-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ماذا يريد العرب منا وماذا نريد منهم؟

محمد سليم قلالة
  • 3263
  • 18
ماذا يريد العرب منا وماذا نريد منهم؟

قصة الجزائر مع البلدان العربية أكثر من مثيرة، وحَّدَتهم بثورتها عندما ناصرتها الشعوب بلا حدود ودعمّها الملوك والأمراء والرؤساء بلا استثناء. وفرَّقتهم بمواقفها عندما كانت مع فلسطين ظالمة أو مظلومة وكانوا منقسمين عليها مُقسِّمين لها، مُتقاسمين للأدوار تجاهها.. وهي اليوم مَحطّ أنظارهم، وقد أحاط بهم الإرهاب من كل جانب، وغرق الكثير منهم في وحل النزاع حول السلطة، وباتت مخططات التقسيم أكثر من واضحة على الميدان.. ما الذي يريدونه منها وما الذي يمكن أن تريده منهم؟

يزورها الأمين العام للجامعة العربية في هذا الإطار طالبا أن يتحد العرب ليس لبناء قوة اقتصادية أو موقف سياسي مشترك تجاه قضايانا المصيرية، إنما لمكافحة الإرهاب.. للمشاركة في إطفاء النار. انتظر الأمين العام للجامعة العربية حتى تدركه النار بداره لكي يبحث عن من اعتقد خطأ أنهم رجال الإطفاء. لعله أو غيره لم يكونوا يتوقعون أن صب النار التي أشعلوها في فترات سابقة في أكثر من منطقة سيَطالهم شررها ذات يوم، وأن المواقف التي اعتقدوا أنها غير صحيحة للدبلوماسية الجزائرية أثبتت الأيام أنها الأقرب إلى الخيار السليم.

تاريخ مواقف الدبلوماسية الجزائرية في المنطقة يؤكد ذلك:

1  ـ عندما اشتعلت الحرب بين العراق وإيران، وتلك كانت البداية، صبّت الجامعة العربية مزيداً من الزيت على النار، وكانت أداة طيّعة في يد الملوك والرؤساء لإنجاز حرب بالوكالة ضد بلد كان ذنبه الوحيد أنه أطاح بدكتاتورية الشاه وأقام الحكم الذي ارتضاه لنفسه. لم تكتف الجامعة العربية بدعم صدام حسين ضد الثورة الإسلامية الناشئة في إيران بل كانت الإطار الذي تحرّك العربمن خلاله لمواجهة ما اعتبر آنذاك خطرا داهما وتصديرا للثورة خارج حدودها. لم يكن شعار السنة ضد الشيعة مرفوعا بالحدة التي نراه بها اليوم بعد. كانت المسألة متعلقة بالخوف من ثورات إسلامية بَدَت تلوح في الأفق في أكثر من مكان جراء بلوغ الصحوة ذروتها في تلك الفترة من حيث الإعجاب الشعبي والتعلق بحلم العودة إلى الإسلام هو الحل.

لم تكن الجزائر لتقبل بهذا التوجه. رفضت الحرب التي شنّها العرب على الحكومة الإسلامية الناشئة، واستغلت عمقها التاريخي مع العراق، وعلاقتها الجيدة مع الجمهورية  الإسلامية الصاعدة، لكي تطفئ تلك النار المشتعلة. وقاد وزير خارجيتها التاريخي محمد الصديق بن يحي الدبلوماسية السرية بين البلدين. ولما اقترب من الحل، أُسقطت طائرته فوق الأراضي العراقية لكي تستمر الحرب. ودَفعت الجزائر الثمن غاليا لذلك. وطَوَت الملف وهي على دراية تامة بمن أسقط الطائرة. وكانت تلك من تضحياتها الكبيرة لأجل العرب.

وانتهت الحرب على الجمهورية الإسلامية الناشئة بمئات الآلاف من القتلى، ولم يسقط نظام حكمها بل ازداد تماسكا وقوة، بل الذي سقط هي العلاقات العربيةـ عربية والجامعة العربية.

