-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ما الذي تفكر فيه وزيرة التربية؟!

عبد القادر فضيل
  • 8861
  • 10
ما الذي تفكر فيه وزيرة التربية؟!
ح. م

إن ما تفكر فيه هذه الوزيرة وتدعو إلى تنفيذه في الأجل القريب (في بداية الموسم الدراسي القادم) مشروع إصلاحي غامض الدلال، مشروع تتجاوز أهدافه عملية الإصلاح الذي عبّرت عنه وحدّدت المجال الذي يهمها وهو تجديد المناهج ومراجعة الكتب في السنتين: الأولى والثانية من التعليم الابتدائي، والسنة الأولى من التعليم المتوسط وهذا مضمون ما فكرت فيه الوزيرة وأفصحت عنه في تصريحاتها وهي مصممة على تنفيذه رغم النقد الموجه لهذا المشروع.

إن مشروع الإصلاح الوارد في قرار الوزيرة لا معنى له، لأن ما تدعو إليه وتسعى إلى تنفيذه، لا يحقق الإصلاح ولا يرتقى بالوضع التعليمي، فهو لا يصلح وضعا فاسدا ولا يعالج خللا، ولا يغير واقعا لا ينسجم مع قيمنا، إنما يتجه إلى إلغاء المناهج القائمة وتعويضها بمناهج جديدة لا نعرف مضمونها ولا حقيقتها، ولم تذكر الأسباب التي دفعت إلى الحكم على المناهج الحالية بعدم ملاءمتها، وجعلت الهدف من مراجعتها هو إلغاؤها وليس تعديلها أو إعادة تصميمها.

وهذا ما جعلنا نتساءل عن المفهوم الذي أعطى لعبارة الجيل الثاني من المناهج، أو من الإصلاحات، فهل الجيل الأول الذي يسعى الإصلاح إلى تغييره أو إلغائه هو المناهج التي عاشتها المدرسة منذ بداية الاستقلال إلى اليوم؟ فإذا كان هذا المفهوم الذي تقصده الوزارة والتي تسعى إلى جعل الجيل الثاني يحل محله ويعوضه، فمعنى ذلك أن ما تم العمل به خلال نصف قرن من الزمن (طوال المرحلة التي عاشتها المدرسة) أصبح مرفوضا في نظر الوزيرة وفي نظر من هم على أفكارها، ولا أظن أن هذا التحليل يقبله الإنسان العاقل. وفي هذا الطرح خلط بين أمور كثيرة: بين الأوضاع المدرسية الموروثة، والتحويرات التي أدخلناها على ما ورثناه في العشرية الأولى، والتي مهّدت للإصلاح، وبين الإصلاح الشامل الذي قمنا به في منتصف السبعينيات، والذي أنهينا به الأوضاع الموروثة وصحّحنا الاتجاهات غير الملائمة، وأسّسنا بمقتضاه مبادئ النظام التربوي الوطني، وحدّدنا صفة المدرسة الجزائرية التي ولدت مع هذا الإصلاح وظلت قائمة، وفي هذا الطرح خلط كذلك بين ما كان قائما وبين الإجراءات التي أقدمت عليها الوزارة بداية من سنة 2003، السنة التي شرعت في تنفيذ ما ورد في تقرير اللجنة الوطنية لإصلاح التعليم، اللجنة التي سميت بلجنة بن زاغو، والتي ارتبطت الوزارة بتقريرها، ومازالت مرتبطة بأفكار هذا التقرير، رغم الانتقادات التي وجهت لهذا التقرير والإجراءات التي نفذتها الوزارة، والتي ألغت بمقتضاها العمل بروح السياسة التي كانت متبعة منذ صدور الأمرية الرئاسية المنظمة للتربية والتكوين عام 1976 والتي حددت وجهة المدرسة وخصائصها، ثم ما هي الصفات التي نطبق بها الجيل الأول؟ وماهي الصفات التي يجب أن تتوفر في الجيل الثاني الذي يجري الحديث عنه؟

إذا أردنا تصنيف المناهج وترتيبها وفق تاريخ تطوّر المدرسة نجدها أجيالا ثلاثة: وليس جيلا واحدا كما يفهم من تصريحات الوزيرة، الجيل الأول وهو الذي عرفته المدرسة مع بداية سنوات الاستقلال وهو الجيل المخضرم الذي التقت فيه المناهج الموروثة بالتحويرات التي أدخلت على هذه المناهج الموروثة.

