الجزائر
بعد طرد مدير مستشفى من مكتبه وغلق أبواب مؤسسات عمومية ومدارس بالقوة

مختصون يحذرون من تبعيات الاحتجاجات الفوضوية

وهيبة سليماني
  • 3162
  • 19
ح.م

مدير مستشفى يطرد من مكتبه، أبواب مؤسسات عمومية تغلق بالآجر و”الكادنات”، وموظفون يعتدى عليهم ومسؤولون يحتجزون!.. ظاهرة تفاقمت في المجتمع الجزائري، حتى أضحت سلوكا شائعا في الاحتجاجات وأسلوبا عنيفا للحصول على الحقوق والمطالبة بالخدمات في المستشفيات والبلديات وفي الإدارات العامة.. رغم أن الحراك الشعبي الذي انطلق منذ 22 فيفري الماضي لا يزال سلميا إلا أن بعض المواطنين لجؤوا إلى أسلوب “طاق على من طاق” في تطبيق القانون وغلق المؤسسات..

ويصف مختصون هذا الأسلوب في الاحتجاج، بـ “التشويش المقصود” الذي هدفه زرع الفوضى في الجزائر، فيما يراه آخرون، نتيجة حتمية لغياب قنوات الحوار وتأخر الحلول أحيانا. ويعتبره باحثون في علم النفس حالة مرضية تطورت طيلة 20 سنة من حكم فاسد وإدارة مستفزة ووسط تربوي سيئ للغاية.

أكد الدكتور ناصر جابي، أن هذه الاحتجاجات التي وصلت إلى درجة طرد مديري مستشفيات من مكاتبهم، وغلق أبواب مؤسسات عمومية كالبلديات، ليست عنفا مجسدا بمعنى الكلمة، فهي حسبه، عنف رمزي، من أولى أسبابه غياب الحلول لقضايا اجتماعية، ومطالب ضرورية يعبر عنها الجزائريون بالإكراه الرمزي الجماعي.

وقال جابي، إن هذا العنف الاحتجاجي، يحصل عندما لا تحل مطالب المواطنين، وهو لحد الآن جماعي وليس فرديا، منظما، ويتعلق في الغالب بقضايا الصحة، وبمشاكل المنطقة مثل الفيضانات التي تسببت فيها الأمطار الأخيرة..

 وأكد أن العديد من القضايا المطروحة التي شغلت المواطن الجزائري وسكان بعض المناطق، ورغم الاحتجاج عليها سابقا، لم تلتفت إليها الإدارة العمومية، ولم تؤخذ بعين الاعتبار، حيث إن الفيضانات مثلا، أو بعض المشاكل في المستشفيات العمومية، طرحت منذ سنوات ولكن لا حل لها، وهذا أدى إلى احتجاجات عنيفة قد تتطور حسب الباحث جابي، إلى أساليب أخرى أخطر.

وتأسف الباحث في علم الاجتماع، الدكتور ناصر جابي، من حالة يعيشها المواطن الجزائري، وهي ما وصفه بـ “قضايا بلا حلول”.

أساليب مستفزة في التعامل مع المواطن قد تكون مقصودة

في السياق، أرجع الباحث الصادق جدي، أستاذ القانون الجنائي الخاص بجامعة سطيف، احتجاجات الجزائريين الأخيرة ضد بعض مؤسسات الدولة، وبعض مسؤوليها، إلى انعدام الوعي وجهل الأساليب القانونية والإدارية في المطالبة بالحقوق والقيام بالواجبات.

وقال إن عقلية غريبة استشرت وسط الجزائريين، حيث أصبح كل فرد يعتبر نفسه، مسؤولا عن كل الوظائف، هو الشرطي والدركي، ومدير المؤسسة، والرئيس، وهذا بالمقابل حسبه، لأن بعض الموظفين والمسؤولين في الإدارة العمومية، لا يقومون بواجباتهم التي يمليها عليهم القانون الإداري، ويقابلون أحيانا، المواطن بأسلوب غير لائق ومستفز.

وحسب الأستاذ الصادق جدي، فإن عقلية المواطن الذي يدخل المؤسسات والإدارات تختلف ومستواهم الثقافي يختلف، وعندما يكون الموظف قليل الخبرة أو لا يقوم بواجباته، قد يواجه حالات عنف خطيرة.

وقال: “لا بد على الجزائريين من أن يتحلوا بالسلم وأن يلجؤوا إلى الطرق القانونية لحل مشاكلهم وبأسلوب واع ومتحضر”.

وحذر خبير القانون الجنائي الخاص، مما سماه بـ ” التشويش” و”لفت الانتباه”، بطفرات عنفية وسط المستشفيات والبلديات والإدارات العامة، ما يدخل حسبه، في إطار زرع العنف والفوضى والأمن في من خلال هذه المؤسسات المشروعة التي بقيت تقوم بواجباتها الدستورية للبلاد في ظل الغليان السياسي.

ودعا الجزائريين إلى واجب الوعي بضرورة احترام مؤسسات حيوية مثل المستشفيات التي تقدم خدمات استعجالية وضرورية وتمس المجتمع في وجعه.

