الرأي

ما‮ ‬هي‮ ‬قصتكم‮ ‬مع‮ ‬التربية‮ ‬الإسلامية؟

عبد القادر فضيل
  • 5362
  • 31

ماذا يعني المقترح الذي تروّج له فيدرالية جمعيات أولياء التلاميذ؟ ومعهم بعض المفتشين (مفتشي التربية) حسبما ورد في جريدة الشروق يوم 28 أكتوبر 2012، المقترح هو إلغاء التربية الإسلامية من المناهج التعليمية وتعويضها بما سمّوه تربية مرورية.

 

وقبل أن أعلق على الموضوع أذّكر القارئ بحقيقة يعرفها وهي، أن التربية الإسلامية دخلت برامج التعليم عندنا عام 1962 (بعد الاستقلال مباشرة)، والآن بعد 50 سنة من دخولها برنامج المدرسة، يحاول البعض إخراجها من البرنامج وتعويضها بمعلومات تتعلق بقوانين المرور؟ ماذا أصاب‮ ‬القوم؟‮ ‬إنهم‮ ‬يحاولون‮ ‬عبثا‮ ‬أن‮ ‬يدفعوا‮ ‬الوزير‮ ‬إلى‮ ‬اتخاذ‮ ‬إجراءات‮ ‬تقوض‮ ‬أركان‮ ‬النظام‮ ‬التعليمي‮ ‬وتهدمه‮ ‬من‮ ‬الأساس‮ ‬أو‮ ‬تزيده‮ ‬تدهورا؟

لقد‮ ‬فعلوا‮ ‬هذا‮ ‬من‮ ‬قبل‮ ‬مع‮ ‬وزير‮ ‬التربية‮ ‬السابق‮ ‬حين‮ ‬أقنعوه‮ ‬بإلغاء‮ ‬شعبه‮ ‬العلوم‮ ‬الشرعية‮ ‬من‮ ‬شعب‮ ‬التعليم‮ ‬الثانوي،‮ ‬ونفذ‮ ‬هذا‮ ‬الإجراء‮ ‬رغم‮ ‬المعارضة‮ ‬الشديدة‮ ‬التي‮ ‬أبدت‮ ‬استياءها‮ ‬للإجراء‮.‬

تمنينا أن يكون موقف نقابة التربية التي قرأنا تعليقها يوم 29 أكتوبر 2012، تمنينا أن يكون أكثر صرامة وأكثر وضوحا ما ورد في التعليق على هذا المقترح، إذ لا يكفي التحذير والتنبيه وبيان الخطأ، إن الأمر يحتاج إلى التشنيع والتنديد بهذا المقترح الذي يبين ضعف تفكير من‮ ‬ينادون‮ ‬به،‮ ‬وابتعادهم‮ ‬عن‮ ‬القضايا‮ ‬التربوية‮ ‬الجوهرية‮.‬

ومما يؤسف له أن الآراء التي وردت في تعليق نقابات التربية على هذا المقترح لا تطرح الموضوع طرحا صحيحا، ولا تعبر عن فكر تربوي ناضج، وموقف نقابي سليم، وكل ما يستخلص منها أن مسؤولي النقابة ليسوا على رأي واحد في موقفهم من هذا المقترح، فبعضهم يرى ضرورة إدراج التربية المرورية كمادة مستقلة في البرنامج الرسمي: (المكلف بالتنظيم يحياوي قويدر)، وبعضهم يتحفظ على ذلك، ولكن لا يمانع من إدراجها ضمن الحصص التعليمية في شكل نصوص مدمجة مع اللغة العربية، أو مع الرياضيات (المكلف بالإعلام مسعود بودينة)، ولكنهم جميعا ومعهم رئيس الاتحاد‮ ‬الوطني‮ (‬صادق‮ ‬دزيري‮) ‬لا‮ ‬يمانعون‮ ‬من‮ ‬أن‮ ‬تخصص‮ ‬لها‮ ‬حصة‮ ‬تعليمية‮ ‬ضمن‮ ‬البرنامج‮ ‬الأسبوعي،‮ ‬ولكن‮ ‬يلتقون‮ ‬في‮ ‬نقطتين‮:‬