الجيل الثاني وهو جيل المناهج التي عرفتها المدرسة الأساسية التي تأسست نتيجة الإصلاح الشامل الذي أقدمت عليه البلاد ووضعت به حدا للأوضاع الموروثة، وتمت صياغة هذه المناهج منذ الإعلان عن تأسيس النظام التربوي الوطني وهي المناهج التي استمر العمل بها إلى سنة 2003.

ثم جاء الجيل الثالث الذي عرفت معه المدرسة جانبا من التغيير الذي دفع إليه تقرير اللجنة الوطنية لإصلاح التعليم، وهذا التغيير لم يحقق أي جانب إيجابي، لا في مستوى التسيير ولا في مستوى الأداء المدرسي، بل دفع القائمين على التعليم إلى التخلي عن أهم مقوّمات النظام التعليمي، وقد نبهنا إلى هذا.

ويبدو أن الوزيرة حين فكرت في التغيير ودعت إليه كانت تستهدف مراجعة الوضع التعليمي القائم الذي هو خلاصة الخطة المتبعة منذ بداية تطبيق إصلاحات بن زاغو أي الوضع الذي عاشته المدرسة منذ سنة 2003، وهو الوضع الذي انتقدته الوزيرة وأوضحت أن مستوى التعليم ضعيف في جوانبه المختلفة، وبيّنت أن النتائج المعبر عنها من خلال نسب النجاح في الامتحانات لا تعبّر عن الحقيقة. وهذا يعني أن الموضوع بحاجة إلى إصلاح، ولكن الإصلاح لا يتم بهذا الذي سمته الجيل الثاني من المناهج، وفي الحقيقة أن ما تقصده هو الجيل الرابع وليس الجيل الثاني، كما تم توضيح ذلك، فالمناهج التي يراد تغييرها أو تجديدها وتجديد الكتب المترجمة لها في السنتين، الأولى والثانية، ليس فيها جيل أول وجيل ثان أو رابع.. ولا ننتظر من تغييرها أو تجديدها ما يحقق تطوّرا، اللهم إلا إذا كان التغيير المستهدف تغييرا جذريا شاملا يلغي ما هو قائم، كما تم ذلك في السبعينيات حيث وضعنا حدا للنظام الموروث وألغينا المناهج التي كانت قائمة، وشرعنا في تنفيذ مرحلة جديدة بمناهج جديدة ومتطوّرة، مناهج لها خصائص تربوية وحضارية، ولعل هذا ما يسعون إليه من خلال المشروع الذي بدأ التخطيط لتنفيذه والذي يحرصون من ورائه على تغيير وجهة المدرسة بجعلها تسترجع اتجاهها اللغوي الذي كان يسيّر مناهجها قبل صدور الأمر المؤسس للمدرسة الجزائرية عام 1976 وأهم ما يعنيه هذا الاتجاه هو إرجاع اللغة الفرنسية إلى المكانة التي كانت لها من قبل في مجال تدريس المواد العلمية في التعليم الثانوي على غرار ما يجري في التعليم العالي، هذا ما يتم التمهيد له، ولعل الاستعانة بالخبراء الفرنسيين الذين جاء الحديث عنهم يصب في هذا الاتجاه.