2 ـ لم تمرّ على نهاية أشرس حرب في المنطقة بضعة أشهر حتى بدأ صدام حسين يعلن أن حلفاءه بالأمس يمنعون عنه المال والسلاح ويكيدون له في الخفاء لإضعافه تمهيدا للإطاحة به من خلال التخفيض المستمر لأسعار البترول، ولم يتردد كثيرا في إعلان الحرب عليهم بغزو الكويت التي كانت حليفته الأولى بالأمس القريب.

ووقفت الجامعة العربية هذه المرة ضده، ووقفت الجزائر ضد الموقف الرسمي للجامعة العربية.. لا مجال لقبول قوات أمريكية وأجنبية لتحرير الكويت، نعم صدام معتد، ولكن يمكن إخراجه بوسائل أخرى، من خلال الدبلوماسية، وتحركت في هذا الاتجاه، وتطورت الأحداث إلى أن قبل صدام حسين بالانسحاب غير المشروط، إلا أن آلة الحرب كانت قد تحرّكت وتم تحطيم ما بقي من جيشه وهو يعود القهقرى.

وكانت المرة الثانية التي أكدت الأيام أن الدبلوماسية الجزائرية كانت فيها على حق.

3 ـ وجاءت الجولة الثالثة عندما قرر الأمريكان، من غير انتظار شرعية الأمم المتحدة فما بالك الجامعة العربية، غزو العراق والإطاحة بصدام حسين، ولم تعارض الجامعة العربية ذلك، وعارضت الدبلوماسية الجزائرية هذا الغزو ونبّهت إلى خطورته وإلى تداعياته ومن بينها ما نراه اليوم من إرهاب ومنداعش“. إلا أن آلة الأمريكان كانت قد تحرّكت بمباركة كثير من الملوك والأمراء وحلفائهم وأتباعهم من الرؤساء، وتم احتلال العراق وأُسر الرئيس صدام حسين، ثم شنقه يوم عيد الأضحى بعد محاكمة صورية، في إذلال شبه تام لما بقي من زعماء عرب وجامعة عربية وأمة إسلامية.

وتفاقم الوضع بعد إعدامه، وبدأ التباكي من قِبل العرب على سيطرة الشيعة على العراق، ونسى هؤلاء أن صدام حسين الذي اعتقلوه وشنقوه وحطَّموا جيشه وحزبه وشردوا أنصاره في كل مكان، لم يكن شيعياً، بل من أكبر مضطهِدي الشيعة عبر التاريخ وأكثرهم قتلاً لعلماء هذا المذهب وقياداته.

وتأكدت صحة موقف الدبلوماسية الجزائرية مرة ثالثة.

4 ـ وجاءالربيع العربيالذي ما لبث أن تحوّل إلى شتاء دموي، وبدل أن تقف الجامعة العربية باعتدال إلى جانب الدولة الوطنية، اتبعت موقف الملوك والأمراء، فباركت تسليح وتمويل المعارضة في سورية ووافقت على منحها مقعد الدولة، ووقفت إلى جانب الناتو للهجوم على ليبيا، وكانت غطاء لإغراقها  بالمال والسلاح، واعتبرت موقف الجزائر المخالف لكل هذا غير سليم، بل حاولت عزلها عن الساحة العربية إلى أن حدث ما حدث بمصر من انقلاب واضح على الشرعية، وتحويل رئيس منتخب إلىإرهابيوجماعة قانونية إلىجماعة إرهابيةوتوفير للمناخ الملائم للإرهابثم جاءت لتطلب حلولا مشتركة لإطفاء النار..