الأولى‮: ‬يرفضون‮ ‬أن‮ ‬تأخذ‮ ‬حصّة‮ ‬التربية‮ ‬الإسلامية‮ (‬وهذا‮ ‬جميل‮).‬

الثانية: يرون إدراج هذه المادة منذ السنة الأولى، وتستمر إلى نهاية السنة الثالثة، وهذا هو الطرح الغريب، فماذا يقدم للتلاميذ مدة اثنتي عشرة سنة؟ هل المضامين التي يجب أن يعرفها من يهيئون لمعرفة قواعد السير وقوانين المرور تتطلب هذه المدة كلها؟ ثم ما الفائدة التي‮ ‬يجنيها‮ ‬تلميذ‮ ‬المدرسة‮ ‬الابتدائية‮ ‬وحتى‭ ‬المتوسطة‮ ‬من‮ ‬هذه‮ ‬الدراسة؟

لذا قلت في البداية إن هذه الآراء، لا تستند إلى فكر تربوي ناضج، لو فكّر هؤلاء جيدا لوجدوا أنفسهم وهم يناقشون الموضوع، أنهم بعيدون عن المهام المنوطة بهم سواء أكانوا نقابيين أم مفتشين، أم ممثلي أولياء التلاميذ؟

إن بناء المناهج، وتصميم العمل المدرسي ليس من مهامهم، ولا ينبغي أن يشغلوا أنفسهم به، لكنهم يستطيعون أن يلاحظوا الاختلالات التي يرونها في بناء المناهج، وفي نوع المضامين المقررة، كان بالإمكان أن يعكفوا على دراسة المواد المقررة في الابتدائي مثلا، ليروا هل هي ملائمة لمستوى المتعلمين؟ وهل يمكن للتلميذ في السنة الأولى أن يلم بمضامين التربية العلمية، والتربية الموسيقية، والتربية المدنية، وما يضاف إليها؟ وهل المعلم الذي يكلف هذه الأنشطة متمكن منها، وقادر على تلقينها تلقينا صحيحا؟

لو عكفوا على دراسة المواد المقررة لوجدوا أن التلميذ في السنوات الأولى يدرس (10) مواد تعليمية، وحين ينتقل إلى السنتين (4 و 5) يصبح مكلفا بدراسة (12) مادة، فهل في إمكان التلميذ أن يهضم هذه المواد؟

وهل‮ ‬في‮ ‬إمكان‮ ‬المعلم‮ ‬أن‮ ‬يلم‮ ‬بالمعلومات‮ ‬التي‮ ‬تتضمنها‮ ‬هذه‮ ‬المواد‮ ‬كلها،‮ ‬هذه‮ ‬هي‮ ‬الأمور‮ ‬التي‮ ‬نود‮ ‬أن‮ ‬نسمع‮ ‬كلاما‮ ‬عنها،‮ ‬وليس‮ ‬المطالبة‮ ‬بإدراج‮ ‬مادة‮ ‬لا‮ ‬تفيد‮ ‬التلاميذ‮ ‬في‮ ‬شيء‮.‬

وقبل أن أستمر في التعليق على الإشكال المثار، أتساءل مع المتسائلين: ماذا يعني هذا المقترح؟ فالجواب واضح هو أنهم يريدون القول بأن حاجة أبنائنا في المدرسة إلى معرفة قوانين السير أكثر من حاجتهم إلى معرفة دينهم، وسيرة نبيهم، وحقائق قرآنهم، وإلا فما معنى المطالبة‮ ‬بإلغاء‮ ‬التربية‮ ‬الإسلامية‮ ‬وتعويضها‮ ‬بمعلومات‮ ‬تتعلق‮ ‬بقوانين‮ ‬المرور‮.‬

