-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مبدأ مونرو وحق روسيا في حماية محيطها الاستراتيجي

بقلم: زبير بوزرزور
  • 541
  • 0
مبدأ مونرو وحق روسيا في حماية محيطها الاستراتيجي

في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، لم يخف الزعماء الروس مخاوفهم من احتمال انضمام أعضاء سابقين بالاتحاد إلى حلف الناتو، ونشر قوات عسكرية معادية على حدود روسيا وفي “محيط تأثيرها”. لكن بالمقابل لم تتوقف الولايات المتحدة عن محاولات تطويق روسيا الاتحادية، وخصوصاً بعد تفكك الاتحاد السوفياتي.

وخلافاً لكل التعهدات الأميركية للسوفيات، توسَّعَ حلف الناتو شرقاً وضمَ دولاً من جمهوريات الاتحاد السوفياتي، بالإضافة إلى جمهوريات حلف وارسو. ويؤكد ذلك ما يلي:

– في مفاوضات توحيد الألمانيتين بين الإتحاد السوفياتي والغرب، تعهد الأميركيون رسمياً، بعدم التوسع شرقاً باتجاه جمهوريات الاتحاد السوفياتي وحلف وارسو. ولكن الغرب نكث الاتفاق، وتوسعت البنية التحتية لحلف الناتو إلى أن وصل إلى الحدود الروسية؛ فقد ضمّ إليه لاتفيا ولتوانيا واستونيا، بالإضافة إلى كل أعضاء حلف وارسو.

– الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسين وهو أول رئيس لروسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي قال في مؤتمر صحفي أجراه مع الرئيس الأمريكي الأسبق بل كلينتون في هيلسنكي: “نعتقد أن توسع الناتو شرقا هو خطأ وخطأ فادح”. وتؤكد DW أن هناك وثائقَ تبين نوعا من الوعود قطعها المفاوضون الأمريكيون لنظرائهم الروس بالإضافة إلى مناقشات السياسة الداخلية التي تعارض توسع الناتو في أوروبا الشرقية.

إنّ الحرص الروسي على حماية محيطه الجغرافي الاستراتيجي كان يَلقى تَرحيبا أمريكيّا وغَربيّا على السواء. وهو مُؤسسٌ ابتداء على شرعية دولية وتاريخية كانت ولا تزال تستند إليها أمريكا في سياستها الخارجية، وهي “مبدأ مونرو” وما ترتّب عنه، وهو ما أكده السيناتور بيرني ساندرز في كلمة ألقاها في الكونغرس قبيل بدء الغزو الروسي لأوكرانيا إذ أكد: “قد يكون بوتين ديماغوجيًّا، ولكنَّ من النِّفاق أن تُصرَّ الولايات المتحدة على عدم قبول مبدأ محيط التأثير”، مضيفا أن الولايات المتحدة التزمت بـ”مبدأ مونرو” على مدى المائتي عام الماضية. وبعد أن حَمّل الرئيسَ الروسي المسؤولية الكاملة عن أزمة أوكرانيا، تساءل ساندرز: “هل يظنُّ أحدٌ أن الولايات المتحدة كانت ستلتزم الصمت إذا ما قامت دولة مثل المكسيك أو كوبا أو غيرهما من دول أمريكا الوسطى أو أمريكا اللاتينية بالدخول في تحالف عسكري مع خصم للولايات المتحدة؟ هل تعتقدون أن أعضاء الكونغرس كانوا سيقفون ويقولون إن المكسيك دولة مستقلة ولها الحق في أن تفعل ما تشاء؟ أشكّ كثيرا في ذلك”.

إضافة لمبدأ مونرو تستند روسيا في شرعية تحرُّكها العسكري بما تؤمن به أمريكا نفسها في سياستها الخارجية وهي”لازمة روزفلت” وسياسة “العصا الغليظة”. ويرى كثيرٌ من المؤرخين أن هذه “اللازمة” كانت امتدادا لعقيدة مونرو، والتي سرعان ما استخدمها روزفلت لتبرير التدخل العسكري الأمريكي في بلدان تقع في منطقتي أمريكا الوسطى والكاريبي، بما فيها نيكاراغوا وجمهورية الدومينيكان وهايتي وكوبا.

هل يظنُّ أحدٌ أن الولايات المتحدة كانت ستلتزم الصمت إذا ما قامت دولة مثل المكسيك أو كوبا أو غيرهما من دول أمريكا الوسطى أو أمريكا اللاتينية بالدخول في تحالف عسكري مع خصم للولايات المتحدة؟ هل تعتقدون أن أعضاء الكونغرس كانوا سيقفون ويقولون إن المكسيك دولة مستقلة ولها الحق في أن تفعل ما تشاء؟

ساندرز لم يكن وحده من تحدَّث عن “مبدأ مونرو” أو “لازمة روزفلت وسياسة العصا الغليظة”؛ فمنذ بدء الأزمة الروسية- الأوكرانية، رأى محلّلون سياسيون من داخل أمريكا وخارجها أن بوتين استخدم مبادئ تلك العقيدة نفسها لمنع أوكرانيا من الانضمام إلى الناتو، واتّهم البعض واشنطن بازدواجية المعايير، فماذا يعني هذا المبدأ؟ ولماذا روسيا لها الحق أن تعدّه سندا يُشرعِن لها حق تدخلها لحماية محيطها الاستراتيجي؟

تعود التسمية إلى الرئيس الأمريكي جيمس مونرو (1817-1825) الذي كان قد تبنى سياسة معارضة للاستعمار الأوروبي في نصف الكرة الأرضية الغربي. في رسالته السنوية التي وجهها إلى الكونغرس في الثاني من ديسمبر عام 1823، تحدّث مونرو عن أربعة مبادئ رئيسية، أهمها المبدأ الثالث والرابع:

– لا يحقُّ للقوى الغربية استعمار أي مناطق جديدة في نصف الكرة الأرضية الغربي في المستقبل.

– أيُّ محاولة تقوم بها دولة أوروبية للسيطرة على أي دولة في نصف الكرة الأرضية الغربي أو قمعها سيُنظر إليها على أنها عمل عدائي ضد الولايات المتحدة.

وقال مونرو في إعلانه إن “العالم القديم” و”العالم الجديد” لهما نُظمٌ مختلفة ويجب أن يظلا محيطين منفصلين، إذ كانت أمريكا متخوفة من تطلعات روسيا التوسُّعية في الساحل الشمالي الغربي لأمريكا الشمالية، لاسيما بعد أن تمكن القيصر الروسي ألكسندر الأول من بسط هيمنته على مناطق شمال غرب المحيط الأطلسي (في ألاسكا بالأساس). وخير شاهد على الوجود الروسي بالقارة الأمريكية “حصن روس” موقع أول طواحين الهواء وبناء السفن في كاليفورنيا، إذ كان العلماء الروس المرتبطون بالمستعمرة من بين أوائل الذين سجلوا التاريخ الثقافي والطبيعي لولاية كاليفورنيا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!