الرأي

ما خطب خطابنا؟

عمار يزلي
  • 2170
  • 7

ما‮ ‬يزعج المتتبع للخطاب الديني‮ ‬العربي‮ ‬الرسمي،‮ ‬هو تركيزه على‮ “‬التطرف الديني‮”‬،‮ ‬دون مراعاة أسباب ذلك،‮ ‬فالغلو في‮ ‬الدين،‮ ‬موجود منذ القدم،‮ ‬بل إننا في‮ ‬الواقع لا نعمل سوى على حصاد نتائج تطور‮ ‬غير متكافئ بين المطلب الإسلامي،‮ ‬المتمثل في‮ ‬العدالة والأخوّة بين الناس على اختلاف لغاتهم وألسنتهم ومشاربهم ومللهم ونحلهم وانتماءاتهم العرقية والطائفية والطبقية،‮ ‬وبين الممارسات‮ ‬غير الإسلامية للمسلمين أنفسهم‮. ‬

الخطاب الديني‮ ‬المسجدي‮ ‬عندنا في‮ ‬الجزائر،‮ ‬أكثر تخلفاً‮ ‬حتى من التخلف،‮ ‬لأنه لا‮ ‬يتحدث لا عن التطرف ولا عن أسبابه،‮ ‬ولا حتى عن شيء آخر،‮ ‬غير الغرق في‮ ‬تفاصيل حياة لا نعيشها‮.. ‬حياة ومجتمع لم‮ ‬يعد هو نفسه ذاته موجوداً‮ ‬اليوم‮: ‬لا أناسه ولا أرضه ولا زمنه،‮ ‬حتى أني‮ ‬استمعت إلى درس ديني‮ ‬في‮ ‬مسجدنا القريب‮: ‬تحدّث فيه الإمام بإسهاب،‮ ‬عن‮ “‬الاستطاعة‮” ‬في‮ ‬الحج‮. ‬تحدث عن كل شيء،‮ ‬حتى الذي‮ ‬لم‮ ‬يعد موجودا سوى في‮ ‬الكتب‮! ‬تحدث عن الحاج الذي‮ ‬يركب الجمل ليحج ومن لم‮ ‬يجد جملا‮… ‬فماذا‮ ‬يفعل؟ ولم‮ ‬يتحدث عن الاستطاعة في‮ “‬الخروج في‮ ‬القرعة‮”. ‬ومن‮ ‬يستمع إليه،‮ ‬يفهم بأنه عليك أن تحج إذا توفرت فيك الشروط المذكورة‮ (‬دون ذكر شرط النجاح في‮ ‬القرعة أو حصولك على فيزا الحج‮). ‬ومعنى هذا،‮ ‬أنه عليك أن تشتري‮ ‬الفيزا أو أن تُرشي‮ ‬أحدا بشأن ذلك‮! ‬ومن عنده مال،‮ ‬فلا بأس بذلك،‮ ‬لأن ذلك‮ ‬يدخل في‮ “‬الاستطاعة‮” ‬وهكذا،‮ ‬نجد أنفسنا نحلل الرشوة حتى في‮ ‬الحج‮! (‬وكثير من الناس‮ ‬يفتون بجواز‮ “‬شراء باسبور الحج‮”!).‬

نمت،‮ ‬على هذا التساؤال لأجد نفسي‮ ‬أستمع لخطبة جمعة بشأن الزكاة ووجوبها‮. ‬ولفرط ما سمعت هذا الخطاب‮ ‬يردد في‮ ‬كل سنة‮ ‬4‮ ‬مرات على الأقل،‮ ‬بنفس الطريقة وبنفس القراءة‮ (‬لأن النص مكتوب،‮ ‬لا مجال للإضافة أو الشرح أو التحديث‮)‬،‮ ‬لأجد نفسي‮ ‬أستمع والنعاس‮ ‬يغلبني‮ ‬من فرط ما أكلت من كسكس باللبن الخاثر ومن فرط الرتابة وكثرة الأخطاء اللغوية والنحوية المرتكبة فوق المنبر‮! ‬راح الإمام‮ ‬يتحدّث،‮ ‬ونحن في‮ ‬بداية الخطبة الأولى،‮ ‬عن التبرعات من أجل بناء‮ “‬الضالة‮” (‬وأنا أكاد أنعس‮!).. ‬ونمت فعلا مباشرة على سماع كلمة‮ “‬الضالة‮”. ‬لم أفق بعدها إلا في‮ ‬نهاية الخطبة الثانية،‮ ‬بعد أن لكزني‮ ‬جاري‮ ‬الذي‮ ‬كان إلى جانبي‮ ‬والذي‮ ‬لاحظ أني‮ ‬كنت قد بدأت‮ “‬أشخر‮”. ‬أفقت لأجد الإمام‮ ‬يقول مستطردا‮: ‬ومات في‮ ‬هذه الواقعة سبعة‮!.. (‬وكان‮ ‬يتحدث عن واقعة وقعت في‮ ‬القرن‮ ‬2‮ ‬الهجري‮). ‬قلت لجاري‮ ‬المصلي‮ ‬بجواري‮ ‬وأنا أفرك أعيني‮ ‬من النعاس،‮ ‬قلت له في‮ ‬أذنه ناسيا الصمت‮: ‬شكون هذو السبعة اللي‮ ‬طاحت بهم‮ “‬الضالة”؟

مقالات ذات صلة