-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
تستدين المال من أجل الاستعراض والتفاخر في المناسبات

محدودو الدخل يتباهون يوما ويعانون دهرا

نسيبة علال
  • 1882
  • 0
محدودو الدخل يتباهون يوما ويعانون دهرا

حفلات الخطوبة والزواج وحفلات الختان وما إليها، سرعان ما تتحول إلى ذكريات يتمناها الجميع سعيدة، لها وقعها مدى الحياة.

لهذا، عادة ما يجتهد الناس ويبالغون في الإنفاق عليها وإضافة لمسات جديدة وعصرية، تكلفهم الكثير من المال، حتى إن البعض يضطر إلى الاستدانة من أجل إقامة حفل بهيج، يكسوه البرستيج، ليبدو عصريا ومطلعا.

لا شك في أن الحلويات وقطع التغليف والديكور.. التي باتت متاحة في السوق الجزائرية اليوم، مغرية فعلا. وهناك دائما جديد يبهر الناس عند رؤيته، مع أنه ليس في متناول القدرة الشرائية للكثير، ولا يتناسب مع نمط حياتهم البسيط، إذ إن ما يصلنا اليوم هارب من حفلات المشاهير والأغنياء، وهو محاكاة لواقعهم المترف، الذي يشغل فئة واسعة من الناس ويسعون لتقليده تفاخرا.

ملايين تنفق على ديكور الأفراح الزائل

تحلم كل عروس بقاعة أفراح ملكية، تجمع فيها معارفها وأصدقاءها، وتتبختر فيها كأميرة هاربة من أفلام ديزني لتزف إلى فارس أحلامها.. إنه الزفاف الذي كان حلم طفولتها ومراهقتها، ويجب أن يستمر جميع المدعوين في امتداحه والتحدث عنه.. الأجواء الخرافية التي لا تنسى، لابد من أن تكلف أصحابها الملايين في وقتنا.

تقول فاطمة، 27 سنة: “عندما طلب والدي أن أختار هديتي، بحثت عبر الإنترنت، ووقعت على قاعة بديكور يشبه القصر، سجاد أحمر على طول الممر، الكثير من الكريستال والورود والشموع، كلفت والدي نحو خمسين مليونا، إضافة إلى مصاريف أخرى.. استمتع الجميع وانبهر بالأجواء، وكلما بلغني أن والدي يشعر بالضغط من الديون، ندمت وكرهت ذلك الديكور الزائل والأجواء التي لا تمثل واقعي، لأنها سببت ضيقا لوالدي، ربما يستمر لسنوات يدفع تكاليفها”.

في المقابل، لا يجد الكثير حرجا في اقتراض مبالغ ضخمة من المال، للإنفاق على حفلاتهم، وإنجاح تفاصيلها، وهم مستعدون للمعاناة التي تلي ذلك. هي حال أمين وخطيبته ابتسام، التقينا بهما في محل لتصميم الكيك، يبدوان بسيطين من الطبقة المتوسطة، ويراوغان على كعكة ضخمة بسعر 9 ملايين، ويؤكدان أنهما قد اقترضا المبلغ وعليهما ديون كبيرة.

توجهنا إليهما بالسؤال، فقالت ابتسام: “لا يهمني أن أستمر طوال حياتي في العمل من أجل تسديد ما علي، فأنا أريد خطوبة وزفافا خياليا، بعد 7 سنوات من التعارف..” وأضافت أنها لا تظنها ستندم على ذلك أبدا، ومثلها كثيرات جدا، ساهمن وبشكل مباشر، في تغذية ظاهرة الاستعراض هذه.

الحلويات والمملحات جنون لا يكبح

حقق أبناء السيدة رتيبة نجاحا أسعدها. فقد تحصلت بنتاها على البكالوريا، ونجح الأصغر في شهادة التعليم المتوسط. ولأنها لم تكن تنتظر هذه الفرحة، قررت الاحتفال بها على طريقتها، تقول: “كان علي استدانة مبلغ كبير لطلب الحلويات والمقبلات والعصائر وكعك فاخر، على شاكلة ما نراه على اليوتيوب، خلال أسبوع واحد فقط، اقترضت من أخواتي وأخت زوجي ما يقارب 30 مليونا، دون أن أشعر.. غطيت كل الطلبيات والديكور والمشتريات، وانتهى الحفل سريعا. أفكر الآن: كيف علي أن أدفع المبلغ، وأنا لا أملك دخلا سوى راتب زوجي، الذي بالكاد يعيلنا به.. جنون أن نفكر في التفاخر والاستعراض، دون التفكير في عواقب ذلك..”.

في هذا الصدد، يشير الخبير الاجتماعي، الأستاذ لزهر زين الدين، إلى ظاهرة اجتماعية نفسية، انتشرت مؤخرا كنتيجة للانفتاح الذي خلفته وسائل التواصل الاجتماعي: “يعيش الناس في سباق وهمي مع بعضهم، ترغب كل سيدة في تقديم الجديد والملفت، الذي بالضرورة يكون مرتفع التكاليف، وبالنسبة إليها، تفوقها على قريناتها هو غاية ما يسعدها ويهمها.

لهذا، بات الناس يقبلون على اقتراض المال، والتضييق على حالهم لدخول هذا السباق”.. أما بخصوص انتشار نمط الحياة هذا، يقول الخبير الاجتماعي: “نجده عادة لدى الفئات الهشة والضعيفة، وأحيانا، لدى العائلات المتوسطة، إذ يسعى الناس للتظاهر بالترف والاستمتاع به في المناسبات، مهما كلفهم الأمر، لأنهم لا يعيشونه كواقع يومي، على عكس الأغنياء والمشاهير، الذين نجد أغلبهم يكتفون بتقليل التفاصيل وبالطقوس البسيطة رغم قدرتهم على الترف”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!