لقد اندهش جميع من قرؤوا هذا المقترح الذي صدر يوم 28 أكتوبر 2012 في جريدة الشروق ص 4 بعنوان: »مفتشو التربية أعدوا مقترحا سيعرض على الوزير قريبا”، والمقترح هو استبدال التربية الإسلامية بالتربية المرورية من المقرر التعليمي، هذا ما قرأناه في جريدة الشروق، ومنذ اللحظة الأولى وقفت مندهشا، وتساءلت ماذا أصاب هؤلاء؟ هل أصابتهم عدوى الوساوس والأوهام التي أصابت من يناقشون قضية الدِين في صلته بالمدرسة؟ وفي اللحظة ذاتها أخذت القلم وبدأت أسجل تداعيات الموضوع وما أثاره في نفسي، وتساءلت وقلت: وحتى أنتم أيها المفتشون! ومن معكم‮ ‬من‮ ‬المسؤولين‮ ‬في‮ ‬فدرالية‮ ‬جمعيات‮ ‬أولياء‮ ‬التلاميذ؟‮ ‬حتى‮ ‬أنتم؟‮ ‬فما‮ ‬قصتكم‮ ‬مع‮ ‬التربية‮ ‬الإسلامية؟

تطالبون‮ ‬بإلغائها‮ ‬من‮ ‬البرنامج‮ ‬التعليمي‮ ‬وتعويضها‮ ‬بموضوع‮ ‬سميتوه‮ ‬تربية‮ ‬مرورية،‮ ‬وهي‮ ‬ليست‮ ‬تربية،‮ ‬وإنما‮ ‬هي‮ ‬معلومات‮.‬

والملاحظ هنا أن صياغة المقترح غير سليمة لغويا، لأنها تعني أن التربية المرورية هي التي يقترح تركها وتعويضها بالتربية الإسلامية، وليس هذا قصدكم، فكلمة استبدال تعني طلب شيء بدل شيء آخر، والباء المتصلة بالمبدل منه (وهو المراد تركه) تجعل التربية المرورية هي التي‮ ‬يجب‮ ‬تركها‮ ‬وتعويضها،‮ ‬هذا‮ ‬ما‮ ‬يستفاد‮ ‬من‮ ‬الصياغة‮ ‬اللغوية،‮ ‬ولكنكم‮ ‬تريدون‮ ‬معنى‮ ‬آخر‮.‬

ولكن هل يجوز في مجتمع دينه الإسلام، وأهله مسلمون، هل يجوز أن يبعد أبناؤه عن تعلم دينهم، وعن الاطلاع على الحقائق والمعلومات التي تشرح هذا الدين، وتربيهم على أصوله؟ لا نظن أن هناك عاقلا يرى هذا الرأي.

فلو‮ ‬فكرتم‮ ‬في‮ ‬واقع‮ ‬المدرسة،‮ ‬وفي‮ ‬الوضع‮ ‬الذي‮ ‬أصبح‮ ‬عليه‮ ‬التعليم‮ ‬لوجهتم‮ ‬اهتمامكم‮ ‬إلى‭ ‬أمور‮ ‬أخرى‮.‬

إن حاجة المدرسة اليوم ليست في إضافة مادة جديدة، أو تعويض مادة بأخرى، إنما حاجتها إلى إجراءات بيداغوجية تعالج الضعف الذي تعانيه قضايا التعليم عموما، وقضايا التعليم الابتدائي خصوصا، فالقضايا الملحة التي تنتظر منا العناية بها، هي التفكير في المسائل البيداغوجية،‮ ‬وليس‮ ‬التفكير‮ ‬في‮ ‬إدراج‮ ‬موضوعات‮ ‬تريدون‮ ‬من‮ ‬ورائها‮ ‬معالجة‮ ‬مشكلة‮ ‬تتعلق‮ ‬بالحياة‮ ‬المدنية‮ ‬على‭ ‬حساب‮ ‬قضايا‮ ‬تعليمية‮ ‬جوهرية‮.‬

