الرأي

مخلوفي‮.. ‬موت‮ ‬واقف‮!‬

محمد يعقوبي
  • 5818
  • 19

ابتلينا بمسؤولين مشاعرهم متكلسة وقلوبهم يابسة وعقولهم مفلسة، لا ترى أحدا ولا تسمع صوته إذا غرقت مدننا في الظلام، وعندما يصنع شاب مثل توفيق مخلوفي فرحة الجزائريين يخرجون من جحورهم ليسرقوا عرق الأجيال.

نعم انتابني هذا الشعور وأنا أرى وأسمع عدة وزراء يتسابقون في التلفزيون والإذاعة، ليتحدثوا عن معجزة توفيق مخلوفي! سمعت وزير الشباب والرياضة يرغي ويزبد ويبرهن لنا بالدليل والحجة عن عظمة المواهب الجزائرية وعظمة الدولة التي ترعاهم بحنانها وأموالها إلى أن يقطفوا ثمار جهودهم، سمعته يقول هذا الكلام وهو الذي غاب عنا حتى نسينا شكله، بل فينا من لم يره منذ موقعة أم درمان، وهو الذي يعتقد أن “الشباب والرياضة” هما السفر مع الفريق الوطني أينما حل وارتحل، بينما في بلادنا 46 ألف شاب منخرط في هذه لعبة كرو القدم يلعبون في الأحراش مثل الأيتام..

ظهر الوزير ليتحدث لنا عن إنجاز توفيق مخلوفي، وهو الذي بحثنا عنه عندما حدثت سرقات مفضوحة في صفوف البعثة الجزائرية لكننا لم نجده! وبحثنا عنه حينها هاجمت صحيفة “تلغراف” النشيد الوطني بعنف واتهمته باحتوائه ألفاظا عنيفة في حق الشعب الفرنسي، لكن الوزير لاهو ولا غيره كانوا في مستوى الرد على هذه الهجمة.. بحثنا عنه عندما احتدم النقاش حول مشاركة إسرائيليين إلى جانب جزائريين في الألعاب الأولمبية، وكنا نريد أن نعرف الموقف الرسمي لدولتنا فلم نجده.. بحثنا عنه حتى عندما أقصي توفيق مخلوفي قبيل مسابقته قبل أن يسترجع حقه.. فلم نجده! لكن عندما افتك مخلوفي جائزته بأسنانه وإمكاناته الخاصة ظهر جمع من الوزراء يُنشِدون قسما ويصدرون لنا نفاقهم مثلما تعودناهم في المناسبات، يريدون أن يتبنوا إنجاز هذا الشاب ويكذبون علينا بالقول أنهم تعهدوه بالرعاية حتى نال ما ناله من تتويج، لكن الذين عرفوا هذا الشاب قالوا إنه لم ينل سوى الفتات ولم تعطه الدولة سوى بعض المهمات إلى الخارج، ولذلك تكفل بنفسه في جزء كبير من التحضيرات، وساعدته في ذلك عائلته المسكينة التي لاحول ولا قولة لها، لسنا هنا لنعيب على وزرائنا جحودهم واختفاءهم وخيانتهم الأمانة التي سيحاسبهم الله عز وجل عليها يوم القيامة، بل يحز في نفوسنا أن يسرق عرق الأجيال الذين افتكوا نجاحهم وفرصهم بأيديهم دون منة من أحد، فلو أن الحكومة والوزارة ساعدتا الرياضيين المشاركين في الأولمبياد وتكفلت بتحضيرهم لهذه المناسبة – مثلما تدعي – فلماذا تخرج الجزائر صفر اليدين إلا من ميدالية توفيق مخلوفي، هذا الشاب الذي بعث برسالتين؛ إحداهما للحكومة: أن النجاح لن يكون مرهونا بقرار سياسي بل بإرادة الشباب وحبهم لوطنهم، ورسالة أخرى إلى الجزائريين: أنه لا أمل في مسؤولين فشلوا في حل مشكلة الكهرباء وارتضوا أن يناموا مع أولادهم في النور بينما عائلات جزائرية تدفع الثمن في بيوت تحولت إلى حمامات بفعل انقطاع الكهرباء.. لا أمل في حكومة لا يقطع وزراؤها عطلهم من أجل حل هذه المعظلة؟.. لا أمل في برلمان عاجز على عقد جلسة طارئة لأوضاع قد تتفاعل وتتحول إلى كارثة يوم لا ينفع الندم.

لا‮ ‬أمل‮ ‬في‮ ‬رئيس‮ ‬قال‮ ‬للجزائريين‮ ‬إن‮ ‬انتخابات‮ ‬ماي‮ ‬الماضي‮ ‬هي‮ ‬نوفمبر‮ ‬جديد،‮ ‬ثم‮ ‬لم‮ ‬نر‮ ‬بعد‮ ‬ذلك‮ ‬سوى‮ ‬المزيد‮ ‬من‮ ‬الكوارث‮ ‬والانسدادات‮.‬

لا‮ ‬أمل‮ ‬في‮ ‬الأحزاب‮ ‬التي‮ ‬فازت‮ ‬لأن‮ ‬قياداتها‮ ‬منسلخة‮ ‬عن‮ ‬هذا‮ ‬الشعب‮ ‬وحققت‮ ‬الأهم‮ ‬في‮ ‬الانتخابات‮ ‬وإلى‮ ‬لقاء‮ ‬آخر‮ ‬في‮ ‬انتخابات‮ ‬أخرى‮.. ‬

لا‮ ‬أمل‮ ‬في‮ ‬الأحزاب‮ ‬التي‮ ‬رأيناها‮ ‬تحتج‮ ‬على‮ ‬التزوير‮ ‬لأنها‮ ‬فعلا‮ ‬مفلسة‮ ‬تقيم‮ ‬الدنيا‮ ‬ولا‮ ‬تقعدها‮ ‬عن‮ ‬الانتخابات‮ ‬ثم‮ ‬لا‮ ‬نسمع‮ ‬لها‮ ‬صوتا‮ ‬في‮ ‬الاحتقان‮ ‬الاجتتماعي‮.‬

كنا دائما نقول إن النظام الجزائري هو من أذكى أنظمة العالم، لكن تركه الحبل على الغارب في موضوع الكهرباء، خاصة والناس يخرجون وقت الإفطار للاحتجاجات وقطع الطرق، يجعلنا نتساءل لماذا تفوت السلطة على نفسها وعلى الجزائريين فرصة إصلاح الوضع وبيدها ذلك؟.. لماذا نضيع‮ ‬كل‮ ‬هذا‮ ‬الوقت‮ ‬لنجد‮ ‬حلولا‮ ‬لمشاكل‮ ‬تافهة‮ ‬تستطيع‮ ‬أن‮ ‬تقلب‮ ‬علينا‮ ‬جميعا‮ ‬الطاولة؟

لماذا انسحبت الحكومة والبرلمان والرئيس في مشهد يشبه إلى حد ما لحظة سقوط بغداد؟.. لماذا يتركون الشعب يتخبط في مشاكل مقدور على حلها في ساعات؟.. نريد رجلا رشيدا في هذه الدولة، يخرج لنا ليحل مشكلة الكهرباء أولا، ثم يخبرنا عن سر هذا الجمود والغياب واللامبالاة في‮ ‬دواليب‮ ‬الدولة‮ ‬قبل‮ ‬أن‮ ‬نندم‮ ‬جميعا‮ ‬عن‮ ‬هذا‮ ‬الوقت‮ ‬الضائع‮.‬

مقالات ذات صلة