-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ما وزن الدّين في حياتنا؟

سلطان بركاني
  • 2337
  • 0
ما وزن الدّين في حياتنا؟

يروي أحد الطّلبة المبتعثين للدراسة في ألمانيا، أنّ فتاة ألمانية طرقت بابه في السادسة صباحاً، فلمّا علم أنّ غرضها هو دعوتُه إلى عقيدتها النّصرانية، بيّن لها أنه مسلم، وأنه ليس في حاجة إلى أن يسمع منها؛ فظلّت تجادله وتلحّ عليه بأن يمنحها ولو دقائق من أجل المسيح! فلمّا رأى إصرارها أوصد الباب في وجهها، لكنّها أصرّت على تبليغ عقيدتها، ووقفت تخطب أمام الباب المغلق قرابة نصف ساعة تشرح عقيدتها، وتغريه باعتناق دينها المحرّف الذي لا يقرّه عقل ولا نقل!

هكذا يستميت أهل الباطل في الدّعوة إلى باطلهم، وهكذا يتفانون في خدمته، وفي تقديمه للناس في أبهى حلة، فماذا عنا نحن معاشر المسلمين؟ ما الذي نقدّمه لديننا الحق، وبم نضحّي لأجله؟ كم جعلنا له من جهودنا وأوقاتنا؟ وكم جعلنا له من همومنا؟ إنّ الإجابة عن هذه الأسئلة لتبُثّ الحزن والأسى في النّفوس، لحال عبادٍ لله مسلمين في هذا الزّمان، أصبح الدّين آخر شيء يشغل تفكيرهم، ولا يكاد يمثّل شيئا في حياتهم، لا يهمّهم أن ينتصر وينتشر، ولا يضرّهم أن يُستهدف ويحاصر ويمكر به وبأهله.

ديننا في آخر اهتماماتنا!

إنّ العين لتدمع وإنّ القلب ليحزن لحالنا مع ديننا في هذا الزّمان، يوم صار الواحد منّا يعيش عشرات السنين ولا يكاد يقدّم لدينه إلا نزرا يسيرا من فضول الأموال والأوقات. تبلّد عندنا الإحساس وأصبحنا لا نعبأ بما يجري على الدين وأهله من محن ونكبات ورزايا. لا نغار للدين أن يرام جنابه، ولا تتحرك قلوبنا إذا أصبح هدفا وغرضا لأعدائه. لا همّ لنا إلا أن تصلح دنيانا، لا حديث في مجالسنا إلا عن الزيادات في الرواتب والعلاوات والتعويضات، وعن توزيع السّكنات، وعن التسهيلات الممنوحة لشراء السّيارات.

وما يحزّ في النّفس أكثر أنّ حال الرّعاة مع الدّين وقضاياه أسوأ من حال الرّعية، في زمن كان المفترض أن تتحرّك فيه قلوب ولاة الأمر ويُظهروا شيئا من الأسف لما لحق الإسلام والمسلمين. يقول ابن القيم عليه رحمة الله: “وأيُّ دينٍ وأيُّ خير فيمن يَرى محارم الله تُنْتَهك وحدودَه تُضَاع ودينه يُتْرَك وسنّة رسول الله-صلى الله عليه وسلم- يُرْغَب عنها وهو بارد القلب ساكت اللسان؟ شيطان أخرس! كما أنّ المتكلّم بالباطل شيطان ناطق، وهل بلية الدين إلا من هؤلاء الذين إذا سلمت لهم مآكلهم ورياساتهم فلا مُبالاة بما جرى على الدين؟ وخيارهم المتحزن المتلمظ، ولو نُوزعَ في بعض ما فيه غَضَاضة عليه في جاهه وماله بذل وتبذَّل وجَدَّ واجتهد، واستعمل مراتب الإنكار الثلاث بحسب وُسْعِه، وهؤلاء ـ مع سقوطهم من عين الله ومَقْتِ الله لهم ـ قد بُلوا في الدنيا بأعظم بلية تكون وهم لا يشعرون، وهو موت القلوب؛ فإن القلب كلما كانت حياته أتم كان غضبه لله ورسوله أقوى، وانتصاره للدين أكمل” اهـ.

حال انتشى لها المتربّصون

لقد قرّت لهذه الحال التي نعيشها مع ديننا أعين الحاقدين والمتربصين بهذا الدين، من يهود وصليبيين، وعلمانيين وشيوعيين، يوم حاق بنا مكرهم وهم الذين قال قادتهم: “لقد أنشأنا في الشّرق جيلا لا يعرف الصلة بالله؛ فإذا تعلّم فلأجل الشهوات، وإذا كسب المال فلأجل الشهوات، وإذا وصل إلى أعلى المراتب فلأجل الشهوات. لأجل الشهوات يجود بكلّ شيء…”.

لقد سقط أكثر المسلمين ضحايا لمكر الليل والنهار الذي حاكه المتربّصون وضخّوه في وسائل الإعلام ضخا مركزا على مدار 9 عقود متتالية، مكر عظّم الدنيا في عيون المسلمين وجعلها أكبر همهم ومبلغ علمهم ومنتهى آمالهم، وزيّن لهم الشهوات وذلّل لهم سبلها، وفي المقابل صوّر لهم الدّين على أنّه قيود وحدود وعقد وأحكام لا تتماشى مع التطور والتحضّر، بل وخوّفهم من أنّ الالتزام به وتربيةَ الأبناء على أحكامه وآدابه يقود إلى التخلّف والتطرّف والإرهاب، وقدّموا لهم بدائل من القومية والوطنية، زيّنوها وبهرجوها وجعلوها من الأولويات التي يحارَب من حاول تقديم غيرها عليها، وسخّروا لأجل ذلك الرياضة والكرة، ونفخوا في الخلافات التافهة بين دول المسلمين، فأصبحت الحدود التي رسمها الصليبيان سايس وبيكو أقدس من رابطة الإسلام.. والله المستعان.

وماذا بعد؟

إنّها الرزية العظمى يوم ينشأ أبناؤنا وتنشأ الأجيال القادمة على جعل الدين في آخر اهتماماتها، وتتربّى على أنّ الدّنيا هي البداية وهي النهاية، فيترعرع الطّفل المسلم ويتربّى منذ نعومة أظفاره على أنّه في هذه الدنيا لأجل أن يدرس وينجح ويتوظّف ويتقاضى المرتب، ويبني بيتا ويشتري سيارة ويتزوج ويتمتع بدنياه كيفما شاء حتى تأتيه منيته.. وللدّين ربّ يحميه وينشره!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!