ما بعد بن لادن؟
لم يعد ينقص أمريكا سوى أن توزّع صكوك الغفران على من تريد لتقول للعالم: إنها بقدر ما تحكّمت في دنياهم صارت تختار لهم نهايتهم شكلا ومضمونا، تشنق من تريد وتُغسّل من تريد بمياه المحيطات، وتدفن من تريد في ظلمات البحر، وننسى نحن ـ ونتناسى ـ أنه لا تدري نفس بأي أرض تموت، وأينما تكونوا يدرككم الموت، وكل من عليها فان، وتلك الأيام نداولها بين الناس، فصنعنا من هذا البلد صنما منحناه العصمة كلّها والقرابين كلّها، وصرنا نسمّي الأشياء كما يسميها، فنلعن من يلعنه، ونبارك من يباركه، ولا نرى إلا ما يريدنا هو أن نرى!
- في كل دول العالم لا يُحكم على الفرد ولا يحاكم إلا من قضاء بلده، إلا في أمريكا، فهي التي باركت تسمية أسامة بن لادن بالمجاهد، عندما كان يقتل الشيوعيين، تماما كما باركت تسمية صدام حسين بالقائد القومي، عندما كان يقتل الشيعة الإيرانيين في الخليج، وباركت إلتفاف “مجاهدي” العالم الإسلامي من حول أسامة بن لادن من أجل وقف المد الشيوعي، كما باركت إلتفاف القوميين والبعثيين في العالم العربي حول صدام حسين، من أجل وقف المد الشيعي، فقُتل مئة ألف شخص في حرب أفغانستان، ومليون شخص في حرب الخليج الأولى، والولايات المتحدة تتفرج وتمنح للفاعلين الألقاب والنياشين، إلى أن تعرضت مصالحها في شرق آسيا وغربها للخطر، فتغيّرت الألقاب فصار أسامة بن لادن إرهابيا وصدام حسين ديكتاتورا، وهي ألقاب انتقلت بسرعة من القاموس الأمريكي إلى القواميس العربية مترجمة حرفيا وفعليا، فبعد أن كان أسامة بن لادن يتلقى المساعدات من الأمراء الساهرين على نجاح تجارته، وكان صدام حسين يتلقى السلاح من الزعماء الطامعين في صموده، فتغيرت الأوضاع وانقلبت، ولم يبق الآن من أجندة “الإرهاب” سوى حسن نصر الله الضلع الأخير من ثالوث “الإرهاب” السلفي والبعثي والشيعي، الذي طلبته أمريكا وتمكنت من أن تفرقه قبائل وشيعا، فسادت وحققت أهدافها.
- عندما هاجر أسامة بن لادن إلى أفغانستان للجهاد، كانت أمريكا في زمن جيمي كارتر تحارب المعسكر الشرقي، وعلى مدار ثلاثين عاما، تفكك العالم الإسلامي وتميّع، وما تغيرت السياسة الأمريكية من ريغن إلى بوش الأب إلى كلينتن ووصولا إلى بوش الإبن وأوباما، لأجل بناء بلد لا تغرب عنه الشمس، يريد أن يحتكرها، فتطلّ على الدولة العبرية وتحرق كل مسلم، سواء كان سنيا سلفيا تدفنه في البحر، أو بعثيا تشنقه في عيده الكبير، فعندما كانت الولايات المتحدة تعلن انتصارات المجاهدين الأفغان والعرب أمام السوفيات.. لا أحد كان يتصور هاته النهاية التي عوّضت الشيوعيين وسلفيي طالبان من بعدهم بالأمريكان على أرض أفغانستان، وعندما كانت أمريكا تعلن انتصارات البعثيين العراقيين وعرب الجوار أمام إيران.. لا أحد كان يتصوّر هاته النهاية التي عوضت الشيعة بالأمريكان في أرض العراق، والذين هلّلوا لشنق صدام حسين في عيد الأضحى، وهلّلوا لدفن أسامة بن لادن في البحر في عيد العمال من دون تغسيل ولا صلاة، عليهم أن يعلموا أن مسلسل الشنق والدفن لم ينته بعد.. وإذا كان المثل يقول: “أُكلت يوم اُكل الثور الأبيض” فإن ما بقي من ثيران ستُؤكل مهما كانت ألوانها.. هذا إن بقي في العالم الإسلامي ثور واحد؟