-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ما أنتما بأقوى مني، ولا أنا بأغنى منكما

ما أنتما بأقوى مني، ولا أنا بأغنى منكما

من ساح في سيرة محمد – صلى الله عليه وسلم – وكان سليم الصدر، صحيح الفكر، سويّ النفس؛ آمن أن هذا الرجل هو أعظم من قذفته رَحِم، وأنبلُ من سارت به قدم، وأشرف من تناوله قلم؛ حتى لو لم يؤمن به نبيّا رسولا

لم‮ ‬يُعرف‮ ‬عن‮ ‬محمد‮ – ‬صلى‭ ‬الله‮ ‬عليه‮ ‬وسلم‮ – ‬لا‮ ‬قبل‮ ‬نُبوّته‮ ‬ولا‮ ‬بعدها‮ – ‬الأَثَرة‮ ‬والأنانيّة؛‮ ‬بل‮ ‬الذي‮ ‬عُرف‮ ‬عنه‮ ‬هو‮ ‬الإيثار‮ ‬ولو‮ ‬كانت‮ ‬به‮ ‬خصاصة‮.‬
لم‮ ‬يستغل‮ ‬محمد‮ – ‬عليه‮ ‬الصلاة‮ ‬والسلام‮ ‬‭-‬‮ ‬نُبوّته‮ ‬ليمتاز‮ ‬عن‮ ‬أصحابه‮ ‬في‮ ‬مأكل‮ ‬أو‮ ‬مشرب،‮ ‬أو‮ ‬ملبس،‮ ‬أو‮ ‬مسكن،‮ ‬أو‮ ‬مركب،‮ ‬أو‮ ‬مكسب‮.‬
ولم يستعل على الناس ويجعلهم “فقراء إليه”؛ بل علّمهم أن الناس جميعا فقراء إلى الله، وأنه أكثرهم فقرا إليه سبحانه، في حين وجدنا – ونجد إلي اليوم – مزكين لأنفسهم لايستحون أن يسموا مريديهم فقراء، مما يدل على أنهم “صَلْقَعٌ بَلْقَعٌ” من الأخلاق الإسلامية.
ولم يسترهب الناس لا بطلسم ولا برقية ليستحوذ على مافي أيدي الناس من مال ومتاع كما يفعل بعض تجار الرقية اليوم، الذين استغلوا الرقية الشرعية للإثراء، باشتراطهم مبالغ كبيرة على من يظنون فيهم خيرا فيلجأون إليهم؛ بل إن بعضهم صار يستنكف أن يرقي ضعاف الحال من الناس، ويقتصر في رقيته على ذوي المناصب العالية، والبطون الدّاحية، والقلوب الخالية، وقد تقدم هؤلاء “الرقاة” ففتحوا مواقع إليكترونية، وطبعوا بطاقات دوّنوا عليها سلسلة من الأرقام (البريد الالكتروني – الفاكس – الهاتف بنوعيه)، واتخذوا سكريتاريات لتلقي الطلبات، وتحديد‮ ‬الأوقات‮…‬
كان محمد – صلى الله عليه وسلم – رغم عظمته – كريما – رغم فقره – عاملا – رغم علو مكانته وسمو منزله – فقد شارك أصحابه الكرام في بناء المسجد، وشاركهم في حفر الخندق، وقد اعترضت بعضهم في أثناء الحفر صخرة، فلما لم يقدروا عليها لجأوا إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم‮. ‬وربما‮ ‬كانوا‮ ‬ينتظرون‮ ‬أن‮ ‬يلتو‮ ‬عليها‮ ‬آيات،‮ ‬أو‮ ‬أن‮ ‬يمسّها‮ ‬بيده،‮ ‬أو‮ ‬أن‮ ‬يضربها‮ ‬بعصى‮ ‬فتتفتّت؛‮ ‬ولكنه‮ – ‬صلى‭ ‬الله‮ ‬عليه‮ ‬وسلم‮ – ‬أمسك‮ ‬بالمعول‮ ‬وهوى‭ ‬به‮ ‬عليها‮ ‬عدة‮ ‬مرات‮ ‬حتى‮ ‬انفلقت‮..‬
كان يقود الزّحوف، ويتصدّر الصفوف، وكان أقرب أصحابه إلى الأعداء، بل إن الإمام عليّا – رضي الله عنه – شهد أنهم كانوا يحتمون برسول الله – عليه الصلاة والسلام – إذا حمي الوطيس، وطارت النفوس شعاعا، وبلغت القلوب الحناجر..
عندما فصَل رسول الله – عليه الصلاة والسلام – بأصحابه إلى بدر لم يكن معهم إلا سبعون بعيرا، فكانوا يتعاقبون على ركوبها، وكان رسول الله – عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم – يتعاقب مع علي بن أبي طالب وأبي لبابة – رضي الله عنهما – على جمل، فأراد الصحابيان البارّان برسول الله أن يؤثراه على نفسيهما، وأن ينزلا له عن حقهما، فقالا له: اركب يارسول الله، ونحن نمشي..  فشكر لهما نبل مشاعرهما، وسمو سلوكهما، وقال لهما: “ما أنتما بأقوى منّي على السير، ولا أنا بأغنى منكما عن الأجر”، مع العلم أن المسافة بين المدينة المنورة وبدر‮ ‬لاتقل‮ ‬عن‮ ‬ثلاثمائة‮ ‬كيلومتر،‮ ‬وأن‮ ‬رسول‮ ‬الله‮ ‬كان‮ ‬في‮ ‬الخامسة‮ ‬والخمسين‮ ‬من‮ ‬عمره‮ ‬الشريف‮.‬
وليقارن القارئ والسامع بين هذا الموقف النبوي العظيم، النبيل، وبين موقف أي قائد مسلم أو غير مسلم، تقدمي أو رجعي، قديم أو حديث ليعلم لماذا يكره المنافقون، والمستعلون في الأرض، والطغاة، والبغاة، والأنانيون، والجبناء، هذا الرسول الشريف، ودينه الحنيف.
اللهم‮ ‬حبّب‮ ‬إلينا‮ ‬محمدا‮ – ‬صلى‭ ‬الله‮ ‬عليه‮ ‬وسلم‮ – ‬وكرِّه‮ ‬إلينا‮ ‬الأراذل،‮ ‬وبغّض‮ ‬إلينا‮ ‬الأسافل‮.. ‬واحشرنا‮ ‬في‮ ‬زمرة‮ ‬محمد‮ ‬وصحبه،‮ ‬وشفعه‮ ‬فينا‮ ‬يوم‮ ‬يتمنى‭ ‬المبطلون‮ ‬أن‮ ‬يكونوا‮ – ‬لظلمهم‮ ‬وخياناتهم‮ – ‬ترابا‮.‬

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!