-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

محكمة انتقائية عوراء

حسين لقرع
  • 1358
  • 0
محكمة انتقائية عوراء

الولايات الماضية‮ “‬مُحبَطة‮” ‬وغاضبة من جنوب إفريقيا،‮ ‬لأنها رفضت القبض على الرئيس السوداني‮ ‬عمر البشير وتسليمه للمحكمة الجنائية الدولية لمحاكمته بتهم ارتكاب‮ “‬جرائم ضد الإنسانية‮” ‬و”جرائم إبادة‮” ‬في‮ ‬دارفور‮..‬

كان‮ ‬يمكن فهمُ‮ ‬غضب أمريكا لو أنها وقّعت على اتفاقية إنشاء هذه المحكمة في‮ ‬عام‮ ‬2002،‮ ‬لكنها وربيبها الصهيوني‮ ‬و5‮ ‬دول أخرى عارضت إنشاءها،‮ ‬ولم تكتفِ‮ ‬بالامتناع عن التصويت،‮ ‬ووقفت بذلك ضد‮ ‬120‮ ‬دولة في‮ ‬العالم،‮ ‬كما عارضت منح المحكمة‮ “‬سلطة عالمية‮” ‬تتمكّن بموجبها من متابعة أي‮ ‬سفاح في‮ ‬أي‮ ‬دولة،‮ ‬وإن لم‮ ‬يكن عضواً‮ ‬في‮ ‬المحكمة،‮ ‬دون المرور على مجلس الأمن الدولي،‮ ‬والهدف هو حماية قادتها وكذا السفاحين الصهاينة من المتابعة أمام هذه المحكمة،‮ ‬عبر إشهار الفيتو في‮ ‬مجلس الأمن لمنع إحالة ملفاتهم إليها‮.‬

ونتيجة لذلك،‮ ‬تعذّر اليوم متابعة جورج بوش الابن أمام الجنائية الدولية على احتلاله أفغانستان والعراق وقتل مئات الآلاف من مواطني‮ ‬البلدين،‮ ‬كما تعذّر متابعة سفاحي‮ ‬الكيان الصهيوني‮ ‬على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي‮ ‬ارتكبوها في‮ ‬غزة منذ نحو عشر سنوات،‮ ‬آخرها قتل مئات الأطفال والنساء والمدنيين في‮ ‬حرب الصيف الماضي‮.‬

ومن هذا المنطلق،‮ ‬لماذا تعبّر أمريكا عن سخطها من جنوب إفريقيا،‮ ‬لأنها لم تُلق القبض على البشير ولم تسلّمه للجنائية الدولية،‮ ‬والحال أنها ترفض الانضمام إلى هذه المحكمة وأوعزت لربيبها الصهيوني‮ ‬بالمِثل،‮ ‬حتى‮ ‬يكون قادة البلدين بمنأى عن أي‮ ‬متابعة من الجنائية ويستطيعون السفر إلى أي‮ ‬مكان في‮ ‬العالم دون خوف أو منغّصات؟

المفترض أن تكون القوانين الدولية فوق جميع الدول،‮ ‬ومادامت هذه القوانين تجرّم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية،‮ ‬فالمفترض أن‮ ‬ينطبق ذلك على الجميع،‮ ‬وفي‮ ‬أي‮ ‬مكان بالعالم،‮ ‬وأن‮ ‬يُساق أي‮ ‬رئيس بلد وكبار أعوانه إلى المحكمة الجنائية الدولية إذا ارتكب جرائمَ‮ ‬من هذا النوع بحقّ‮ ‬شعبه أو بحق شعبٍ‮ ‬آخر،‮ ‬لكن الحاصل أن الولايات المتحدة والكيان الصهيوني‮ ‬متورطتان في‮ ‬جرائم من هذا النوع،‮ ‬في‮ ‬أفغانستان والعراق وفلسطين،‮ ‬ولكن قادتهما‮ ‬يسْلِمون من كل متابعة أو مساءلة،‮ ‬لأن البلدين رفضا الانضمام إلى المحكمة الدولية،‮ ‬كما أن أمريكا تملك‮ “‬حق‮” ‬الفيتو في‮ ‬مجلس الأمن،‮ ‬ولا تقبل سوى بإحالة ملفات خصومها إلى الجنائية،‮ ‬وليس ملفات قادتها وحلفائها‮.‬

ومادام الأمرُ‮ ‬على هذا النحو،‮ ‬فإن إصرار الجنائية الدولية على القبض على البشير ومحاكمته،‮ ‬يعدّ‮ ‬بمثابة قهر للضعيف،‮ ‬وكيل فاضح بمكيالين،‮ ‬ما‮ ‬يجعل هذه المحكمة تبدو انتقائية،‮ ‬تمييزية،‮ ‬عوراء،‮ ‬لا ترى جرائم بوش وبلير ونتنياهو،‮ ‬على هولها وفظاعتها،‮ ‬ولكنها ترى جرائم البشير بكل وضوح‮.‬

إنها عدالة القويّ‮ ‬التي‮ ‬لا تعاقب إلا الضعيف،‮ ‬ولذلك‮ ‬يحق للبشير أن‮ ‬يرفض المثول أمامها مادام أمثال نتنياهو وباراك وبوش أحراراً‮ ‬طلقاء‮.‬

لا ندافع عن البشير،‮ ‬ولكننا نريد عدالة تعاقب الشريف والوضيع دون تمييز،‮ ‬ولا‮ ‬يفلت فيها أحدٌ‮ ‬من العقاب كائناً‮ ‬من كان،‮ ‬وإلا فالأحرى أن‮ ‬يُترك الجميع للعدالة المطلقة التي‮ ‬لا مهربَ‮ ‬منها لأحد؛ عدالة الواحد الجبّار‮.‬

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!