ثم ما علاقة جمعيات أولياء التلاميذ بالمسائل البيداغوجية، والقضايا التعليمية المحضة؟ هذه مسائل تتجاوز الدور المنوط بها، لأن مهمتها محصورة في إعانة إرادة المدرسة على تحسين أوضاع التمدرس، وتوفير بعض الإعانات للتلاميذ المحتاجين، والمكافآت للمتفوقين، ومن مهامها‮ ‬توثيق‮ ‬الروابط‮ ‬بين‮ ‬المدرسة‮ ‬وأولياء‮ ‬التلاميذ‮.‬

والمفتشون‮ ‬الذين‮ ‬ذكرت‮ ‬الجريدة‮ ‬على‭ ‬لسان‮ ‬رئيس‮ ‬فيدرالية‮ ‬جمعيات‮ ‬أولياء‮ ‬التلاميذ‮ ‬أنهم‮ ‬هم‮ ‬من‮ ‬أعدوا‮ ‬هذا‮ ‬المقترح‮ ‬الذي‮ ‬سيعرض‮ ‬على‭ ‬الوزير‮. ‬

نتساءل: من هؤلاء المفتشون؟ فالمفتشون أنواع، منهم العاملون في مستوى المراحل التعليمية، ومنهم العاملون بحسب الاختصاص، وهناك فئة منهم تعمل في المستوى المركزي، ولا أظن أنهم اجتمعوا وفكروا وقرروا، وإذا حصل هذا فعلى الدنيا السلام!

لا أعتقد أن هؤلاء هم من المفتشين الذين يعيشون قضايا المدرسة، لأنهم لو كانوا من هذا النوع لما أقحموا أنفسهم في موضوع يقلل من مستواهم، ويبعدهم عن مهامهم، ويجعلهم بعيدين عما يشغل المنظومة التربوية، فالمهام التي تنتظرهم كثيرة، والقيام بها أولى من هذا الذي فكروا‮ ‬فيه،‮ ‬إذا‮ ‬كانوا‮ ‬يملكون‮ ‬القدرة‮ ‬على‮ ‬القيام‮ ‬بها،‮ ‬فالمعلمون‮ ‬بحاجة‮ ‬إلى‮ ‬توجيهاتهم،‮ ‬والدروس‮ ‬التي‮ ‬تنجز‮ ‬في‮ ‬المدرسة‮ ‬بحاجة‮ ‬إلى‭ ‬من‮ ‬يشرحها،‮ ‬ويشرح‮ ‬الأسس‮ ‬التي‮ ‬تقوم‮ ‬عليها‮.‬

فالمطلوب‮ ‬منهم‮ ‬أن‮ ‬يعيشوا‮ ‬وقائع‮ ‬المدرسة،‮ ‬ويعينوا‮ ‬المعلمين‮ ‬المبتدئين،‮ ‬ويشرحوا‮ ‬لهم‮ ‬طبيعة‮ ‬التعلّم،‮ ‬والصعوبات‮ ‬التي‮ ‬تواجه‮ ‬المتعلمين‮.‬

وفي هذا السياق نسائل جريدة الشروق التي تلقفت الاهتمام، وقدمته إلى القراء، وأثارت زوبعة في أوساط المربين، نسائلها: هل جاءتها المعلومات عن طريق فئة من المتفتشين التي اتصلت وغبزت عن هذا الاهتمام، أم اعتمدت الجريدة على ما قاله رئيس الهيئة الممثلة لجمعيات أولياء‮ ‬التلاميذ‮ ‬الذي‮ ‬نسب‮ ‬الفكرة‮ ‬إلى‭ ‬المفتشين؟

