منوعات
في الوقت الذي تعد ثقافة القراءة عند الغرب مثل الماء والهواء

مجنون من يريد قراءة الكتب في الساحات ووسائل النقل بالجزائر

صالح سعودي
  • 3343
  • 9
ح.م

يثير مشكل غياب ثقافة القراءة والمطالعة الكثير من الجدل في الجزار، ففي الوقت الذي يرى البعض بأن إقامة المعرض الدولي للكتاب بمثابة تدشين موسم أدبي وثقافي جديد، إلا أن البعض الآخر يؤكدون أن الإقبال على اقتناء الكتب لا يعدو أن يكون لدى الكثير مجرد بهرجة واستعراض شكلي، خاصة في ظل الافتقاد إلى ثقافة المطالعة والقراءة، سواء في الفضاءات المغلقة كالمنازل والمكتبات، أو في الفضاءات المفتوحة مثل الساحات الجامعية وفي أماكن انتظار الحافلات والسيارات والميترو وغيرها من الأماكن والمواقع.

يجمع الكثير على وجود مفارقة بين الدول المتقدمة والنامية مثل الجزائر بخصوص تقاليد وثقافة القراءة، ففي الدول المتطورة تعد القراءة والمطالعة مثل شرب الماء واستنشاق الهواء، ففي وسائل النقل العمومية يقرأون رواية أو كتابا أو مجلة، لاكتساب الأفكار والاستفادة من تجارب الآخرين، ما يجعل القراءة عندهم بمثابة حياة ثانية، فضلا عن كونها متعة وترفيه عقلي ووجداني، بدليل فتح الكتب على مقعد الانتظار، لاستراق بعض الأسطر أو الفقرات عوض خسارة دقائق للحديث في أعراض الناس، مثلما يحدث في الجزائر ومختلف البلدان المتخلفة، مظاهر تطرح تساؤلا حول الأسباب التي جعلت “أمة اقرأ لا تقرأ”، ومن المسؤول عن موت فكرة القراءة في الجزائر والعالم الثالث بشكل عام؟

يرى الدكتور بدر الدين زواقة بأن القراءة ثقافة مجتمعية بامتياز، وتساعد في التأسيس لها مؤسسات التنشئة الاجتماعية ورؤية السلطة وإستراتيجيتها في التعليم وملحقاته الثقافية والفنية، مضيفا بأن هذه الثقافة تعثرت في مجتمعنا في كل الفضاءات، نافيا أن يكون تغوّل تكنولوجيا الإعلام والاتصال وانتشارها هو السبب، بل ذلك يعود حسب محدثنا إلى تفكك مؤسسات التنشئة الاجتماعية وعدم تفاعلها، وكذا غياب مفهوم الأسرة الممتدة الذي يعطي للفرد وجوده الحقيقي الاجتماعي والثقافي، وقال الدكتور زواقة في ذات السياق: “مع ظهور ظاهرة الاستهلاك والتلقي السلبي لهذه الوسائط تدنى منسوب المقروئية في العالم وفي بلادنا، ليتحول الإنسان إلى عالم الأشياء.

من جانب آخر، يؤكد الدكتور جمال مسرحي من قسم التاريخ أن الدولة أولت بعد الاستقلال عنابة بالمقروئية بمختلف أنواعها، من خلال توفير الكتاب عن طريق الاقتناء بالاستيراد ودعم الطباعة عن طريق مؤسسات الدولة، وإنشاء مؤسسات خاصة للطبع، ودعمت المكتبات العمومية والمكتبات المتنقلة لإيصال الكتاب إلى أكبر شريحة في المجتمع. وقال الدكتور جمال مسرحي إنه مع التغيرات التي عرفتها الجزائر والمجتمع الجزائري تراجعت سياسة الدعم وتراجعت المقروئية في الفضاءات الكلاسكية بشكل مخيف، مضيفا أن توفر الكتاب والمصادر والمراجع في الأنترنت قضى بشكل كبير على ارتياد الطلبة المكتبات العمومية، مكتفين بالبحث الإلكتروني على الرغم من محدودية جدواه.. أوضح جمال مسرحي أنه لا يمكن الاستغناء عن الفضاءات الكلاسيكية للقراءة، خاصة للباحثين في العلوم الإنسانية والآداب والتاريخ، كما أنه لا يمكن للأديب أن يبدع شعرا أو نثرا دون أن يستنشق رائحة الورق القديم مع رشفة قهوة ونكهة سيجار.

يؤكد الخبراء أن غياب ثقافة القراءة وصلت أيضا إلى المثقفين والباحثين الأكاديميين، بدليل أن أساتذة جامعيين وفي بقية الأطوار التعليمية لا يكلفون أنفسهم عناء البحث والمطالعة لتعزيز تراكماتهم المعرفية، ما جعل الدكتور يوسف وغليسي يذهب إلى حد القول بأن هناك أساتذة جامعيين وصلوا سن اليأس قبل الأربعين، وهذا موازاة مع تسوية التزاماتهم التي تمكنهم من الترقية إلى درجة الأستاذية، حينها يدخلون في عالم من الكسل والنمطية اليومية. ويقول الدكتور بدر الدين زواقة في هذا الجانب: “هناك تحديات اجتماعية وقفت أمام المشروع الثقافي في بلادنا، فأصبحت القراءة والتعليم في الغالب من أجل الوظيفة وليس من أجل المعرفة… لهذا نجد الكثير من الطلاب يكتفون بمراجعة المطبوعات البيداغوجية فقط. وأصبح الكتاب الرقمي قبلة الكثير من الباحثين.. وهذه في تصوّري ليست سلبية.. باعتبار الفرص والإشباع المحقق، وأعتقد أن ثقافة الكتاب هي علامة مفصلية في المستوى الثقافي للشعوب”.

مقالات ذات صلة