جواهر
غيرن استراتجيتهن تماشيا مع رمضان

متسولات صامتات يختفين قبل العيد بيومين!

سمية سعادة
  • 2137
  • 10
ح.م

لم تعد ظاهرة التسوُّل خافية على أحد، إلى حد أنّه من درجة انتشارها كدنا نشكُّ أنّ نسبة كبيرة من الجزائريين والجزائريات تحوّلوا إلى متسولين بفعل عوامل كثيرة منها انتشار الفقر وتفشّي البطالة وارتفاع نسب الطلاق وغيرها من الآفات الاجتماعية التي انتشرت خلال السنوات الأخيرة، لكنّ بعض هؤلاء لا تدفعهم الحاجة إلى التسوُّل بل أهدافٌ أخرى قد يجهلها كثيرٌ من المحسنين.

ومع لجوء أعداد معتبرة من الأفارقة الذين قدموا من أكثر من بلد إفريقي منها مالي والنيجر وأيضا المئات من اللاجئين السوريين الذين فروا بدورهم رفقة عائلاتهم من هول الحرب المدمرة التي تدور رحاها في سوريا منذ سنوات؛ مع لجوء كلّ هؤلاء إلى الجزائر، صارت ظاهرة التسوُّل في الشوارع الجزائرية، خاصة في المدن الكبرى، مألوفة بشكل كبير، بل أصبحنا لا نستغرب رؤية عائلات بأكملها تفترش العراء وتنتظر ما تجود به أيادي المحسنين.

ومثلما يُعدُّ شهر رمضان من الأشهر المباركة، بالنظر لما فيه من جود وإحسان وعمل الخير، فإنّ هناك بعض الظواهر التي تنتشر خلال هذا الشهر الفضيل، خاصة عبر المساجد التي تعرف إقبالا كبيرا من طرف المصلّين رجالا ونساء، حيث تغدو بيوت الرحمن عامرة ليلا بالمُقبلين على أداء صلاة التراويح، مثلما تنتشر على أبواب تلك المساجد النساء المتسوّلات من أعمار مختلفة؛ فنجد العجائز المسنّات والنساء الأرامل اللّواتي يجلسن برفقة أبنائهنّ الصغار وهنّ يتوسّلن الصدقات، وعادة ما يتكاثرن في العشر الأواخر على أبواب بيوت الرحمن لعلمهنّ أنّ الكثير من المسلمين يصيرون فيها أجود من الريح المرسلة تيمُّنا بسيّد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم الذي كان جوادا كريما في شهر رمضان، حيث كان يُقبل على ربّه بالصلوات والصدقات وهذا ما أُثر عن الحبيب المصطفى في سيرته العطرة.

غير أنّ الملاحظ على جموع أولئك النساء المتسوّلات جلوسهنّ دون أن ينطقن بكلمة، على عكس ما كان يحدث قبل شهر رمضان، حيث كنّ يُلححن في الطلب وتوسُّل الصدقات بعبارات متنوعة محاولة لاستدرار العطف والشفقة، ربما لإدراكهنّ بأنّ القلوب في شهر رمضان تخشع وتخضع وتلين وتغدو أقرب إلى سلوك العطاء، فيُفضّلن الصمت وانتظار العطايا دون تكلُّف..

أمّا الأمر الغريب في كلّ ذلك أنّ أولئك النسوة يختفين قبل يومين من عيد الفطر، وهذا ما يزيد من مشقة البعض ممّن يرغبون في إخراج زكاة الفطر التي لها شروط محدّدة حيث لها وقتٌ معيّن لإخراجها، وقد اضطر أحدهم إلى التوجُّه إلى أحد المساجد والاتصال بإمام المسجد ليُعطيه زكاة الفطر، بعدما عجز عن الوصول إلى متسولة ممّن كُنّ يجلسن طيلة أيام رمضان أمام بيوت الله، وقد وعده الإمام بالتكفُّل بإيصالها إلى مستحقّيها..

في بعض المرّات يُخيّل للمرء أنّ ظاهرة التسوُّل التي أبطالها نساء لا تنطلق من حاجة ملحّة أو فقر، ولكنّها ظاهرة موسمية هدفها جمع ما أمكن من مال لقضاء عطلة صيفية مريحة، خاصة وأنّ شهر رمضان هذه السنة تزامن وبداية فصل الصيف بما يتضمّنه من أعباء ومتطلبات تفرضها ضرورة قضاء فترة استجمام مكلفة ماديا.

مقالات ذات صلة