وفي كل الأحوال لا يجوز لأي منهما أن يثير هذه الزوبعة، ويطرح قضية تربوية، يرجع الأمر فيها إلى المسؤولين في وزارة التربية، وإلى المجلس الوطني للبرامج، أو إلى المجموعة المتخصصة التي يكلفها الوزير بترجمة المبادئ التي يقوم عليها النظام التعليمي الوطني، من خلال أنشطة‮ ‬مدرسية‮ ‬غايتها‮ ‬بناء‭ ‬الإنسان‮. ‬وترسيخ‮ ‬الاهتمام‮ ‬بالثوابت‮ ‬الوطنية‮.‬

والآن أخاطب هؤلاء وأقول لهم: إن كان هدفكم إفادة التلاميذ ما هم بحاجة إليه، فكان عليكم أن تقترحوا إجراءات بيداغوجية، ترمي إلى تحسين ظروف التمدرس، وتمكن أبنائنا من الاستفادة الكاملة من البرامج الرسمية، كان ينبغي أن يتجه الاهتمام إلى إيجاد معلمين مؤهلين قادرين على تدريس بعض المواد التي هي مبرمجة ضمن المنهاج، ولكن التلاميذ لا يستفيدون منها، كان بالإمكان تقديم اقتراحات توجه اهتمام القائمين على التعليم إلى إيجاد معلمين قادرين على تدريس التربية البدنية، والتربية الموسيقية، والمواد الفنية ( التربية التشكيلية) لزن هذه المواد موجودة في المناهج، ولكن لا أحد يعلمها تعليما صحيحا، وفي كثير من المدارس لا تعلم أصلا، لأن المعلمين العاملين ليست لديهم الخبرة العلمية والدراية المهنية الت تمكن المتعلمين من استيعاب هذه النشاطات، والإستفادة منها، لذا يبقى أبناؤها محرومين من المضمون التربوي الذي يستفاد من هذه الداختصاصات التي من شأنها تنمية الجوانب المكونة لصحة الإنسان وعمقه الوجداني، وتربية مواهبه، وصقل ذوقه وإحساسه، إن مثل هذه الاقتراحات تفيد التلاميذ وتحسن الوضع، أما ما قدمتموه واعتبرتموه تربية، فهو مجرد موضوع معرفي خاص بفئة معينة من أفراد المجتمع، لا يفيد التلميذ الذي ما يزال في المدرسة الإبتدائية أو المتوسطة، اللهم إلا إذا كان مرافقا لوالديه، أو كان يسير في الشوارع، ويلاحظ الحركة المرورية، ويتتبع الإشارات التي توجه من يقودون السيارات، مع العلم أن ما يتعلق بتنظيم حركة المرور يأخذون‮ ‬عنه‮ ‬معلومات‮ ‬في‮ ‬دروس‮ ‬التربية‮ ‬المدنية‮. ‬

لو وجهتم اهتمامكم إلى معالجة الضعف اللغوي الذي نلمسه في أحاديث المتعلمين من أبنائنا، وفي كتاباتهم، وقدمتم اقتراحات ترمي إلى رسم الخطة البيداغوجية التي يتبعها المعلمون من أجل ترقية الاهتمام باللغة، وتدريب المتعلمين على حسن استخدامها حديثا وكتابة، لو فعلتم ذلك لقدمتم خدمة للبلاد وللمدرسة، ولأسهمتم في معالجة الوضع اللغوي المتدهور، وهيّأتم الظروف التربوية التي ترفع مستوى الوعي اللغوي لدى المتعلمين الذي من شأنه أن يجعلهم حريصين على إتقان اللغة (لغتهم) والإعتزاز بها.

