-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مالك حداد في سباق الانتخابات التشريعية

أمين الزاوي
  • 3576
  • 4
مالك حداد في سباق الانتخابات التشريعية

ما أحكيه لكم ليس بنكتة، هي الحقيقة بعينها، مرات كثيرات يريد المبدع المثقف أن يلعب في ملعب غير ميدانه، فيكون اللعب شبيها بمسرحية ساخرة ودرامية.

أحدثكم عن مصير كاتب اسمه مالك حداد، روائي وشاعر، حساس وشفاف، بعضكم يكون قد اطلع على بعض من نصوصه الروائية أو قصائده ومن بينها أذكركم بـ “الانطباع الأخير” ،”سأهبك غزالة،التلميذ والدرس” ،”رصيف الأزهار لا يجيب” و

أحدثكم عن مالك حداد عاشق قسنطينة التي خلدها في قصائده ورواياته، فكان وادي الرمال نقطة ارتكاز عاطفي للكاتب في الكتابة وفي الحياة.

في العام 1977 قرر مالك حداد أن يلعب في ملعب السياسيين وهو الذي لم يتمرن سوى على رياضة الكتابة والقراءة ومعاشرة الكتب وامتطاء الطائرات الورقية للأحلام، وبذلك أقدم على الترشح للانتخابات التشريعية في صفوف حزبه، زمن الحزب الواحد.

من موقع متفرج خارجي، نقول: ما أسعد حزبا يكون في صفوف مناضليه والمنتسبين إليه كاتب بحجم مالك حداد، كما كان الشاعر أراغون مفخرة بالنسبة للحزب الشيوعي الفرنسي، حين كان هذا الحزب حزبا، فتنظيم سياسي يملك في صفوفه كاتبا عالميا اسمه مالك حداد هذا حدث تاريخي.

من موقع ومنطق المراقب الخارجي أيضا نقول: سيرفع الحزب هذا المبدع ليضعه في بؤبؤ العين، وسيجلسه المقاعد الأولى، إذ بمنح مالك حداد مكانة محترمة يرتفع الحزب درجات في عين التاريخ.

أحدثكم عن مالك حداد وهو الأديب المتسامح المتصالح الحضاري المتحضر والذي كان يختلف مزاجا وحدة وسلوكا عن كاتب ياسين الذي كان عنيدا صلبا ثائرا رافضا، وعلى الرغم من هدوئه وطاعته إلا أنه لم يكن مرغوبا فيه من قبل كثير من دوائر السلطة.

ويعود هذا النفور من المثقفين إلى زمن الثورة، إذ كان يُنظر إلى المثقف بعين الريبة والشك والخوف وعدم الثقة من قبل القيادة العليا، وتاريخ الثورة يخفي كثيرا من أسرار هذا الصراع الذي وصل حد التصفيات الجسدية، مارسها السياسيون ضد المثقفين.

ولعل مصطلح “بُوعَرِّيفْ” الذي يطلقه السياسيون على المثقف له ظلال كثيرة تبين الحذر من فكر “المثقف” وتكشف في الوقت نفسه “الاستهزاء” بأفكار ومفاهيم “المثقف”.

وكلمة بُوعَرِّيفْ” هذه تعني فيما تعنيه، صاحب “لْفْهامَة” التي لا تدر نفعا ولا طائل من ورائها، وهي تعني أيضا “صاحب” الأفكار والفهوم التي لا علاقة لها بالواقع، بطبيعة الحال الواقع كما يراه ويتصوره السياسي، وأعتقد أن بعض المثقفين الذين استطاعوا البقاء والتعايش والعيش داخل دوائر السياسيين الجزائريين قد تنازلوا عن كثير من حسه الثقافي” وتخلوا عن “رؤيتهم النقدية” الثقافية للتاريخ والواقع، وأذكر من ذلك مثلا: مصطفى الأشرف ورضا مالك ود. أحمد طالب الإبراهيمي وأسماء أخرى… إني أشعر أن هؤلاء، على اختلاف توجهاتهم، لو أنهم احتفظوا بجلدهم الثقافي وبمواقعهم الفكرية لكانوا قدموا للجزائر، ربما، أكثر مما قدموه لها من خلال مواقعهم السياسية التي حَصَروا وحَشَروا فيها أنفسهم وأقلامهم، وبالتالي قيدوا فكرهم وأصبحوا يشتغلون داخل آلة سياسية لا ترى فيهم سوى الاستعمال الوقتي حتى إشعار آخر.