ورغم أن المسؤولين في الوزارة نفوا ذلك، وحصروا الاستعانة بالخبراء في مجالات أخرى عبر مجال الإصلاح، لكن وزيرة التربية الفرنسية كشفت في حديثها عن الدور الذي يضطلع به هؤلاء الخبراء في مجال التعاون لدعم الوزارة وإعانتها على ما تقوم به في الإصلاح الذي هي مقدمة عليه، ونجد هذا الاتجاه يعيش في تفكير بعض المسؤولين، وهو الاتجاه الذي يدعمه من هم مرتبطون بالثقافة الفرنسية والمنبهرون بها، لذلك لم نستغرب الفكرة التي ظهرت في الصيف الماضي بخصوص الدعوة إلى اعتماد اللهجات الدارجة في التعليم وهي دعوة مشبوهة ولها أهداف، ولا نستغرب اليوم ما قد يظهر من توجه يرمي إلى زيادة العناية باللغة الفرنسية من خلال مراجعة كتبها ورفع توقيتها وتحويل أسلوب تعليمها من تعليمها كلغة إلى تعليمها كثقافة وقيم حضارية، ولا نستبعد أن يستعان بالخبراء في هذا المجال، ولكننا بهذه الملاحظات لا نقف ضد الجهود التي تبذل في مجال تطوير تدريس اللغة الفرنسية كلغة وزيادة العناية بتكوين معلميها، لأننا نريد أن يمتلكها أبناؤنا ويتحكموا في أساليب استعمالها، باعتبارها أداة من أدوات اكتساب المعرفة، على أن لا يكون ذلك على حساب اللغة العربية والمواد المكوّنة للشخصية الوطنية، وكان بالإمكان أن تتجه جهود الإصلاح لمراجعة لغة تدرس الرموز والمصطلحات المعتمدة في تدريس الرياضيات، والاتجاه الذي يوظف في المسائل الحسابية، لأن التعامل بالحروف اللاتينية يشكك أبناءنا في قدرة اللغة العربية.

إن ما طرحته الوزيرة ضمن مشروع المراجعة والتجديد الخاص بكتابي السنة الأولى والثانية، هو تجميع المواد المقررة للسنة الأولى وكذلك السنة الثانية، في كتاب واحد يضم المواد كلها، وما يلاحظ هنا أن المواد التي يمكن أن يشملها كتاب واحد هي: القراءة والكتابة والمحادثة والحساب والأخلاق، أما المواد الأخرى مثل التربية الإسلامية والتربية المدنية والتربية العلمية فلا تحتاج هذه المواد إلى كتب بالنسبة إلى هذا المستوى ومن ثم فلا داعي لجعلها جزءا من كتاب السنة الأولى، بل يمكن تأجيل تعليمها أصلا، وقد كنت نبهت في مقال سابق إلى أن وجود هذه الكتب الثلاثة في السنة الأولى لا معنى له لأن التلميذ في هذا المستوى يجهل القراءة، فلماذا ترهقه بحمل كتب لا يستطيع الاستفادة منها؟ إذ يكفي في السنة الأولى وفي السنة الثانية أن يركز التعليم على القراءة والكتابة والحساب والمحادثة وبعض الأنشطة الشفهية.

وحتى إذا أردنا إضافة الجانب الأخلاقي والديني فيؤخذ جانب بسيط من المعلومات ويلقن مشافهة وليس من الضروري أن تدمج في كتاب التلميذ.

ومن الأحسن أن تكون القراءة في كتاب مفصول عن كتاب الحساب، إذ ينبغي الإكثار من التمارين والرسوم الموضحة في الكتابين، كتاب القراءة، وكتاب الحساب.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
10
  • السبتي

    إن أولى المصائب التب حطت على المدرسة الجزائرية هي المدرسة الأساسية وكنتم أحد منظريها !
    حيث اعتمدت على الإنتقال الألي من سنة لأخرى دون حساب المعدل !
    نزعتم سنة في التعليم المتوسط
    أكثرتم من المواد المعرفية على حساب المواد الأساسية في الابتدائي بالتالي أثقلتم المحفظة
    أكثرتم من الشعب التقنية في الثانوي دون وجود امكانيات لها
    همشتم اللغات الأجنبية
    أدرجتم لغات أخرى على حساب الانجليزية كالإسبانية والألمانية
    كل هذه الأشياء ساهمت في تدني المستوى !
    ‘ذن من الأحسن لك الصمت

  • السبتي

    أنتم الأولون الذين خربتم المدرسة الجزائرية بأمرية المدرسة الأساسية حيث:
    كرستم الإنتقال الأوتوماتيكي لتلامذة الطور الأساسي فأصبح التلميذ ينتقل دون معدل!
    نزعتم سنة من التعليم المتوسط مما أثر على المستوى
    أكثرتم من المواد المعرفية في الإبتدائي على حساب المواد الأساسية فكثرت كتب التلميذ و ثقلت محفظته
    أدخلتم مواد أجنبية نافست الإنجليزية مثل الإسبانية والألمانية
    أكثرتم من الشعب التقنية في الثانوي دون توفر الإمكانيات
    استهنتم باللغات الأجنبية و أقللتم من ساعاتها فنتج جيل أحادي اللغة
    إذن الأجدر بك الصمت