وأعود الآن إلى مساءلة أصحاب الإقتراح، ما هو الذي دفعكم إلى تقديم هذا المقترح، إن إجاباتكم هي كثرة الحوادث كما ورد في سياق المقترح، وهل تستطيع دروس التربية المرورية كما سميتموها أن تقلل من هذه الحوادث؟ إن كثرة الحوادث لا ترجع إلى الجهل بقواعد السير إنما ترجع‮ ‬إلى‮ ‬التهور‮ ‬في‮ ‬ممارسة‮ ‬السياقة،‮ ‬وفي‮ ‬عدم‮ ‬الالتزام‮ ‬بأخلاق‮ ‬السير‮ ‬في‮ ‬الطرقات،‮ ‬وترجع‮ ‬أيضا‮ ‬إلى‭ ‬عدم‮ ‬الحرص‮ ‬على‭ ‬مراقبة‮ ‬أوضاع‮ ‬السيارة‮ ‬وإلى‮ ‬عدم‮ ‬احترام‮ ‬القوانين‮ ‬المسطرة‮ ‬في‮ ‬هذا‮ ‬الشأن‮. ‬

ثم إن التلاميذ الذين تريدون تعليمهم هذه القواعد ليسوا بحاجة إليها ماداموا في الإبتدائي والمتوسط، وحتى لو علمناهم هذه القوانين لا يتغير الوضع، ولا تنخفض الحوادث، لأنهم ما يزالون لم يخرجوا إلى الحياة، ثم إن المعرفة لا تؤدي بالضرورة إلى الالتزام باحترام قواعد‮ ‬السير،‮ ‬فهناك‮ ‬أمور‮ ‬أخرى‮ ‬تتعلق‮ ‬بالجانب‮ ‬الأخلاقي‮ ‬والجانب‮ ‬الميكانيكي‮ ‬والنضج‮ ‬الإجتاماعي،‮ ‬فالمعرفة‮ ‬في‮ ‬حد‮ ‬ذاتها‮ ‬لا‮ ‬تجعل‮ ‬الإنسان‮ ‬ملتزما‮ ‬أخلاقيا‮ ‬ومحترما‮ ‬لواجباته‮.‬

وهناك الكثير من الناس من يعرفون ما يتعلق بالمخدرات ولكنهم يمارسونها أو يتاجرون بها، والكثير أيضا ممن يعرف أخطار الرشوة وموقف الدين منها، ولكنهم يمارسونها، فالقضية إذن ليس معرفة القواعد، فالقضية أساسها التشديد في تعليم قواعد السياقة، وفي نظام الإمتحان، الذي‮ ‬يؤهل‮ ‬المرء‮ ‬لنيل‮ ‬شهادة‮ ‬السياقة‮ ‬ثم‮ ‬الردع‮ ‬العقابي‮ ‬الذي‮ ‬يجب‮ ‬أن‮ ‬يسلط‮ ‬بكيفية‮ ‬رادعة‮ ‬على‮ ‬المتهورين‮ ‬والمتجاوزين‮ ‬والمستهينين‮ ‬بأرواح‮ ‬الناس‮. ‬

ومهما‮ ‬يكن‮ ‬فالسؤال‮ ‬الذي‮ ‬أوجهه‮ ‬إلى‮ ‬أصحاب‮ ‬الإقتراح،‮ ‬هل‮ ‬انتقلت‮ ‬إليكم‮ ‬عدوى‭ ‬الأمراض‮ ‬التي‮ ‬أصابت‮ ‬المسؤولين‮ ‬في‮ ‬الماضي‮ ‬حين‮ ‬قرروا‮ ‬إلغاء‮ ‬شعبة‮ ‬العلوم‮ ‬الشرعية‮ ‬من‮ ‬شعب‮ ‬التعليم‮ ‬الثانوي؟‮ ‬

