداء” أم حتى من دون أحد، بينما تذكر رؤساء الأحزاب التي تزعم المعارضة، أن لهم رجالا _ لم يصدقوا ما عاهدوا الناس عليه _ يزورون مقر المجلس الشعبي الوطني، بين الحين والآخر، لرفع الأيدي ولصيد مزيد من الغنائم، فحملوا خراطيم المياه في محاولة لإطفاء نار يعلم جميعهم أنها لن تحرق شيئا في مجلس، بعض نوابه لم يبلغوا من التعليم والمهنية والكفاءة أي درجة، والبعض الآخر اشترى لقب “نائب” و”أكسسواراته” من حصانة وامتيازات، من حرّ ماله.
لو كان البرلمان تشريعيا مثل اسمه فرنسي الأصل le parlement، ولا نقول مثل الكونغرس والدوما ومجلس العموم البريطاني، لكانت كل المفردات التخويفية من حلّه، في محلها، لكن دوره السلبي وتشكيلته الشكلية، التي أفرِزت من عملية اقتراع لم يشارك فيها ثلثا الشعب هي التي جعلت هذه “الهوشة” أشبه بشجار في سوق شعبي لبيع “الشيفون”، المنتصر فيه خاسر لهيبته، والخاسر فيه لن يخسر أكثر مما خسر متابعو هذا الشجار، من تضييع للوقت وللأعصاب.
كثيرة هي الشجارات التي تندلع في برلمانات العالم كما حدث في أوكرانيا عندما تقاذف النواب بالكراسي، أو في البرازيل عندما تراشقوا بميكروفونات الإدلاء بأصواتهم، أو في البابان عندما عبّر النواب عن موهبتهم في المصارعة، ولكن كل الصور والفيديوهات قدمت أيادي مفتولة لشباب في ريعان ربيع العمر، وكل التقارير الإعلامية أكدت أن الشجار كان على خلفية مصالح عامة، ولكن عندنا لا الشيخ السعيد يعلم لماذا يريدون رأسه ولا الشيخ جمال يعلم لماذا طلب رأس السعيد، المهم أنه شجار لا يختلف عن روايات الكوليرا والعقارب والفيضانات التي ألهت الناس عن واقعهم، وزادتهم حقنة “البترول” الزائدة، تخديرا.

مقالات ذات صلة