  • مواطن

    لو كانت القضية المطروحة على وزارة التربية قضية مناهج وبرامج تعليمية لتكفل بها المختصون في علوم التربية من الفنيين والمربين لكننا أمام إرادة سياسية قدمت فيها السلطة الحاكمة هذه المغربية المولد والفرنسية الإديلوجية بما تحوي من تبعية للاستعمار دون الرجوع إلى مبادئ دولتنا.إن طابور الحاقدين على الشعب الجزائري لا يلتفتون إلى اهتماماته وإنما يخضعون لإملاءات فرنسا التي تكفل لهم قضاء تقاعدهم في أزقة باريس.ما عليكم يا سي عبد القادر هو أنكم لم تنشئوا المجلس الأعلى للتربية يوم كانت بين أيديكم زمام الأمور.

  • سيدعلي

    العجب كل العجب أنهم يصبون كل اهتمامهم حول حذف أو الإنقاص من مادة التربية الإسلامية (على هشاشتها) و التأكيد الشديد على استمرار الفرنسية كلغة أجنبية أولى رغم موتها في عقر دارها و المجنون يعلم قبل العاقل أن الإنجليزية هي لغة العلم و التواصل عالمياً ! ! !

  • عبد الكريم

    و بهذا نكون قد اعددنا جيلا لا يتنكر لدينه و وطنه كما يفعل الان البعض ممن درسوا في الجزائر و عندما اشتد عودهم ذهبوا الى فرنسا و اصبحوا اداة شتم لوطنهم و دينهم حتى شهدائهم لم يسلموا منهم.

  • عبد الكريم

    كلنا مرينا و نحن صغار بمرحلة المتوسط و هي مرحلة حساسة في حياة التلميذ، فيحب ان يطلع و يجرب اشياء سواء اكانت في مصلحته ام لا وهنا يكون دو ر المدرسة ضروريا في صقل و توجيه التلميذ نحو الطريق الصحيح. فتعليمه التربية الدينية تعد من اولى الاولويات.كاركان الاسلام و شرحها له، فقه العبادات والمعاملات و شرحها بشكل مبسط.،مع شرح السيرة النبوية باضافة بعض سير الخلفاء و الصحابة رضية الله عنهم و ازواجه صلى الله عليه و سلم رضية الله عنهن.

  • سيد روحو.............

    ههههههههههه والله اضحكتني ما حدث في السبعينات تسميه اصلاح؟؟؟؟؟؟؟ بل تخريب تام للمنظومة التربوية و النتيجة امامنا اليوم ............

  • أحمد/الجزائر

    يا شيخ :أين تعيش أنت ؟
    أما ترى مدينة الجزائر قد انسلخت عن أصلها و تاريخها و تحولت إلى مدينة فرنسية كنيس و مرسيليا؟
    من حول عاصمتكم إلى مدينة فرنسية ؟ألستم أنتم سكان العاصمة؟
    ألستم غرباء في مدينتكم ؟ألا تشعرون ؟
    الوزيرة لم تبالغ عندما قالت(مع تصرف في كلمتنين) "اعتماد الفرنسية ..في المقررات المدرسية لكونها اللغة "الأولى" الأكثر استعمالا في"مدينة"الجزائر.".
    أليس هذا صحيح 100%؟
    و عليه أنصح الوزيرة برفع الإقتراح التالي إلى رئاسة الدولة :
    *ترسيم الفرنسية كلغة أولى في التعليم في مدينة الجزائر.

  • غلام

    ان هؤلاء لا يصلحون اي شيء ومخطىء من ينتضر منهم اي نتيجة سوى العبث

  • بدون اسم

    الوزير تفكر في فرض ماتريده غضبا عنكم.مثلما سبقها الأولون الذين حولوا قطاع التربية والتعليم الى حقل تجارب..وأنتم صامتون ساكتون نائمون مثل أهل الكهف...هي ستفعل ماتريد وكيفما تريد ولن تفعلوا انتم شيئ غير الصراخ مثلما الرضع الذين فقدوا اثداء امهاتهم و(البيبروات)