الرأي

“ماليا” وإخوتها

الذين اشترطوا بلوغ أي جزائري المجد، في أي مجال في الحياة، ضرورة سلوكه الدرب الفرنسي، عليهم أن يُغيّروا قناعتهم، فكل الومضات والابتسامات ونسائم الربيع، التي تهبّ علينا بين الحين والآخر من وراء البحر، تأتي من بلدان أخرى دون فرنسا، التي صارت تقدّم كمّا من الجزائريين دون نوعية، عكس ما يحدث في بلاد أخرى، ولن يختلف معنا أحد عندما نقول على سبيل المثال، بأن لاعب الكرة رياض محرز، لو بقي طول عمره الكروي في فرنسا ما نال لقب أحسن لاعب في ناديه، وها هو الآن على عتبة أن يكون أحسن لاعب في انجلترا، البلاد التي علّمت فرنسا لعب الكرة، وهي حلم أي نجم كروي فرنسي.

ولم تخطئ عائلة بوعطية الجزائرية، عندما تفادت فرنسا، واختارت الهجرة إلى لندن في سنوات الجمر التي عاشتها الجزائر، فتمكنت ابنتها “ماليا” من انتزاع قيادة قرابة ثلاثة ملايين طالب جامعي، بعد انتخابات طلابية ما كانت لتبلغها لو عاشت في فرنسا، خاصة وأن الشابة “ماليا” معروف نشاطها المعادي للصهيونية وللكيان الإسرائيلي، كما نجح المصارع الجزائري سليم بوقفة في أن يقود من لندن أبناءه الثلاثة، ليكونوا أبطالا عالميين في الملاكمة البرازيلية، وجميعهم يحملون أسماء صارت تعتبر جريمة في فرنسا، وهي عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب، وسيف الإسلام حمزة.

لا يعني هذا بأن بريطانيا هي جنة المهاجرين، ولا يُظلم على أرضها أي جزائري، ولا يعني دعوة لأجل الهجرة، ولكن الواقع أكد في السنوات الأخيرة بشكل جليّ، بأن ما يعانيه الجزائريون في فرنسا تجاوز كل التوقعات، فإذا كانت تركيا قد استفادت من جاليتها القوية في ألمانيا، واستفادت المغرب من جاليتها القوية في بلجيكا وهولندا، فإن الجزائر مازالت تنتظر دور مهاجريها، لأجل أن يساهموا ماديا وعلميا في نهضة البلاد، أو على الأقل أن تتمتع بهم عن بعد، وهم يصنعون الحدث في بلاد فرنسية لا تشجع سوى أمثال فرحات مهني وبوعلام صنصال، من الذين يحملون معاول الهدم، ويتحيّنون أي فرصة للإجهاز على مكوّنات الأمة وتماسكها.

سيطير مساء اليوم من مدينة ليستر الصناعية، الجزائري رياض محرز عبر طائرة مروحية إلى عاصمة الضباب، وقد يفوز بجائزة أفضل لاعب، وينتزع اللقب من خمسة أوروبيين بين فرنسيين وألماني، وأيضا لاعبين دوليين إنجليزيين مقبلين على تمثيل انجلترا في كأس أمم أوروبا في الصيف القادم، ولا نظن أن جزائري واحد، بل وفرنسي واحد، كان سيمنح فرصة ضئيلة لرياض محرز للفوز باللقب لو كان هذا المشهد في باريس، وفي منافسة لاعبين فرنسيين، هذا إذا كان رياض قد واصل اللعب أصلا ولم يحوّل لعالم “التسكّع”، حيث وصفه رئيس نادي مارسيليا بالمهرج، وسخر من الذين اقترحوا عليه ضمه لصفوف فريقه، والفرنسيون يعلمون بأن نادي ليستر يتواجد في مقدمة ترتيب أقوى دوري في العالم، ونادي مارسيليا يتواجد في المركز الخامس عشر، بفارق ست وأربعون نقطة، عن رائد دوري فرنسي، لا يتابعه.. حتى الفرنسيون؟

مقالات ذات صلة