وأولئك الذين دعوا إلى تخفيف برامج التربية الإسلامية وتقليص توقيتها، أم ماذا أصابكم؟ حتى أقدمتم على مثل هذا الاقتراح؟ الذي لا يفكر فيه عاقل من العقلاء، والغريب في الأمر أنكم تقترحون أن يقرر هذا الموضوع ويدرس في جميع سنوات التعليم، بدءا من السنة الأولى الإبتدائية إلى السنة النهائية من التعليم الثانوي. فماذا يدرس في هذه السنوات؟ لقد فهمنا السبب الذي دفع وزير التربية السابق في عام 2005م حين قرر إلغاء شعبة العلوم الشرعية وقلص توقيت التربية الإسلامية كما فهمنا السبب الذي دفع رئيس الحكومة في ذلك الوقت حين أسند بموقفه هذا القرار، ورفض أية مناقضة في الموضوع حين أجاب من عارضوه بأن هذا قرار الدولة ولا رجعة فيه (انظر تعليق عبد القادر فضيل في كتاب (المدرسة في الجزائر) عنوان التعليق: شيء من التواضع يا سيادة رئيس الحكومة، فقد كان السبب الذي دفع وزير التربية ومن معه ورئيس الحكومة هو أن الشعبة المقصودة شعبة تخصص، والتخصص في رأيهم يؤجل إلى التعليم العالي، أما الآن فلم نجد لهذا الاقتراح سببا مقبولا، علقت على هذا الموقف وعلى رد رئيس الحكومة في جريدة الشروق يومها وبينت أن الإصرار على هذا الموقف نوع من الاعتداء الصريح على أحد مقومات الأمة وثوابتها ثم إن هذا يؤكد أن المسؤولين عندنا لا يقيمون وزنا لشعور المواطنين، بل يستفزونهم أحيانا، ولا يقدرون العواقب المنجرة عن القرار المتخذ، وبينت في المقال نفسه أن ما أقدمت عليه الوزارة وأيده رئيس الحكومة هو تصرف أقل ما يقال عنه إنه استفزاز لمشاعر المواطنين، وتهجم صريح على أحد ثوابت الأمة، فهو يقلل من شأن مادة تعليمية لها قيمتها، وقد توقعت عند مناقشة الموضوع أمورا وقلت: إن إلغاء شعبة العلوم الشرعية ما هو إلا بداية ستتبعها إجراءات أخرى.

إن ما يجري التخطيط له في مجال مراجعة النظام التعليمي هو أكثر من حذف شعبة أو تهميش مادة، إنما هو بداية للسير في طريق لا نعرف نهايته، وأقل ما يؤدي إليه هذا الطريق هو إبعاد الدين عن المدرسة، أو جعل تعليمه في أحسن الأحوال مادة اختيارية لا تفرض على الطلاب، ولا يحاسبون على ترك الإهتمام بها، ويبدو أن الذين يخططون لبناء الأجيال حريصون على أن يكون المجتمع الجزائري مستقبلا صورة مستنسخة من المجتمع الأوروبي الحديث، الذي لا يعتبر الدين جزءا من حياته، وقلبا في الأخير، وفي هذا السياق لا نستبعد أن تفاجئنا الأيام ببعض القرارات‮ ‬التي‮ ‬يصعب‮ ‬على‭ ‬المرء‮ ‬أن‮ ‬يصدق‮ ‬مع‮ ‬وجودها‮ ‬أنه‮ ‬في‮ ‬الجزائر‮ ‬المستقلة،‮ ‬من‮ ‬هذه‮ ‬القرارات‮ ‬التي‮ ‬توقعت‮ ‬أن‮ ‬يفاجئنا‮ ‬القائمون‮ ‬على‭ ‬تسيير‮ ‬الدولة‮ ‬بها‮ ‬هي‮: ‬

1‮ ‬ـ‮ ‬جعل‮ ‬التعليم‮ ‬الديني‮ ‬مادة‮ ‬اختيارية‮ ‬

2‮ ‬ـ‮ ‬تضييق‮ ‬دائرة‮ ‬الاهتمام‮ ‬باللغة‮ ‬العربية‮ ‬

3‮ ‬ـ‮ ‬تهيئة‮ ‬الرأي‮ ‬العام‮ ‬لقبول‮ ‬تغيير‮ ‬يوم‮ ‬العطلة‮ ‬الأسبوعية‮ (‬الأحد‮ ‬بدل‮ ‬الجمعة‮) ‬وقد‮ ‬تم‮ ‬التمهيذ‮ ‬لهذا‮ ‬التغيير‮ ‬