 

يبدو أن هذا ما أصبح يريده العرب من الجزائر.. وفقط هذا.. ونحن لا نريد منهم سوى أن يعيدوا قراءة مواقفنا السابقة، أو يتركوننا وشأننا ما دمنا في نظر بعضهم غير عرب أو لا نُفكّر مثل العرب.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
18
  • قاسم

    مع احترامي الشديد لك سيدي ورغم موافقتي لك في معظم ما جاء في المقال لكنني المس منك تأييد لفكرة "اخطونا يا العرب" وهي فكرة سطحية لا اظن ان واحد بمستواك يروج لها سيدي.. فنحن امازيغ عربنا الاسلام هويتنا فصل فيه مجدد نهضتنا الامام عبد الحميد بن باديس رحمة الله عليه ، ارجو ان لا تضيع البوصلة استاذنا الكريم في لحظة غضب على انظمة معظمها لعبة في ايدي الغرب وانت تدرك من يتابع مقالاتك ومعظم شباب الجزائر يعتبرك قدوة يا سليم قلالة يا صاحب كتاب "التغريب" ارجو ان تكون فهمت قصدي استاذنا الكريم .

  • يامنصور(امت)

    شكرًا لك يا صاحب المقال:100/100 وخاصة الانقلاب الذي حصل في مصر. ما الفرق بين مصر و اليمن و ما هو دور الجامعة العربية ، تسكت هنا و تثير هناك...! لم اري مثل هذا الموقف و الحماس من الجامعة العرابية في الحرب الاخيرة علي غزة.. النف................................اق.

  • Insulin

    لعلمك اغلبية الشعب الجزايري مع الريس مرسي الله يفك كربته و يفرج عنه و يسهل أمره و هذا الأغلبية ليست اخواننية و لاكن كلمة الحق يجب ان تقال ان الذي حصل في مصر هو انقلاب و ليس ثورة و انت ممكن تغالط كل العرب الا الجزايرين لأننا نحن شعب نعبد الحق و نموت من اجله و الحق يعلى و لا يعلى عليه و الاخوان المسلمون ليست جماعة ارهابية و انما الإرهابي الكبير هو السبسي و أزلامه و الي قتلهم في رابعة هم أخيار مصر واللهم اضرب الظالم بالظالم

  • نصرو الجزائري

    مايريده العرب من الجزائر هو ماتريده اسرائيل بالضبط نفهم العبد المامور ولن يرتاحوا هم عملاء الداخل حتى يرضو الصهاينة ويجعلوا الجزائر قبلة للعملاء والمفسدين بعدما كانت قبلة للاحرار والشرفاءن

  • صالح

    الديبلوماسية الجزائرية .
    لقدبلغت الديبلوماسية الجزائرية أوجها وقمة مجدها في عهد محمد الصديق بن يحي رحمه الله واستفادت الامة من خدماتها والعالم أجمع فهل السكوت عن من اغتاله بإسقاط طائرته يعتبر خدمة للأمة والانسانيةجمعاء أم طعنة لها؟.

  • وذكر فان الذكرى ...

    أحسنت أستاذ. وبارك الله فيك الذي وفقك للعمل بالآية الكريمة من سورة الذاريات {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ} لأن كثير من المسلمين غشت الطائفية والعرقية و .... قلوبهم وأصبحوا ينسون بسرعة المحطات التاريخية المعاصرة ويحتاجون من يعزف لهم على وتر التقوى حتى يمسح من على قلوبهم غبار الطائفية والعرقية و.....

  • عبد الحكيم

    كلامك عن الرئيس المنتخب محمد مرسي يناقض الواقع لأن هذا الرئيس ضحى بنفسه من أجل حق الشعب في اختيار ممثليه و تمسك بروح المسؤولية بعدما انقلب عليه الملعون السيسي اما التناقض الثاني في كلامك فهو عندما تستدل أن أمريكا تقف ضد مصر و الحقيقة عكس ذلك فهي تعين مصر على انقلابها ضد الشرعية ..كفاكم كذبا و قلبا للحقائق.