وتخوفا من تصاعد أساليب العنف الاحتجاجي، طرح الصادق جدي، حل اللوائح الإدارية القانونية عبر منشورات كإجراءات داخلية جديدة تمنع دخول الأشخاص الغرباء في مكاتب وأقسام مهمة داخل المؤسسات العمومية، وتفرض على المواطن والموظف على حد سواء احترام قانون الإدارة.

وطالب بالردع القانوني ومعاقبة كل من يمارس احتجاجا عنيفا ضد المؤسسات والموظفين والمسؤولين، على أن يسمع للجميع وأن يعاقب كل من قام بالعنف ومن تسبب فيه من خلال تجاهل قانون الإدارة.

وقال جدي، إن الجهات الإدارية عليها أن تستيقظ وتأخذ احتياطها وأن ينتبه مسؤولوها ويحذروا من أياد تحاول أن تشوش عليها لزرع الفوضى.

عنف الاحتجاجات غير مبرر قانونا.. ويجب فتح قنوات الحوار

وحذر حقوقيون، من انتشار الاحتجاجات العنيفة، عبر المؤسسات وفي المستشفيات، خوفا من نتائج سلبية قد تؤدي إلى انزلاقات خطيرة، تدخل البلاد في الفوضى، حيث قال رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، المحامي نور الدين يسعد، إن استعمال العنف غير مقبول قانونا رغم أن الكثير من الضرورات الملحة قد تؤدي إليه.

وحمل نور الدين يسعد، مسؤولي بعض المؤسسات والإدارات العمومية، دفع المواطن الجزائري إلى الاحتجاج بأسلوب عنيف قد يؤدي حسبه، إلى انزلاقات غير محمودة.

 وأكد أن طرق التعامل مع المواطن، وحالة الاستفزاز المقصود، دفعت البعض إلى الاحتجاج بغلق أبواب المؤسسات، وطرد المديرين من مكاتبهم، وحجزهم أحيانا، رغم أن هؤلاء الذين يقومون بالاعتداء أو استعمال العنف، يدركون جيدا أنهم سيتعرضون للعقاب.

وقال يسعد، إن على المسؤولين أن يفتحوا قنوات الحوار مع المواطن الجزائري، وأن يحترموا قوانين الإدارة العمومية، وأن يبحثوا عن أسباب العنف.

كما دعا رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، المحامي نور الدين يسعد، إلى ضرورة معاقبة الطرفين، قائلا: “على المواطن الذي لا يحترم المؤسسات والموظفين ويعتدي على القوانين أن يعاقب، كما على المسؤولين والموظفين الذين يدفعونه إلى ممارسة العنف أن يعاقبوا”.

من جهته، أكد نقيب منظمة المحامين لناحية قسنطينة، المحامي مصطفى الأنور، أن منظومة المجتمع الجزائري لا تسيير بطريقة عقلانية، حيث إن القانون العام يعتدى عليه من طرف أشخاص دون أساليب وطرق ردعية.

وطالب بسن قوانين وإجراءات ردعية تمنع دخول المواطنين إلى مكاتب الموظفين، وقال إن إهانة الموظف أو الاعتداء عليه جناية، لكن لا بد من أن نبحث عن أسبابها وخلفياتها لمعاقبة المتسببين غير المباشرين في الاحتجاجات العنيفة مضيفا: “نحمل المسؤولية للطرفين.. المواطن والمسؤول”.

20 سنة كافية لتكوين مواطن بشخصية عدوانية سلبية!

قال الدكتور مسعود بن حليمة، المختص في علم النفس، إن الهجوم الهمجي على مديري المستشفيات والأطباء والاحتجاج العنيف ضد المؤسسات والموظفين، يجعلنا نقف أمام حقيقة مرة وهي انعدام الثقافة القانونية والصحية في الجزائر عند المواطن.

ويرى أن المجتمع لم يرق إلى مستوى الاحتجاج في الإطار القانوني، وإلى مستوى احترام الوظائف والمهام، حيث أصبح الطبيب حسبه، الذي ينقذ الأرواح يعتدى عليه بمجرد الغضب، محذرا من استمرار الاحتجاجات بالعنف لأنها قد تؤدي إلى وضع أشبه بـ “كولومبيا”.

وتأسف لتجرد بعض الجزائريين من سلوكات عصرية واتجهوا حسبه، نحو سلوكات عدوانية أثرت في بناء الشخصية وجعلتها منحرفة، وقال: “إن 20 سنة من الحكم الفاسد أدت إلى نمو شخصيات مريضة سلبية لا تساهم في بناء المجتمع بقدر المساهمة في تحطيمه”.

وأوضح بن حليمة أن الـ20 سنة الأخيرة اتسمت بعدم وجود العقاب والردع، وتطبيق القوانين بصرامة، وهذا حسبه، أيضا بسبب غياب دور المدرسة والأسرة في تربية الأجيال، حيث إن أغلب المواطنين يمتازون بشخصيات غير سوية ويعتقدون أنهم كل شيء فيتصفون بالتهور.

وأشار في السياق، إلى ضرورة العودة إلى القيم والمبادئ الاجتماعية والعادات والتقاليد قصد إعادة تلاحم المجتمع الجزائري.

مقالات ذات صلة