4‮ ‬ـ‮ ‬التفكير‮ ‬في‮ ‬إجراء‮ ‬يمنع‮ ‬العاملات‮ ‬من‮ ‬ارتداء‮ ‬الخمار‮ ‬في‮ ‬بعض‮ ‬الدوائر

5‮ ‬ـ‮ ‬التراجع‮ ‬عن‮ ‬قانون‮ ‬منع‮ ‬استيراد‮ ‬الخمور‮ (‬وقد‮ ‬تم‮ ‬التراجع‮ ‬فعلا‮)‬

6‮ ‬ـ‮ ‬ترسيم‮ ‬اللغة‮ ‬الفرنسية‮ ‬لغة‮ ‬وطنية‮ ‬ثالثة‮ ‬وجعلها‮ ‬لغة‮ ‬نقل‮ ‬المعارف‮ ‬العلمية‮ ‬وتسيير‮ ‬مرافق‮ ‬الدولة،‮ ‬والمنزلة‮ ‬التي‮ ‬عليها‮ ‬هذه‮ ‬اللغة‮ ‬في‮ ‬التعامل‮ ‬الحياتي‮ ‬تؤكد‮ ‬هذا‮ ‬التوقع‮. ‬

7‮ ‬ـ‮ ‬وما‮ ‬نخشاه‮ ‬أن‮ ‬يتجه‮ ‬التفكير‮ ‬إلى‮ ‬تعويض‮ ‬الحروف‮ ‬العربية‮ ‬بحروف‮ ‬لاتينية‮ ‬كما‮ ‬فعلت‮ ‬بعض‮ ‬البلدان،‮ ‬ونحن‮ ‬نقترب‮ ‬من‮ ‬هذا‮ ‬التفكير،‮ ‬بدأنا‮ ‬بتغيير‮ ‬الرموز‮ ‬والمصطلحات‮ ‬العربية‮ ‬في‮ ‬دروس‮ ‬الحساب‮ ‬والرياضيات‮. ‬

8‮ ‬ـ‮ ‬قد‮ ‬يتجه‮ ‬التفكير‮ ‬إلى‮ ‬مراجعة‮ ‬القوانين‮ ‬المتعلقة‮ ‬بمسألة‮ ‬المواريث‮ (‬في‮ ‬الأحوال‮ ‬الشخصية‮). ‬

9 ـ قد يذهب الجنون ببعض المشرعين إلى المطالبة بإلغاء وظيفة الإمام من قائمة الوظائف العمومية لأنهم يرونها وظيفة غير منتجة، والحل عندهم هو أنه يمكن أن يقوم بإمامة المصلين أي واحد ممن يعمرون المساجد، وقد تخصص الولاية أحد المتمكنين من اللغة العربية أن يتولى صلاة‮ ‬الجمعة‮ ‬وأداء‮ ‬خطبتيها‮. ‬

هذا ما كنت توقعته يوم علقت على موضوع حذف شعبة العلوم الشرعية (انظر جريدة الشروق 26 جوان 2005م) الموضوع الذي طرح في مجلس الوزراء ونوقش مناقشة واسعة وخرج المجلس بتوصيات طبق بعضها وأهمل البعض (أنظر جريدة الشروق بتاريخ 03 أوت 2005م).

وحدث اليوم يندرج ضمن هذه التوقعات، وقد تشهد الأيام المقبلة جانبا من هذه التوقعات التي تمس المبادئ، ولكن المجتمع الجزائري الذي عرف كثيرا من المعاناة والمحن في أثناء الإستعمار، ولم يستسلم، لا يمكن لأبنائه اليوم أن يقودوه في اتجاه غير الاتجاه الإسلامي.

 

مقالات ذات صلة