  • صالح ـ باتنة

    لو كان في مقدورنا لبنينا جدارا عازلا بيننا وبين هؤلاء الاعراب وكما قال ذات يوم الدكتور سعيد سعدي (مستقبلنا مع الشمال وتخلفنا ياتي من الشرق)

  • جمال

    السيد قلالة العرب غير نادمين على ما فعلوا بل سيستمرون في ذلك لأن التدمير والخراب هدفهم الرئيس وأنا متأكد أنك تعرف جيدا وتعي جيدا ما قاله إبن خلدون بشأن متلازمة العرب والخراب . عندما يأتي العرب للجزائر ليس ندما على ما خربوا ولا إعترافا للجزائر بسداد رأيها بل لإقناع الجزائر أن تصبح "عربية" مثلهم !

  • د.أميمة أحمد

    الدكتور سليم قلالة المحترم ، لقد سردت محطات في تاريخ المنطقة العربية منذ انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية 1979 وما تبعها الحرب العراقية الإيرانية في سبتمبر 1980 ، إلى اليوم
    لقد اجتزأت الأحداث لتبرير موقف الجزائر إزاء تلك المنعطفات التاريخية كان حضورها كبيرا يوم احتضنت اتفاقية 1975 بين العراق وإيران ، ويوم لعبت دورا في حل الحرب العراقية الإيرانية ،منذ حرب الخليج الثانية بعد غزو العراق للكويت،ثم الغزو الأمريكي للعراق،والاحتلال الأمريكي للعراق وماتلاه، كان المأمول من الجزائر كثيرا لتاريخها.

  • بلقاسم

    اتمنى ان يقرأ هذه المرافعة وزير خارجيتنا في شرم الشيخ و بارك الله فيك.

  • دوادي

    هل كان عليهم الانتظار ليزكم الرماد الذي خلفته النيران التي ظنوا أنهم سيتدفئهم و ان لهبها لن يصلهم ليتحركوا ، فإن كانوا يريدون منا لعب دور المطافيء فالتكن خاتمة المفال ردهم " ونحن لا نريد منهم سوى أن يعيدوا قراءة مواقفنا السابقة، أو يتركوننا وشأننا ما دمنا في نظر بعضهم غير عرب أو لا نُفكّر مثل العرب".

  • لا يهم

    نحن عرب و لاكن تفكيرنا يختلف عن تفكيرهم وهذا ربما راجع للاحتلال الذي تعرضت له الجزاير على على مر التاريخ و الفرنسي بالأخص و تأثيره على العقلية الجزايرية اغلبية الجزايرين ناس تقدميين و قوميين و ثوريين و غير طائفيين و الجزايري لا يطعن في الظهر ابدا و لا يتخاذل و يكره الغطرسة و التبعية و لا ينحني و كل هذا الصفات الحميدة بالنادر تجدها عند العرب الآخرين

  • kader

    فليدعونا و شأننا ... لا حاجة لنا بهم... الأعراب أشد كفرا و نفاقا..

  • mouhamed

    merci

  • بدون اسم

    أي و الله، كما قلت أستاذ:"يبدو أن هذا ما أصبح يريده العرب من الجزائر.. وفقط هذا.. ونحن لا نريد منهم سوى أن يعيدوا قراءة مواقفنا السابقة، أو يتركوننا وشأننا ما دمنا في نظر بعضهم غير عرب أو لا نُفكّر مثل العرب..."

  • د/محمد قاسم

    احترم كثيرا الشعب الجزائري البطل في كفاحه ولك لا اعرف موقف الكاتب من ثورة 30 يونيو في مصر بهذا الشكل ياسيدي ان ثورة 30 يونيو هي اكبر خروج جماهيري في تاريخ البشر ومرسي هذا وجماعته اداة طيعة في يد الغرب والا اسال نفسك لماذا تقف أمريكا ضد مصر الأن لتناصر جماعة الإخوان الارهابية، ولماذا تقف القناة الفضائية المشبوهة التي ساهمت في خراب البلاد العربية مع هذه الجماعة، أرجو أن تصحح معلوماتك وألا تأخذها من الخونة المارقين أمثال علاء صادق.

  • Algerien non arabe

    Et on ouvre un nouveau chapitre au Yemen. Les pays du Golfe font la guerre au Yemen maintenant.