وأعتقد أن الخوف من المثقف لم يتبدد بعد، بل لا تزال الطبقة السياسية الحاكمة في الجزائر تنظر إلى هذا الـ”بُوعَرِّيفْ” نظرة تساؤل واستهجان وحذر.

في العام 1977 قرر الروائي والشاعر مالك حداد الترشح للانتخابات التشريعية، واختار أن يتقدم لهذه الانتخابات في مدينة قسنطينة التي خلدها في كل رواياته وفي شعره، فكانت هواءه ونفَسَه، وعلى الرغم مما أعطاه هذا الكاتب لهذه المدينة التي أصبحت جزءا منه وأضحى رمزا من رموزها، كما هو الشيخ عبد الحميد بن باديس، ومع ذلك لم ترحم قسنطينة الشاعر ولم تستطع أن تخلصه من نظرة الـ”بُوعَرِّيفْ” التي كان ينظر بها إليه من قبل حزبه. وأخفق مالك حداد في الانتخابات، ويقول الدكتور عبد حمادي ويؤكد ذلك الروائي بقطاش مرزاق، إن هذا السقوط في الانتخابات أثر عليه نفسيا وبشكل بالغ هو الذي عجل برحيله في جوان 1978.

منذ إخفاق مالك حدا في الدخول إلى قبة البرلمان بعد أن خانته مدينته قسنطينة، أزيد من ثلاثة عقود مرت، مئات الأسماء، بل الآلاف، من “البرلمانيين” أتعبوا كراسي قاعة المجلس الشعبي الوطني (البرلمان أو الغرفة السفلى) بالتداول والقعود، بعضهم رحل والآخر لا يزال، ولكن من منكم يستطيع أن يتذكر اسما خالدا خلود اسم مالك حداد؟ وهو الذي حتى من تحت التراب لا يزال يرفع تراب الجزائر إلى مراتب التقديس.

صحيح إن مالك حداد الـ “بُوعَرِّيفْ” لم يدخل البرلمان لكن برلمانه كما سلطانه لا يزالان مستمرين بين ملايين قرائه الموزعين على العالم وفي كل اللغات.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • salime salime

    هذا زمن الرداءة و الشكارة لا مكان فيه للمثقف و العالم . فاللهَ نسأل أن يصلح أحوال البلاد و العباد .

  • دحمان

    أنا من يحترم أمين الزاوي بثقافته و تمرده لكن يؤلمني جدا عندما أراه يكرر دون غوص و تمحيص في قضية المثقف و الثورة قائلا :
    " ويعود هذا النفور من المثقفين إلى زمن الثورة، إذ كان يُنظر إلى المثقف بعين الريبة والشك والخوف وعدم الثقة من قبل القيادة العليا، وتاريخ الثورة يخفي كثيرا من أسرار هذا الصراع الذي وصل حد التصفيات الجسدية، مارسها السياسيون ضد المثقفين."
    هل فعلا صفت الثورة المثقف ؟ و كيف انتصرت اذن ؟

  • رشيد لكحل

    ان الثقافة تهذيب للنفوس وصقلها نحو الاحسن. والمجنمع الجزائرى لجد محتاج الى ثقافة واعية.تغرس فيه القيم النبيلة. كالتسامح والاخوة وتبادل الراى.ونبذ سياسة الاقصاء والعنف التى تفشت فى اشباه المثقفين من حملة الشهادات العلبا الذين يريدون للاسف تطبيق سياسة االاحتكار الثقافى اوالتوريث الثقافى او التسلط السياسى.لذلك نتمنى ان يطهر فى وطننا امثال مالك جداد ومالك بن نبى ومولود قاسم وعبد الحميد بن بادس فى هذا الزمن الذى كثرت فيه العواصف السياسية فى العالم الاسلامى والعربى .واننا لمتفائلون بمستقبل زاهر .وشكرا

  • canari

    الخوف كل عل الخوف على المثقف حين يجلس قبالة الجمهور في الحملة الانتخابية فيحرجه من سبقه بالتزمار و التطبيل و الكلام الغير مفهوم و يعطيه الكلمة فيجد نفسه مرغما على النزول بالمستوى إلى الحضيض و إلا كان كالأطرش في الزفة و لن يفهم أحد ما يقول.