الرأي

مجْمع الأمازيغيّة.. هل يوحّدنا؟

بتعيين رئيس الجمهورية لأعضاء المَجْمع الجزائري للغة الأمازيغية، وفقًا لنصّ الدستور، يُفترض أن نطوي صفحة من السجال الإيديولوجي السياسوي حتّى نفتح المجال أمام المختصّين واللسانيّين لإنجاز عمل جبّار ينتظرهم لتكريس الهويّة الوطنيّة، في كنف| من الهدوء والعلميّة، بعيدًا عن أجواء التشنّجات العصبيّة والعنصريّة التي كشّرت عن أنيابها في السنوات الأخيرة، بفعْل النفخ المُغرض في كير الفرقة بين الجزائريين، لأغراض هدّامة ترتبط بمشاريع دوليّة، لم تُعدْ دلائلها خافيةً على كلّ ذي بصر وبصيرة.
لقد انتهت مهمّة السياسيّين، بعدما رسّخت الدولة المواطنة في شقّها اللغوي، لتبدأ مرحلة النخبة العلميّة المنضوية تحت مجمع الأمازيغيّة، ما يجعل دورها خطيرا في تأمين مستقبل الجزائريين، على أسس التناغم والتعايش والتكامل بين مكونات الهويّة ضمن ثلاثيّة: الإسلام والعربيّة والأمازيغيّة.
إنّ نجاح “الأكاديميّة الأمازيغيّة” في تجسيد المهمة الوطنيّة الجسيمة والمنوطة بها، يتوقّف أساسًا على الكفاءة المعرفيّة لأفرادها، ثمّ تجرّدهم من الميول الذاتيّة والتزامهم بالأخلاق العلميّة، وربّما الأهمّ هو تشبّعهم بالروح الوطنيّة الوحدويّة التي تدفعهم إلى السعي حثيثًا لأجل تعميق مقوّمات الانتماء الحضاري للأمّة، ونحن لا نملك إلاّ أن نتوسّم فيهم كل تلك الشروط إلى أن يثبت العكس.
ومهما بلغت أهليّة الهيئة في القيام بدورها على أحسن ما يرام، فإنّ طبيعة المأموريّة وحساسيتها المفرطة تقتضي منها توسيع النقاش الأكاديمي مع جميع الأطراف، والتشاور والاستئناس بجميع الآراء والمقترحات، طالما تأسّست على قواعد علميّة مُجرّدة، لأنّ المسألة اللغويّة ليست قضيّة فئة أو جهة أو تيّار، بل هي رهانٌ وطني جامع، نريد من خلاله نزع فتائل الانفجار الهويّاتي الذي أضحى مروحة جاهزة لتسويغ التدخلّات الأجنبيّة وتحريض الطوائف، إنْ جاز التعبير في الحالة الجزائرية والمغاربيّة عمومًا، لتفكيك الأوطان القطريّة.
الخوف الذي ينتاب مهتمّين بترقية الأمازيغيّة هو أن يتحوّل “المجمع الجزائري” الجديد إلى نسخة مكرّرة عن المحافظة السامية للأمازيغيّة التي شكّل نواتَها مناضلون معروفون في الحركة الثقافية البربريّة، بل طغى عليها لونٌ حزبي متطرّف تجاه العروبة والعربيّة، فسارعت إلى غرْبنة الأمازيغيّة، عبر ربطها بالحرف اللاتيني بدواعٍ واهية، لا يمكنها أن تحقّق الهدف المنشود في تجذير الهويّة، ولا هي ستبلغ بها العالميّة المفترى عليها.
لعلّ الانطباع الأوّلي بخصوص تشكيلة “مجمع الأمازيغيّة” المعلن عنها، على الأقلّ من حيث التوازن الجهوي، يجعلنا أكثر اطمئنانًا لتمثيلها المناطقي، ويبقى من الضروري تعبيرها عن التعدّد الواقعي في المجتمع الجزائري، بل الغالب، إزاء مقاربة المسألة الأمازيغيّة في إطارها التاريخي والحضاري دون قطيعة قد تفضي، لا قدّر الله، إلى “حرْب الحروف”، بتعبير عالم اللسانيّات صالح بلعيد.
نؤكد على هذه المحاذير، لأنّ بعض المنتسبين إلى مناصرة الأمازيغيّة يمارسون الاحتكار والإقصاء في تمثيلها، فلا يقبلونها إلا وفق لهجةٍ واحدة وحرف غريب عن تراثها الأدبي الزاخر، فضلاً عن كون ترسيم الأمازيغيّة بموجب المادة الرابعة من الدستور مقرونا بتنوّعاتها اللّسانيّة المستعمَلة عبر التراب الوطني، كما أنّ القانون العضوي 18/17، المتعلق بمهام المجْمع الجزائري للغة الأمازيغية وتشكيلته وتنظيمه وسيره، يحدّد بوضوح الصبغة العلمية المحضة للهيئة كسلطةٍ مرجعيّة في مجالها، تكتسي طابعًا أكاديميّا حياديّا ومنصفًا.
إنّ المأمول، بل الواجب، أن يكون “مجمع الأمازيغيّة” لبنة صلبة في صرح الوحدة الوطنيّة، مسنودًا بالقرار السياسي الحكيم الذي يقدّم المصلحة العامّة الآجلة على كل الحسابات السياسويّة العاجلة.

مقالات ذات صلة